إيطاليا تواجه عدوها غير المرئي بـ«حب الحياة» وإسبانيا على موعد مع أسابيع صعبة

انتشار سريع للفيروس وإصابات ووفيات بالمئات

فتاة تشارك جيرانها في الغناء وقرع الآنية في أحد شوارع نابولي (إ.ب.أ)
فتاة تشارك جيرانها في الغناء وقرع الآنية في أحد شوارع نابولي (إ.ب.أ)
TT

إيطاليا تواجه عدوها غير المرئي بـ«حب الحياة» وإسبانيا على موعد مع أسابيع صعبة

فتاة تشارك جيرانها في الغناء وقرع الآنية في أحد شوارع نابولي (إ.ب.أ)
فتاة تشارك جيرانها في الغناء وقرع الآنية في أحد شوارع نابولي (إ.ب.أ)

أمام الأرقام المرعبة عن الإصابات والوفيات التي تتعاقب على المشهد الإيطالي جرّاء الانتشار السريع والفتّاك لفيروس كوفيد 19 منذ الحادي والعشرين من الشهر الماضي، يشهر الإيطاليّون أسلحة الغناء والموسيقى وحب الحياة لدحر هذا «الموت الاجتماعي» الذي فرضه الوباء عليهم، ويغرفون من مناهل إبداعهم التي لا تنضب لمواجهة الخوف المنسدل على مفاصل البلد الجميل الذي يدفع الجزية الكبرى في هذه الحرب غير المتكافئة ضد عدوّ لا يراه أحد ولا تُعرف عنه سوى الفرضيّات والتكهّنات.
عدد الإصابات المؤكدة يقترب من حاجز العشرين ألفا، منها 2500 في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، والوفّيات تقارب 1500 منها 250 منذ صباح أمس السبت، والنزوح من الشمال إلى الجنوب عاد ليتكرّر بكثافة رغم تكاثر الإصابات في المناطق الأخرى وعدم جاهزية منشآتها الصحّية لمواجهة الموجة الكبيرة المتوقعة من الحالات في الأيام المقبلة.
نائب وزير الصحة بييرباولو سيلّيري أعلن ظهر أمس أنه مصاب بالفيروس، فيما تستغيث مستشفيات عديدة في الشمال لبلوغها سقف قدراتها الاستيعابية وإنهاك أطبّائها وممرضيها الذين سُجّلت بينهم حالات كثيرة. رؤساء الأقاليم الجنوبية يناشدون الأجهزة الأمنية التدخّل بسرعة لوقف تدفّق المواطنين من الشمال، بينما توزّع الحكومة جهودها بين الجبهة الصحّية التي لم تعرف الهدنة منذ أربعة أسابيع، والجبهة الاقتصادية التي تنذر بكارثة يستحيل التكّهن بعواقبها في الوقت الراهن. وفيما تقفر شوارع المدن وتفرغ الحدائق العامة والساحات، تمتلئ المستشفيات ومراكز العناية الصحية، وتتكدّس النعوش الخشبية في كنائس القرى الشمالية التي تدفن موتاها من غير جنازات.
لكن هذه الإيطالية التي تنطوي على نفسها في صمت سقيم وتعضّ على جرحها النازف بغزارة بعد أن تخلّى عنها الأقربون والأبعدون، ترفض أن تعبر بوّابة اليأس وتأبى أن تستسلم للقنوط.
يحرمها الزائر الثقيل من بهجة الحياة في الشوارع والمقاهي والمسارح والمتاحف وملاعب كرة القدم، فتخرج إلى الشرفات في السادسة من كل مساء، تشهر آلاتها الموسيقية وتصدح بالغناء ليتحوّل البلد بكامله إلى مهرجان. ومن النوافذ يطلّ الإيطاليّون مع أولادهم كل ليلة، يرفعون شارات النصر ويهتفون بالنشيد الوطني، يتوحّدون على مسارح الشرفات المرتجلة ويملأون الانتظار بوعد الانتصار على الوباء.
وتشاء المفارقات أنه بينما يسعى كثيرون لمغادرة الأراضي الإيطالية منذ أسابيع حيث تصل طوابير السيارات على الحدود من النمسا وسويسرا إلى عشرات الكيلومترات، ثمّة من يحاول الدخول إلى إيطاليا هرباً من كارثة أخرى معلنة بسبب من انتشار فيروس كوفيد 19. إنهم مئات الإيطاليين الذين يحاولون الخروج من إسبانيا بعد أن أعلنت حكومتها أمس السبت حالة الطوارئ وقررت إقفال المدارس والجامعات ومراكز الترفيه والمحلات التجارية في محاولة يعتبرها الاختصاصيون متأخرة لاحتواء الفيروس الذي أوقع حتى الآن نحو 150 قتيلاً وأصاب أكثر من 7 آلاف، حيث أصبحت إسبانيا الدولة الثانية في أوروبا من حيث عدد الإصابات والوفيات.
وكان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز قد اضطر، بعد استفحال الفيروس في عدد من المناطق وبخاصة في العاصمة مدريد، لإعلان حالة الطوارئ التي تجيز للدولة تقييد حركة المواطنين ووضع اليد على الممتلكات وتقنين الخدمات والسلع والسيطرة على أجهزة الأمن المحلّية والإقليمية. وقال سانتشيز: «تنتظرنا أسابيع صعبة جداً، لكن بوسعنا التغلّب على الفيروس بوحدتنا وانضباطنا». وبعد أن توقّع أن يصل عدد الإصابات قريباً إلى عشرة آلاف، قال: «البطولة اليوم هي غسل الأيدي والبقاء في البيوت وعدم الخروج إلا في حالات الضرورة القصوى». ولم يستبعد سانتشيز تمديد فترة حالة الطوارئ التي أعلنها حاليّاً لأسبوعين.
وبينما رجّحت مصادر مسؤولة في بلدية مدريد أن يتمّ عزل العاصمة بشكل كامل في الساعات المقبلة، أعلنت قيادة الجيش أنها قررت وقف جميع مناوراتها وتمارينها ووضعت في تصرّف الوزارات المعنيّة جميع مواردها الصحّية واللوجيستية من مستشفيات ومختبرات وأطباء لمواجهة الوباء الذي شهد انتشاراً سريعاً في إسبانيا خلال الأيام الماضية.
وبعد أن كانت الحكومة الإقليمية في كاتالونيا قد قرّرت عزل مجموعة من القرى المحيطة ببلدة «إيغوالادا» التي تضمّ 40 ألف نسمة، ذهبت أمس مساعدة الحكومة المركزية لعزل الإقليم بكامله على غرار ما فعلت إيطاليا في إقليم «لومبارديا» الشمالي. وشهدت مدن كاتالونيا منذ صباح أمس السبت تهافتاً كبيراً على محلات المواد الغذائية، بينما ساد هدوء غير مألوف في مدريد التي أفاقت صباح أمس مقفرة بعد قرار إغلاق متاجرها ومرافقها العامة.
وفي إقليم «مرسية» على الساحل المتوسطي قرّرت السلطات المحلّية عزل عدد من القرى السياحية التي تضمّ نحو 380 ألف نسمة بعد أن تهافت عليها عدد كبير من سكّان مدريد الذين يملكون فيها منازل لقضاء العطلة الصيفية.
ومع مرور الوقت يزداد عدد المناطق التي يتمّ عزلها في بلاد الباسك وإقليم جلّيقية وعدد من المحافظات الأندلسية، ما يرجّح اتجاه الحكومة بسرعة إلى إعلان العزل التام للبلاد ابتداء من الأسبوع المقبل. وقد تجاوبت جميع القوى السياسية مع قرار الحكومة وأعلنت تأييده، لكن المعارضة اليمينية انتقدت البطء في اتخاذ القرار وقالت إن وقت المحاسبة يأتي بعد انتهاء الأزمة.


مقالات ذات صلة

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)
صحتك طفل يخضع لاختبار الكشف عن فيروس كورونا (أرشيفية - أ.ب)

دراسة: «كورونا» يزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بالسكري

كشفت دراسة جديدة عن أن عدوى فيروس كورونا تزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بمرض السكري من النوع الثاني مقارنة بعدوى أمراض الجهاز التنفسي الأخرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

موظفة سابقة في «هارودز» تتهم الفايد بالاتجار بالبشر

محمد الفايد (أ.ف.ب)
محمد الفايد (أ.ف.ب)
TT

موظفة سابقة في «هارودز» تتهم الفايد بالاتجار بالبشر

محمد الفايد (أ.ف.ب)
محمد الفايد (أ.ف.ب)

في سياق الاتهامات الأخيرة المثيرة للجدل ضد الملياردير الراحل محمد الفايد، رفعت موظفة سابقة دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية في الولايات المتحدة، تتهم فيها الفايد بالاتجار بالبشر والانتهاك الجنسي. وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

وزعمت الموظفة، التي تشير إليها وثائق المحكمة باسم جين دو، حفاظاً على سرية هويتها، أنها كانت ضحية لسوء المعاملة والانتهاك الجسدي في أثناء عملها في متجر «هارودز» الشهير، الذي امتلكه الفايد منذ عام 1985 حتى عام 2010. وتشير الدعوى إلى أن شقيق الفايد، علي، قد تكون لديه أدلة على هذه الانتهاكات.

علي الفايد (نيويورك تايمز)

وقالت دو، المقيمة في الولايات المتحدة، إنها تعرّضت للاغتصاب والانتهاك بشكل ممنهج، مضيفةً أن علي الفايد، البالغ من العمر 80 عاماً، كان على علم بتلك الانتهاكات ويملك أدلة عليها. وأوضحت الوثيقة المقدَّمة للمحكمة أن علي قد يكون شاهداً رئيسياً في هذا الملف، إذ ورد أنه كان على علم بالنشاطات غير القانونية التي تُتهم بها الشركة.

تأتي هذه الدعوى ضمن سلسلة متزايدة من الادعاءات ضد الفايد، التي أشارت إلى استخدام «هارودز» واجهةً لاستدراج النساء الشابات للعمل هناك واستغلالهن. وقد شبّه البعض جرائم الفايد المزعومة بجرائم مشاهير متهمين بالتحرش الجنسي مثل هارفي واينستين وجيفري إبستين، مشيرين إلى وجود نمط مماثل من الانتهاكات.

الفايد وُصف بـ«الوحش» خلال مؤتمر صحافي عقده الفريق القانوني (أ.ف.ب)

وتسعى دو إلى جمع أدلة من علي الفايد لتقديمها في دعوى قضائية أخرى في المملكة المتحدة. وأضافت في التماسها، أن التحقيقات يجب أن تتناول الخلل النظامي الذي سمح بوقوع هذه الانتهاكات لسنوات طويلة، مما أدّى إلى إفلات المتهمين من المحاسبة.

في سياق آخر، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مؤخراً إلى تقارير من عشرات الموظفين السابقين في «هارودز» الذين أفادوا بتعرضهم لانتهاكات مماثلة. وقد أثارت تلك التقارير ضجة في الأوساط البريطانية، حيث دعت إلى إعادة النظر في ثقافة العمل السائدة داخل المتجر البريطاني ومساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

«هارودز» تشعر بصدمة واستياء بشأن اعتداءات ارتكبها الفايد (أ.ف.ب)

وأضافت المحامية ليندا سينغر، التي تمثل دو، أن شهادة علي الفايد ستكون حاسمة، ليس فقط من أجل قضية موكلتها، بل أيضاً لمساعدة ضحايا آخرين في المطالبة بحقوقهم ومحاسبة كل من ساهم أو أخفى هذه الانتهاكات.