«الأرز باللبن»... شعبي ولذيذ

من أشهر حلوى مصر على عربات شوارعها وعلى موائدها

التفنن في «الأرز باللبن» ليس له حدود
التفنن في «الأرز باللبن» ليس له حدود
TT

«الأرز باللبن»... شعبي ولذيذ

التفنن في «الأرز باللبن» ليس له حدود
التفنن في «الأرز باللبن» ليس له حدود

يُعد طبق «الأرز باللبن» واحداً من أشهى الحلوى الشرقية في المطبخ المصري، فهو الطبق المحبب لدى كثيرين ممن يقبلون على تناوله بين الوجبات لمذاقه الحلو، إلى جانب إمكانية تناوله ساخناً وبارداً، ما يجعله دائم الوجود على المائدة.
يستمد الطبق الشهير اسمه من مكوناته الرئيسية: الأرز، والسكر، واللبن، والفانيليا، وقد يستبدل الماء باللبن أحياناً، أو يضاف النشا أحياناً أخرى حتى يجعل قوامه متماسكاً.
ويشهد الطبق انتشاراً في البلاد العربية بعدة أسماء وطرق إعداد مختلفة، فهو في بلاد الشام «الأرز بالحليب»، وفي فلسطين «بحتة»، ويمتد هذا الانتشار أيضاً لطبق «المهلبية» الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد «الأرز باللبن»؛ حيث تعرف بـ«المحلبية» في ليبيا وتونس، و«المحلاية» في سوريا، والتي تختلف في طريقة الإعداد وفق المكونات المضافة؛ لكن يظل النوع المشترك بين الجميع بمكوناته من اللبن المضاف إليه النشا والسكر والفانيليا.
وتتفنن ربات البيوت في إعداد هذا الطبق، ويمكن تناوله خارج المنزل في محلات الحلوى الكبرى والشهيرة، التي نالت شهرتها تحديداً من طبقي «الأرز باللبن» و«البليلة»، وقد يؤكلا من عربات صغيرة تتخصص في بيعهما؛ لا سيما في الميادين الشعبية.
ويرتبط «الأرز باللبن» تحديداً لدى المصريين بمناسبات معروفة، فهو ضيف دائم في شهر رمضان؛ خصوصاً في فترة ما قبل السحور، كما يرتبط بالاحتفال برأس السنة الهجرية، والموالد الدينية بالمحافظات المختلفة.
كما يرافق «الأرز باللبن» وجبات بعينها، فلا يكتمل طبق «الكشري» الشهير في المحال المخصصة لبيعه المنتشرة في شوارع القاهرة، إلا به، وهو ما يجعله مشهوراً في هذه المطاعم، باسم «الحلو».
ولطبق «الأرز باللبن» تاريخ طويل؛ حيث يقال إنه ظهر لأول مرة في عصر الدولة الأموية؛ حيث طلب الوالي يزيد بن المهلب بن أبي صفرة من الخدم صناعة حلوى خاصة له، فصنعوا «الأرز باللبن» وأسموه «المهلبية»؛ بينما ظهر طبق «الأرز باللبن» بوصفته الحالية لأول مرة في تركيا في القرن الخامس عشر الميلادي، في عهد الدولة العثمانية، وكان الأطباء الأتراك يصفونه كعلاج لمشكلات المعدة؛ ثم انتقل «الأرز باللبن» إلى مصر، خلال الفترة نفسها تقريباً، ولكن لم يستخدمه المصريون كدواء مثلما كان يفعل الأتراك؛ بل قام المصريون بطهيه كنوع من الحلوى.
أما في أوروبا، فكانت تتم صناعة «الأرز باللبن» في البداية كوجبة رئيسية وليست كحلوى، وذلك خلال القرن الرابع عشر، ولكن في القرن الخامس عشر تمت إضافة السكر إليه ليشبه في طعمه وطريقة طهيه «الأرز باللبن» المشهور في عالمنا العربي حالياً.
لكن يُحسب للمطبخ المصري أنه أضاف لطبق «الأرز باللبن» بعض الإضافات، وتنوع في طرق تزيينه بمكونات أخرى؛ لا سيما المكسرات، وذلك ليلبي كافة الرغبات، وزيادة وتنوع مذاقه، بالإضافة إلى أن استخدام الأرز المصري قصير الحبة هو الأكثر ملاءمة في إعداده من الأرز طويل الحبة؛ لأنه يحتوي على كمية من النشا.
وفي السنوات الأخيرة تنوعت أشكال هذه الإضافات، فأصبح هناك «الأرز باللبن بالكريم شانتيه»، و«الأرز باللبن بالفواكه»، و«الأرز باللبن بالمانجو»، و«الأرز باللبن بالكراميل»، و«الأرز باللبن بالقشدة»، و«الأرز باللبن بالكنافة»، و«الأرز باللبن بالبسبوسة»، و«الأرز باللبن بالآيس كريم»، و«الأرز باللبن بالشيكولاتة»، كما تلقى طريقة تحضير «الأرز باللبن» في الأفران رواجاً، وتمثل تسويته بها وخروجه بوجه ذهبي دافعاً قوياً لتجربته وتذوقه.
حسين المالكي، مدير التطوير والتسويق لسلسلة مطاعم «ألبان المالكي»، الشهيرة في مصر، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن طبق «الأرز باللبن» في مصر يختلف عن غيره، فمقومات إنتاجه ممتازة في مصر مقارنة بالبلدان الأخرى، فحبوب الأرز المصرية مختلفة الطعم، مقارنة بأنواع الأرز المختلفة حول العالم، كما تختلف نوعية الألبان المستخدمة فيه، التي تعود إلى ألبان الجاموس المميزة، وهو ما يعطي الطبق مذاقاً خاصاً.
«لماذا يكون الأرز باللبن المجهَّز في المطاعم مختلفاً عن الطريقة المنزلية؟»، يجيب المالكي عن هذا التساؤل الذي تطرحه كثيرات من ربات البيوت، بقوله: «يعود ذلك إلى اجتهاد الصناع في مصر في طرق التحضير؛ حيث طريقة خلط المكونات وتقنيات صناعته، ومحاولة إضافة شيء مميز على مذاق أطباقهم»، لافتاً إلى أن مطاعم «ألبان المالكي» تمتلك «سر الخلطة»، وتجتهد دوماً في ذلك، وهو سبب شهرة منتجاتها منذ عقود طويلة.
أما عن أكثر الإضافات على طبق «الأزر باللبن» الأكثر طلباً، فيشير المالكي إلى أنها المكسرات في المقام الأول، ثم القشدة، ثم الآيس كريم، مؤكداً أن مطاعمه هي من أدخلت الآيس كريم على «الأزر باللبن»، من منطلق التطوير والتجديد، وهو ما كان مستساغاً بشدة من جانب الزبائن.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».