خبراء: روسيا لن تستطيع تحمل ضغوط تراجع أسعار النفط

أججت موسكو الخلافات في أسواق النفط بانسحابها من اتفاق «أوبك+» (رويترز)
أججت موسكو الخلافات في أسواق النفط بانسحابها من اتفاق «أوبك+» (رويترز)
TT

خبراء: روسيا لن تستطيع تحمل ضغوط تراجع أسعار النفط

أججت موسكو الخلافات في أسواق النفط بانسحابها من اتفاق «أوبك+» (رويترز)
أججت موسكو الخلافات في أسواق النفط بانسحابها من اتفاق «أوبك+» (رويترز)

في منحى جديد تشهده أسواق النفط العالمية، بإعلان السعودية رفع إنتاجها إلى 13 مليون برميل يومياً، ترسل السعودية رسالة تحديد آليات القوة وضبط الأسعار في الأسواق العالمية، في وقت فسر فيه مختصون في قطاع النفط أن رفع الطاقة الإنتاجية للسعودية يأخذ بعدين اقتصاديين.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» يأتي التفسير الأول في الاستحواذ على حصّة كبيرة من السوق، في ظل التعنُّت الروسي بالإخلال بمنظومة تعاون منتجي النفط، فيما التفسير الثاني يرتكز على مناورة السعودية باعتبارها «المنتج المرجح» للدفع تجاه ضبط المؤشرات السعرية والإنتاجية لصالح المصدرين من داخل المجموعة وخارجها.
ويرجح المختصون أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد لقاء مرتقباً لمنظمة «أوبك بلس»، بهدف حلحلة الأمور والخروج من الأزمة والدفع نحو التخفيض الإضافي، الذي سينعكس على الأسواق العالمية من خلال الارتفاع التدريجي لأسعار النفط إلى نحو 40 دولاراً للبرميل حتى شهر أبريل (نيسان) المقبل.
وفي هذا الجانب، قال الدكتور راشد أبانمي، الخبير النفطي، إن كبح جماح انخفاض الأسعار التي تواجهه حالياً «سقوط حر» في الأسعار لن تجدي، وذلك بسبب أزمة تفشي فيروس كورونا (كوفيد - 19) الذي كان له أثر في تعطيل معظم قطاعات الإنتاج الصناعية وقطاع النقل البحري، الجوي، والبري وبالتالي انخفاض حاد في الطلب على النفط، ليتبعه بعد ذلك عدم الوصول إلى اتفاق بين دول «أوبك+».
وأوضح أبانمي أن الاقتصاد الدولي ينزف بشكل متسارع، إذ بحسب تقديرات «بلومبرغ»، خسر الاقتصاد العالمي خلال أزمة تفشي «كورونا» على مدى الثلاثة أشهر أكثر من 2.7 تريليون دولار، وهو الرقم الكبير في مدة زمنية قصيرة لم يشهدها العالم منذ الأزمة المالية عام 2008.
وقال إن عدم الاتفاق بين دول «أوبك+» نتج عنه ردة فعل فجائية للاستحواذ على الحصص في ظل عدم التوصل إلى اتفاق على التخفيض الذي اقترحته «أوبك» بمليون ونصف المليون برميل ولم تقبل به روسيا، موضحاً اندلاع التنافس على استحواذ حصص الطلب العالمي في ظل التراجعات الاقتصادية وبالتالي انخفاض الطلب على النفط.
وسلّط أبانمي الضوء على تكلفة إنتاج النفط بقوله: «إن تكلفة النفط الصخري تقترب من 49 دولاراً، فيما تصل تكلفة إنتاج النفط الروسي إلى نحو 42 دولاراً، أما في السعودية فتبلغ تكلفته بين 6 دولارات و8 دولارات»، مضيفاً أنه مع هذا، ففي حال استمرت الحالة على ما هي عليه، ستخسر كل الأطراف إذا رفعت الإنتاج وخفضت الأسعار، لأن التراجع في الاستهلاك العالمي كبير جداً.
ويرى الخبير النفطي أن الرابح الأكبر في تراجع الأسعار هي الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام، لأن اقتصادها لا يعتمد على تصدير النفط ولا يشكل أي نسبة تُذكر في الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في هذا الوقت الذي يعاني اقتصاد منافسيها من شلل، وتحديداً الصين، التي لن تستفيد من السعر المنخفض كما الحال في السابق، بسبب تفشي الفيروس والشلل شبه العام في إنتاجها، مضيفاً: «الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيكون مستفيداً من هذا التراجع»، وأسعار الوقود المنخفض في محطات الوقود ستشكل رضاً لدى الناخب الأميركي، ما سيصبّ في صالح ترمب.
إلى ذلك، أكد محمد الضبعي، المختص في الشأن النفطي، أن «السعودية وبالأرقام هي كبيرة أسواق النفط لسبب مهم، يتمثل في كونها منتجاً مرجحاً»، أي القادر على ضبط الأسواق ولديها فائض إنتاجي عالٍ، كما أن لديها القدرة على خفض الإنتاج بشكل كبير، إضافة إلى أن اقتصادها مرن ويتحمل أي نقص، فيما لا توجد هذه الميزة لدى منافسيها، مشيراً إلى روسيا التي ليس لديها فائض إنتاجي، وغالباً ما تنتج بكامل قدرتها، وحاجاتها التنموية ملحة «فلا تستطيع أن تخفض إنتاجها بشكل كبير».
وأضاف الضبعي أن ما يحدث في العالم مع انتشار فيروس «كورونا»، لا سيما في أكثر الدول طلباً على النفط، الصين، دفع بوصول أسعار البرميل في التداولات العالمية إلى نحو 45 دولاراً، قبل اجتماع «أوبك+»، الجمعة الماضي، وهذا عامل طبيعي يخضع للعرض والطلب، إلا أنه بعد الاجتماع انخفض إلى 32 دولاراً للبرميل، وكان الأحرى مع انخفاض الطلب على النفط، أن تعمق مجموعة «أوبك+» تخفيض إنتاج الخام، للمحافظة على توازن السوق العالمية، إلا أن الحاجات التنموية لدى روسيا دفعتها لعدم القبول بالتخفيض وإلغاء اتفاق «أوبك+» مما سبب فوضى إنتاج في الأسواق.
هنا ارتأت السعودية، كما يقول الضبعي، أن عدم وجود اتفاقية لضبط عمليات الإنتاج بين جميع الدول المصدرة، خصوصاً من خارج «أوبك» أكد لروسيا أنها ليست الوحيدة القادرة على رفع الإنتاج، فالمملكة لديها القدرة على ذلك، رغم أنه ليس الحل في ضبط الأسواق العالمية، موضحاً أن «روسيا لن تستطيع المقاومة طويلاً، وستكون هناك دعوة في الأيام المقبلة لعقد اجتماع لـ(أوبك+) وسيكون فيه خفض للإنتاج عودة للاتفاق السابق».



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.