الإنسان يتعرض لمكونات سامة حتى في القاعات التي يُحْظَر فيها التدخين

الإنسان يتعرض لمكونات سامة من التدخين (أ.ف.ب)
الإنسان يتعرض لمكونات سامة من التدخين (أ.ف.ب)
TT

الإنسان يتعرض لمكونات سامة حتى في القاعات التي يُحْظَر فيها التدخين

الإنسان يتعرض لمكونات سامة من التدخين (أ.ف.ب)
الإنسان يتعرض لمكونات سامة من التدخين (أ.ف.ب)

كشفت دراسة حديثة في ألمانيا أنه من الممكن أن يتعرض الإنسان لمكونات سامة من دخان السجائر، حتى في القاعات التي يُحْظَر فيها التدخين. وأوضحت الدراسة أن قياسات أُجريت داخل قاعة سينما في مدينة ماينتس (غرب ألمانيا) أثبتت تعرض روادها لمواد ضارة تعادل ما ينجم عن التدخين السلبي لعشر سجائر في الساعة.
وذكرت مجلة «ساينس أدفانسس» العلمية أن العلماء الذين أعدوا الدراسة، وهم من ألمانيا والولايات المتحدة، بينوا أن هذه المواد وصلت إلى قاعة السينما عن طريق أجساد وملابس مدخنين. ويُطْلق على دخان السجائر في قاعات غير المدخنين مصطلح «دخان الطرف الثالث»؛ أي آثار الدخان الناجمة عن مصدر ثالث، للتمييز بينها وبين التدخين الفعلي والتدخين السلبي، وقلما تعرضت هذه الظاهرة للدراسة حتى الآن، حسب وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).
وقام الباحثون، بقيادة درو جنتنر من جامعة ييل في نيوهافن بولاية كونيكتيكت الأميركية الذي كان آنذاك عالماً زائراً في معهد «ماكس» بلانك للكيمياء في ماينتس، بتحليل الهواء في قاعة سينما في مدينة ماينتس بواسطة مقياس طيف الكتلة لأربعة أيام متتالية في يناير (كانون الثاني)2017. وبهذا المقياس، حدد الباحثون مكونات معينة من دخان السجائر مثل 2.5-ديميثيلفوران، 2-ميثيلفوران وأسيتونتريل في مسار زمني مفصل. وبالإضافة إلى ذلك، تم فحص عينات الهواء في المختبر، بحثاً عن مكونات أخرى.
وأظهرت النتائج أن تركيز المواد ارتفع بشكل ملحوظ عند امتلاء قاعة السينما البالغ حجمها 1300 متر مكعب، عند تشغيل العرض السينمائي. وحتى المجموعات الصغيرة التي وصلت إلى السينما بعد بدء العرض، اتضح أثر تعرضها في القيم المرصودة. وبلغ إجمالي ما سجله الباحثون 35 مركباً مما يُعْرَف بالمركبات العضوية المتطايرة (في أو سي إس) التي لها علاقة بدخان التبغ، ومن هذه المركبات مادة البنزول التي تعد من مسببات السرطان، أو المواد الضارة أكرولين والفورمالدهايد.
ونُقِل عن يوناتان ويليامز، من معهد «ماكس بلانك»، الذي ساعد في إعداد الدراسة، قوله في بيان للمعهد: «نستنتج بناء على هذه القياسات أن الناس ينقلون دخان الطرف الثالث عن طريق ملابسهم وأجسادهم إلى الأماكن المغلقة». وكتب العلماء في الدراسة أن ارتفاع تركيز المواد في نهاية العرض يمكن أن يُعْزَى إلى ارتفاع وتيرة التنفس في أثناء الخروج أو إلى حركة الملابس التي يرتديها الجمهور.
وفي أثناء عرض أفلام أطفال بعد الظهر، تعرض الحضور لتركيزات متوسطة من دخان التبغ تعادل التدخين السلبي لـ25.‏0 سيجارة في الساعة، بينما بلغ متوسط هذه النسبة في أثناء عرض أفلام للكبار في المساء 5.‏2 سيجارة كل ساعة، وارتفعت هذه النسبة إلى 6.‏5 سيجارة في العرض المتأخر الذي يقام مساء السبت، ووصلت نسبة التركيز لبعض مكونات دخان التبغ إلى ما يتراوح بين 8 و15 سيجارة في الساعة. وأظهرت نتائج فحص عينات الهواء في المعمل أن النيكوتين يمثل في المتوسط 15 في المائة من الأيروسولات (جزيئات ما يسمى الهباء الجوي) الموجودة في هواء قاعة السينما.
ورغم أن معدل تغيير الهواء بلغ معيار 5.‏1 في الساعة -أي أن الهواء الذي يتم تغييره في هذه الفترة الزمنية يعادل 5.‏1 حجم القاعة- فإن القيمة التي تم قياسها لمركب 2.5-ديميثيلفوران قبل بدء عرض أول فيلم في أول يوم قياس بلغت 64 جزيئاً لكل تريليون جزيء. وقد فسر الباحثون هذا الأمر بأن هذه المادة نُقِلَتْ في أثناء عروض سابقة، واستقرت على أسطح كالحوائط والمقاعد، ثم انطلقت بعد ذلك.
وكتب فريق البحث أن «إطلاق أشخاص لدخان الطرف الثالث يعد في الغرف المغلقة مصدراً ملحوظاً للمركبات العضوية المتطايرة (في أو سي إس)»، وأضاف جنتنر: «لهذا، فليس من الصحيح الاعتقاد بأن شخصاً ما يعتبر في مأمن من التأثيرات الصحية المحتملة لدخان السجائر لمجرد أنه لم يتعرض للدخان مباشرة».
ونوه العلماء بأن تركيزات المواد التي تم قياسها ظهرت في قاعة كبيرة جيدة التهوية، وقال جنتنر إن «معدلات الانبعاثات المرصودة في قاعة أضيق، أو ذات تهوية أقل جودة، مثل سيارة أو حانة أو قطار أو قاعة صغيرة في منزل، من شأنها أن تؤدي إلى تركيزات أعلى بكثير، وتعريض أعلى مستوى للناس (لمكونات دخان السجائر)».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».