رغم إعلان دور أزياء بارزة تخليها عن استخدام جلودها الطبيعية، والتي ظلت لسنوات رمزاً للترف، صعدت جلود الزواحف إلى واجهة الموضة من جديد. فهل جلود الزواحف لها طابع مترف حتى وإن كانت غير أصلية؟ وهل نجحت صناعة الموضة في تمرير مفهوم الجلود الأخلاقية؟ أسئلة كثيرة تدور بالبال عند متابعة عروض أزياء شتاء 2020؛ فقد كان هذا التوجه قوياً في الأكسسوارات والأزياء؛ خصوصاً أنه يستحضر حقبة السبعينات السائدة هذا العام، بينما ركزت بعض دور الأزياء على جلد الثعبان بتدرجات لونية خيالية، مثل دار «جيفنشي» التي قدمت حقيبة بظلال من الأزرق والأخضر معاً، و«توري بورش»، و«مايكل كورس»، و«ستود».
استعمل آخرون جلد التماسيح؛ حيث ظهر هو أيضاً في عرض «جيفنشي» بلون أرجواني، وفي عرض «ماكس مارا» بظلال بنية، فضلاً عن بيوت أزياء أخرى، نذكر منها «ريبيكا مينكوف»، و«زيمرمان»، و«بوتيغا فينيتا»، و«تيبي».
عندما أعلنت دار «شانيل» امتناعها عن استخدام جلود الزواحف الطبيعية في ديسمبر (كانون الأول) 2018، كان هذا القرار بمثابة صدمة لطبقة من النساء لن تقبل الجلود الصناعية بسهولة. كان لهذا القرار تأثير مُدوٍّ في جميع أنحاء الصناعة الفاخرة.
وعلى النهج نفسه أكدت علامة «فيكتوريا بيكهام» أنها ستحظر هذه الجلود من تشكيلة شتاء وخريف 2019 – 2020، ثم توالت التحركات في اتجاه مزيد من المعايير الأخلاقية تجاه البيئة، مثلاً متجر «سيلفريدجز» الذي يقع مقره في لندن، قرر وقف بيع المنتجات التي تحتوي على جلود التماسيح والسحالي والأفاعي. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، لم تتراجع موضة جلود الزواحف؛ بل صعدت هذا الشتاء لنرصدها في كل مكان، بما فيها تلك المصنوعة من جلود صناعية.
شعبيتها تؤكدها موضة الشارع، وترشيحات المحررين المسؤولين عن قوائم التسوق في مجلات الأزياء، والشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. تقول مستشارة الموضة، لمى بو مطر، عن سر رواج الأكسسوارات المصنوعة من جلود صناعية تحاكي جلود الزواحف الطبيعية: «كل شيء خلقه الله ساحر، ودائماً كل التصاميم الناجحة هي المستوحاة من الطبيعة، لا سيما إذا تجسدت بشكلها الحقيقي، كما أن سحر القطع الجلدية بشكل عام لا يبهت، ربما يتراجع بعض الشيء لكن حضوره دائم».
ويُعتبر لون وملمس ونمط المحفظة أو الحزام أو الحذاء أمراً ضرورياً للمشاهير وللمهتمين بالأزياء، عند السعي لتحقيق مظهر مثالي ومصقول، لذلك كان طبيعياً أن نشاهد حقائب وأحذية من جلود الزواحف.
وتلفت بو مطر إلى أنه «يمكن توظيف هذه الأكسسوارات في إطلالات مختلفة، تتباين بين الجرأة والكلاسيكية والإثارة. في كل الحالات تُعطي بُعداً أنيقاً وتوفر تنوعاً في استعمالاتها. والأهم من هذا أنها تدوم طويلاً، وتبقى محافظة على رونقها، وهو ما يعتبر في عالم الأناقة حساً فنياً وإبداعياً بعيداً عن الاستهلاك واللامسؤولية».
ويشير الرواج الراهن لجلود الزواحف الصناعية إلى أنها متقنة الصنع تحترم التوازن البيئي، وفي الوقت نفسه تستمد سحرها من محاكاة الطبيعة، وهو ما يجعلها «مقبولة لدى الأجيال الشابة». إذ توقع تقرير نشرته شركة «نيلسن» العالمية للاستبيانات، أن «73 في المائة من جيل الألفية على استعداد لدفع مبالغ إضافية، مقابل المنتجات المستدامة التي تحمي البيئة». وحسب تقرير مستقبلي آخر نشرته شركة «بين أند كومباني»، فسيمثل جيل الألفية «85 في المائة من زبائن سوق المنتجات الفاخرة بحلول عام 2025؛ حيث يسعى هؤلاء المستهلكون الشباب إلى الاستثمار في منتجات عالية الجودة».
وصحيح أن جلود الزواحف الطبيعية تقدم المظهر الفاخر، وكذلك تدوم طويلاً، إلا أن زيادة الوعي بالمصادر الأخلاقية والمستدامة، أدت إلى تغيير بعض الأفكار التقليدية التي ظلت لسنوات لا يعنيها سوى المظهر الفاخر. فهذا الجيل يرى الاستدامة نوعاً من الرفاهية الأخلاقية. توضح لمى بو مطر أن مسار سوق الأزياء الفاخرة في الوقت الحالي بات يضم «دور أزياء توقفت عن تقديم جلود طبيعية، مثل (شانيل) و(ستيلا مكارتني) و(فيكتوريا بيكهام)، معتمدة على إنتاج الجلد الصناعي من الألياف النباتية بجودة وحرفية عالية، معتبرة أن صيد الحيوانات ودباغتها خطر أخلاقي وبيئي».
ويمكن القول إن الاتجاه السابق يحظى بكثير من الدعم؛ لكن في الوقت نفسه يهاجمه بعض المصممين باعتباره «قراراً كسولاً». وتقول لمى بو مطر: «هناك آراء تعتبر أن الجلد الطبيعي هو الأكثر استدامة، ويبقى طويلاً بجودته وجماله»، وتشرح أن هذا المنظور «يذهب إلى أن الجلود غير الطبيعية يمكنها أن تزيد النفايات، باعتبارها المصدر الأول للتلوث، بينما تخفف الجلود الطبيعية من انتشارها».
كما توضح: «يمكن وضع بعض المعايير التي تحمي البيئة عند استخدام الجلود الطبيعية في الموضة، مثل التأكد من مصادر الجلود بطرق تتوافق مع المعايير الأخلاقية؛ حيث يقع الاختيار على زواحف كثيرة غير مهددة بالانقراض».
يُذكر أن بعض دور الأزياء لديها مزارع خاصة ومدابغ لاستخراج الجلود، وتأمين جميع المواد الطبيعية لتصاميمها، مثل «هيرمس» و«غوتشي»، وهو أيضاً ما يضمن وضع معايير للصيد لضمان عدم التسبب في خلل بيئي. وسواء كانت طبيعية أو صناعية، فإن رواج جلود الزواحف في ازدياد.
رواج جلود تحاكي الزواحف يؤكد الرغبة في منتجات تعكس الرفاهية
امتناع كثير من بيوت الأزياء عن استعمالها لم يؤثر على مبيعاتها
رواج جلود تحاكي الزواحف يؤكد الرغبة في منتجات تعكس الرفاهية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة