بعدما عانى طويلاً من تهمة قربه من السلطة، باعتباره أحد الأحزاب التي أنشأتها الدولة عام 2008، يتأهب حزب الأصالة والمعاصرة المغربي المعارض لدخول مرحلة جديدة. وقد تؤسس هذه المرحلة لدور أساسي محتمل له في المشهد السياسي للبلاد، في أفق الانتخابات النيابية المقررة عام 2021.
الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الجديدة للحزب، على ما يبدو، قد بدأت بانتخاب قيادة جديدة. ومن ثم، فإن الحزب، الذي تناوب على قيادته خلال 12 سنة خمسة أمناء، هم: حسن بن عدي، ومحمد الشيخ بيد الله، ومصطفى باكوري، وإلياس العماري، وحكيم بن شماش، وجد نفسه على أعتاب ولادة جديدة مع انتخاب أمين عام جديد له خلال مؤتمره العام الرابع، الذي التأم في 9 فبراير (شباط) الحالي، ويتعلق الأمر بالمحامي عبد اللطيف وهبي، المعروف بمرجعيته اليسارية.
وعد النائب عبد اللطيف وهبي، الأمين العام الجديد لحزب «الأصالة والمعاصرة» المغربي المعارض، قبيل انتخابه بقطع علاقة حزبه بالسلطة، ليغدو حزباً مستقلاً «لا يتلقى التعليمات من فوق». كذلك، وعد وهبي بـ«تطبيع» العلاقة مع حزب «العدالة والتنمية» ذي المرجعية الإسلامية، متزعم الائتلاف الحكومي الحالي، الذي كانت قيادته تعتبر التحالف معه - خلال عهد إلياس العماري، بل حتى قبله - ضمن الخطوط الحمراء، ومن سابع المستحيلات.
للعلم، ولد «الأصالة والمعاصرة» في الأساس لـ«كبح جماح» المشروع السياسي الإسلامي بالمغرب. لكن النائب وهبي، مهندس «اللوك» الجديد للحزب، أعلن ببساطة أنه لا توجد لديه «لا خطوط حمراء ولا خضراء ولا زرقاء ولا بيضاء».
النائب السابق الروداني الشرقاوي، عضو المجلس الوطني لـ«الأصالة والمعاصرة» قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن وهبي رجل سياسي قادر على أن يعطي نفساً جديداً للحزب بحكم تجربته والمسؤوليات التي تحملها كرئيس للفريق النيابي للحزب، ورئيس للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، إلى جانب عضويته في المكتب السياسي للحزب.
وأضاف الشرقاوي، أن وهبي «يتميز بأسلوب سياسي خاص يميل إلى تبسيط الأمور بطريقة سلسة، تجعله مقبولاً من قبل شريحة كبيرة من الشعب المغربي»، مشيراً إلى أن «قوته تكمن في مزاوجته بين الأسلوب السلس والجرأة السياسية، وقدرته على خلخلة بعض المعادلات داخل الحزب التي من شأنها أن تعطيه روحاً جديدة».
- «خلخلة المعادلات»
وإذا كانت «خلخلة المعادلات» جزءاً من شخصية هذا السياسي الأمازيغي المشاكس، فإن توضيح وهبي الصريح لموقفه إزاء ما يعرف بـ«الإسلام السياسي»، الذي يجسده حزب «العدالة والتنمية» بالمغرب، قد يدخل ضمن هذه الخانة. وخلافاً للخطاب الرائج داخلياً وإقليمياً بشأن «أخونة» الأحزاب ذات المرجعية الدينية، قال القائد الجديد لأكبر حزب مغربي معارض من حيث عدد المقاعد في مجلس النواب (102 مقعد)، إن «الإسلام السياسي» أصبح يستغل «فزّاعة «في حين أن الأحزاب التي لديها رؤية دينية هي مثل باقي الأحزاب السياسية». وذهب وهبي بعيداً في موقفه، وتساءل «هل إمارة المؤمنين ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ليست إسلاماً سياسياً»؟ وأشار إلى أن «المكوّن الديني جزء من ثقافة المغرب السياسية، ويمكن توظيفه في توحيد الأمة وممارسة العمل السياسي».
غير أن تصريحات وهبي، التي أدلى بها خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في المقر المركزي للحزب في الرباط، يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، لإعلان ترشحه لمنصب الأمين العام للحزب لم تمر مرور الكرام. إذ استغل غريمه حكيم بن شماش، الأمين العام السابق، على بعد أيام قليلة من انعقاد المؤتمر العام للحزب، ليصف قول وهبي أن «إمارة المؤمنين» شكل من أشكال الإسلام السياسي بـ«الطائشة» و«غير المسؤولة» والمخالفة للدستور، وتبرأ منها. وتابع بن شماش، إنها لا تلزم الحزب، ومن ثم، ذهب أبعد في انتقاد كلام وهبي، معتبراً أنه يحمل «مدلولات خطيرة» تحوّل بموجبها إمارة المؤمنين إلى «خصم سياسي».
في حين، توقع كثيرون أن تؤثر تصريحات وهبي على مساعيه للفوز بمنصب الأمين العام للحزب لصالح منافسيه، إلا أن ذلك لم يحدث. وبالتالي، أسقط في يد بن شماش، وظفر وهبي بقيادة الحزب، كما فازت فاطمة الزهراء المنصوري برئاسة مجلسه الوطني، وذلك بعد انسحاب منافسيهما.
يعد وهبي والمنصوري من أبرز القيادات التي أسست ما سمي بـ«تيار المستقبل»، الذي دخل خلال الأشهر الماضية في صراع حاد مع «تيار الشرعية»، الذي يمثله بن شماش وأمناء عامون سابقون للحزب. ووصل هذا الصراع إلى ردهات المحاكم، بيد أن كل ذلك أصبح الآن من الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن المجلس الوطني للحزب أجّل انتخاب أعضاء مكتبه السياسي الجديد، في ضوء تفاقم أزمة فيروس كورونا (كوفيد – 19) وتداعيات الأزمة يوم 29 مارس (آذار) الحالي. ويسود اعتقاد بأن يرجئ اجتماع المجلس الوطني إلى وقت آخر إذا استفحل الوضع جراء انتشار «كورونا».
- إمكانات التحالف مع «العدالة والتنمية» هل هناك اتجاه للتحالف مع «العدالة والتنمية»؟
لقد استقبل قادة حزب «العدالة والتنمية» تصريحات وهبي «الودية» اتجاه حزبهم بتحفظ، بينما اهتم متتبعو الشأن السياسي المغربي أكثر بإمكانية بناء تحالف بين الحزبين الغريمين، خاصة بعد التحالف الذي قام أخيراً بينهما بمناسبة انتخاب الرئيسة الجديدة لجهة طنجة - تطوان - الحسيمة، بشمال البلاد.
هذا، وكان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب «العدالة والتنمية»، قد صرح أخيراً بأنه اتصل بوهبي هاتفياً من أديس أبابا، حيث كان يشارك في قمة الاتحاد الأفريقي، عقب فوزه وهنأه بمنصبه الجديد.
ورداً على سؤال بشأن إمكانية التحالف السياسي مع هذا الحزب، قال العثماني «موقفنا من حزب الأصالة والمعاصرة ما زال ثابتاً ولم يتغير، وتغييره يحتاج إلى مناقشة ولقاء أطر الحزب»، وهو ما يعني أن العثماني ترك الباب موارباً ولم يغلقه في وجه حزب كان «العدالة والتنمية» يعتبره رمز «التحكم».
في غضون ذلك، سيلتقي وهبي مع العثماني، الاثنين المقبل، في إطار الزيارات التي سيقوم بها وهبي لقادة أحزاب الغالبية والمعارضة.
بدوره، قال سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب، أخيراً، في تصريحات صحافية «إنه من السابق لأوانه الحديث عن مراجعة حزب العدالة والتنمية لموقفه من حزب الأصالة والمعاصرة». وأوضح، أن أي مراجعة «ستجرى وفق قواعد الحزب المؤسّساتية والتنظيمية».
وذكر العمراني، أن التحالف مع «الأصالة والمعاصرة» في مجلس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة «تحالف تدبيري ومحدود في سياقه».
هنا تجدر الإشارة إلى أن تقرّب وهبي من «العدالة والتنمية» لم يكن جديداً أو أملاه عليه ترشّحه لمنصب الأمين العام؛ إذ كان لا يخفي - بحكم عمله النيابي - تقاطعه مع بعض مواقف «العدالة والتنمية»، وسبق له أن زار عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة والأمين العام السابق للحزب أواخر مارس 2017 بعد إعفائه من تشكيل الحكومة.
- موقفان وقراءتان
في المقابل، لم يغيّر عدد من قادة «العدالة والتنمية» مواقفهم من «الأصالة والمعاصرة» بعد انتخاب وهبي، وظل الحزب في نظرهم «حزباً سلطوياً»، ومن ضمن هؤلاء النائب السابق عبد العزيز أفتاتي، الذي تساءل «ما الذي تغير حتى يجري الحديث عن تحالف مستقبلي مع هذا الحزب». وقال أفتاتي لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع «ما زال كما كان، هذا الحزب أداة للسلطوية، وإفساد للحياة السياسية والاقتصادية، ولا يمكن للأجندة التي تأسّس من أجلها أن تتغير. هذا هو مساره وخلفيته».
وأضاف أفتاتي، أن «عقد الحزب لمؤتمره لا يعني شيئاً في الحياة السياسية بالمغرب، ولا يفيد، وكأنه لم يحدث». وطالب أفتاتي بـ«التعجيل بدفن الحزب»، مشيراً إلى أن «المرحلة لم تسمح له بتنفيذ أجندته، وبالتالي عليهم أن يخلو الساحة». وزاد قائلاً: «قيادة جديدة أو قديمة، الأجندة هي هي. إنه مشروع متحكم فيه لا يملك قراره... تغير عباس وجاء فرناس.. القضية هي نفسها».
وخلافاً لموقف أفتاتي، يرى الشرقاوي، أن «السياسة فن الممكن، والخلافات لا يمكن طيها من دون طي صفحة الماضي». وأضاف، أن «التوجه نحو المستقبل لا يمكن أن يتم من دون خلق توافق كبير وتجاوز الأفكار الدوغمائية والبيزنطية، فجميع الأحزاب السياسية - في نظره - ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها في بناء هذه المرحلة الحاسمة». ويستطرد، بأن «المغرب تجاوز مرحلة الصراع الآيديولوجي، ودخل في صراع من نوع آخر، هدفه تحقيق التنمية الحقيقية ضمن الرؤية الاستراتيجية للنهوض بالبلاد التي يقودها الملك محمد السادس».
رأي الشرقاوي لم يختلف عما جاء في برقية التهنئة التي بعثها العاهل المغربي الملك محمد السادس لوهبي بعد فوزه بأمانة الحزب. إذ نوه العاهل المغربي بكفاءته وتجربته وقدرته على تعزيز إسهام حزبه على غرار الأحزاب الوطنية الجادة في «رفع تحديات المرحلة الجديدة التي نقود المغرب لدخولها، بكل حزم وعزم، والقائمة على أسس المسؤولية والإقلاع الشامل، في حرص دائم على جعل المصالح العليا للوطن والمواطنين تسمو فوق كل اعتبار».
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي المغربي بلال التليدي، المنتمي إلى حزب «العدالة والتنمية»، أن «الذين التحقوا بهذا الحزب، وأسسوا قياداته العليا والوسيطة، ويصنعون اليوم حاضره، ويشكلون تركيبته السوسيولوجية، هم الصورة المطابقة للحزب في الواقع، ولا يمكن صناعة الحزب أو إعادة إخراجه بتجاوز لهذه الصورة. ومن ثم، فإن السؤال عن صياغة هوية جديدة، أو بناء تموقع جديد اتجاه السلطة أو اتجاه النخب، هو مجرد ترف فكري لا غير. وهو في الحقيقة خطاب للسلطة أكثر منه خطاب للداخل الحزبي».
وأردف التليدي، أن «الأصالة والمعاصرة» اليوم، يقف أمام معضلتين: الأولى مرتبطة بالدور المجتمعي، أي بالعرض السياسي الذي يمكن أن يكون ذا مصداقية لدى المجتمع. والثانية مرتبطة بالسلطة، أي العرض السياسي الذي يجعل السلطة قادرة على إعادة تقييم موقفها اتجاه دور مستقبلي له بعد نكبته في انتخابات 2016 وسقوط قيادته».
بدوره، تساءل مصطفى السحيمي، المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري المغربي، عن المشروع السياسي الذي يحمله «الأصالة والمعاصرة». ورأى أن هذا الحزب «لا يملك ما يكفي من الشرعية للدفاع عن الحداثة مقارنة بأحزاب أخرى مثل الاتحاد الاشتراكي أو حزب التقدم والاشتراكية، اللذين يجران معهما مساراً تاريخياً من النضال في هذا المجال».
ويعتقد السحيمي أيضاً، أن «الأصالة والمعاصرة» ليس هو الحزب المؤهل للدفاع عن الأصالة في مواجهة أحزاب مثل: العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والحركة الشعبية. لكن في المقابل، خلافاً لهذا الرأي، يرى الشرقاوي أن «الأصالة والمعاصرة» عاش بعض المشاكل كباقي الأحزاب السياسية، إلا أنه لا يمكن القول بأنه غير قادر على لعب دور في المستقبل وقوته تكمن في المشروع السياسي الذي يحمله، والذي يجعل المواطن في صلب التصور المجتمعي للحزب.