«الميراث»... أول «سوب أوبرا» سعودي تعرضه «إم بي سي»

الممثلة هند محمد في مشهد من مسلسل «الميراث»
الممثلة هند محمد في مشهد من مسلسل «الميراث»
TT

«الميراث»... أول «سوب أوبرا» سعودي تعرضه «إم بي سي»

الممثلة هند محمد في مشهد من مسلسل «الميراث»
الممثلة هند محمد في مشهد من مسلسل «الميراث»

من منّا لا يتذكر مسلسلات أميركية من نوع «سوب أوبرا» حفرت في أذهاننا ولازمت إيقاع حياتنا على مدى سنوات طويلة؟ فكما «بايتون بلايس» كذلك «داينستي» و«دالاس»، شكلت جميعها محطات حياة لدى المشاهد العربي عامة واللبناني خاصة. بعضنا كبر معهم ونضج وعشق وتزوج وأصبح لديه عائلة وأولاد وهو لا يزال يتابع هذه المسلسلات. ولم تكن تقل مدة المسلسل الواحد من تلك اللائحة عن 3 سنوات متتالية. وبعض تلك الأعمال كـ«دالاس» تجاوز هذه المدة ليعرض من عام 1978 لغاية عام 1991.
واليوم يتابع مشاهدو «إم بي سي» أول عمل سعودي من نوع «سوب أوبرا» الذي سيمتد إلى 250 حلقة. وقد تزيد عدد الحلقات في المستقبل القريب نظراً لتفاعل المشاهد العربي معه، بحيث حقق منذ أسبوع عرضه الأول نسبة مشاهدة عالية.
ويشارك في كتابة هذا العمل مجموعة من الكتاب على رأسهم العالمي توني جوردن وكذلك نور الشيشكلي وجيسكار لحود ومازن طه وثائر العقل. ويحمل التنفيذ توقيع المخرجين كريستين ميليك وإندرا بوز وتامر بسيوني وعبد الله الجنيبي.
والمعروف أن الأسترالي توني جوردن اشتهر في كتابة أعمال «سوب أوبرا» في العالم ولاقت كتبه نجاحات كبيرة مما خوّله الحصول على جوائز عديدة وبينها «مايلز فرانكلين أوورد». أما الكتّاب الآخرون أمثال السورية نور الشيشكلي وزوجها مازن طه، فلهما باع طويل في كتابة أعمال الدراما وبينها: «ص» و«جريمة شغف» و«مرايا» و«جوليا» و«حبة كاراميل» وغيرها، وكذلك الكاتب ثائر العقل.
ويحكي مسلسل «الميراث» قصة صراع قديم ومتجذّر بين أسرتيْن (البهيتاني والخطواني) يترك النار مشتعلة بصورة دائمة بينهما. وهذا قبل أن يتدخّل القلب ويقول كلمته بين شاب وفتاة من العائلتيْن المتحاربتيْن. وتنطلق أحداث العمل منذ لحظة وفاة عبد المحسن البهيتاني التي ستكون نقطة التحول الجذري لمرحلة ما قبل وما بعد. فموت الرجل سيكشف عن حقائق كثيرة، منها الإعلان عن وجود ولد ذكر له من زوجة سابقة، ومخططات تكاد تبوء بالفشل لشراكات تعاقدية بين العائلتين المتقاتلتين، بالإضافة إلى مؤامرات للسطو على الميراث الذي تركه الرجل. وفي ظل هذه الظروف، يتسابق الجميع على نيل حصة ليست من حقه من المال، فلا يجد الإنسان الطيّب مكاناً له ولا يعرف كيفية الحصول على أبسط حقوقه، حينما يقرّر الأقربون والمحتالون اقتناص أكبر قدر ممكن من التركة. وهو يعد عملاً درامياً سعودياً طويلاً يرصد واقع الحياة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والمتغيرات الحاصلة في المملكة العربية السعودية. كما يلقي الضوء على الفرق بين جيل قديم وآخر حديث برز عدم التشابه بينهما في الفترة الأخيرة. ويأتي العمل نتيجة ثمرة تعاون بين»MBC Studios» و«Twofour54» و«Image Nation Abu Dhabi».
وكان من اللافت اختيار الكاتب اللبناني جيسكار لحود ليشارك في كتابة هذا العمل هو الذي اشتهر بإعداد برامج «توك شو» وأخرى انتقادية ساخرة كـ«خليها علينا» و«كتير سلبة شو» وغيرها. وعن تجربته في هذا المسلسل يقول: «إنها تجربة فريدة من نوعها نقلت قلمي من بيئة إلى أخرى لم أكن أعرف عنها الكثير. فقمت بجهد كبير وبأبحاث متواصلة كي أتلقف البيئة السعودية وتفاصيلها الدقيقة». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يشكّل (الميراث) عودتي إلى كتابة أعمال الدراما بعد أن ابتعدت عنها بقرار ذاتي. ولقد أفادتني كثيراً على الصعيد الشخصي بحيث أصبحت أكثر إلماما ببيئة غير لبنانية تشبهنا إلى حدّ كبير مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات في العادات والتقاليد».
ويرى لحود في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن مسلسل «الميراث» يتبع تقنية مسلسلات «سوب أوبرا» بكل معالمها والمعروفة ببطء أحداث يتخللها مفاجآت متتالية. «لا تنتهي حلقة معينة إلا بحدث غير متوقع، وفي الحلقة الخامسة من كل أسبوع (يوم الخميس) تحمل في طياتها خبطة في أحداثها، فينتظرها المشاهد في أول الأسبوع الجديد بحماس كبير».
ويؤكد جيسكار لحود أن فريق العمل المشارك في المسلسل منسجم ومتناغم بشكل كبير. وأن «هناك فريقا يشرف على الإعداد بشكل دائم ونناقش معه ككتاب كل شاردة وواردة كي يأتي النص على المستوى المطلوب. كما أننا نقرأ تعليقات الناس على مواقع التواصل الاجتماعي كي نأخذ بها لتطوير العمل وليكون أقرب من المجتمع السعودي وبالتالي من المشاهد».
وبحسب جيسكار لحود، فإن كل كاتب مشارك في العمل يضع لمسته الخاصة المعروف بها، فكما نور الشيشكلي ومازن طاه كذلك ثائر العقل. «حتى إننا تعلمنا ثقافة الحذف، فبتنا غير متعلقين بما نكتبه على قدر ما نهتم بأن يحصد العمل النجاح المطلوب في حبكة نص جيدة».
وعما اكتشفه في البيئة السعودية لا يشبه بطبيعته البيئة اللبنانية المعتاد عليها يرد: «في النهاية نشبه بعضنا البعض من حيث إيقاع حياتنا ومشكلاتنا اليومية. وقد نجد بعض التفاوت في العادات والتقاليد ولكننا في الإجمال بيئتان متشابهتان إلى حدّ كبير كما جميع البيئات العربية».
تبلغ مدة الحلقة الواحدة من مسلسل «الميراث» نحو 25 دقيقة، ويشارك في العمل مجموعة من الممثلين السعوديين وبينهم راشد الشمراني وفيصل فريد وهند محمد ومحمد الحجي ونور حسين وكابتن ريما ومهند بن هذيل ورنا الشافعي وتركي الكريديس.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».