كيف ينضم الشباب في مصر إلى «داعش»؟

«آل حرب وأبو سياف والظواهري الصغير» سفراء عبر الإنترنت.. وعملاء بالمساجد للتجنيد

صفحة  من موقع الكتروني بأسماء حركية لمن انضموا إلى تنظيم داعش
صفحة من موقع الكتروني بأسماء حركية لمن انضموا إلى تنظيم داعش
TT

كيف ينضم الشباب في مصر إلى «داعش»؟

صفحة  من موقع الكتروني بأسماء حركية لمن انضموا إلى تنظيم داعش
صفحة من موقع الكتروني بأسماء حركية لمن انضموا إلى تنظيم داعش

«السلام عليكم.. أخوك أحمد، أحب أتعرف عليك يا فضيلة الشيخ».. «اسمي محمد (ف) أدرس في جامعة الأزهر».. «أنت تأتي كثيرا إلى الجامع الأزهر؟».. «نعم».. «سوف نلتقي في وقت آخر لتسهم معنا في نصرة الإسلام». هذه العبارات الخاطفة كانت حديثا دار بين أحد العملاء ويدعى «أحمد» من الذين ينتمون لعدد من الجماعات الإرهابية ومن بينهم تنظيم داعش، وبين طالب وافد للدراسة بالأزهر من مالي يرتدي الزي الأزهري، يتلقي الدروس الفقهية في الجامع الأزهر بالقاهرة.
حال الجامع الأزهر لا يختلف كثيرا عن حال مسجد الإمام الحسين في الجهة المقابلة من الطريق، حيث يقف عملاء لتجنيد الشباب أمام المسجد وفي داخله، سواء من الذين يدرسون في جامعة الأزهر أو الوافدين، أو الشباب الذي لا يجدون فرصة عمل ويأوون إلى هذا المسجد خاصة من أقاليم مصر.
«الشرق الأوسط» رصدت في جولة لها بمنطقة الحسين كيف يتم تجنيد الشباب للسفر لـ«داعش» من أمام المسجدين العريقين أو داخلهما في طريقة جديدة، كما كشفت عن طريقة أخرى قديمة ما زال يتبعها الشباب للسفر لـ«داعش» بواسطة أشخاص وسطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر».
مصادر مصرية أكدت أن «هناك شبابا يتم تجنيدهم من أمام المساجد الكبرى في القاهرة وبعض الأقاليم أو في داخلها»، لافتة إلى أنها ظاهرة كبيرة وتنذر بكارثة، خاصة أن من بين هؤلاء العملاء طلابا وافدين من معظم دول العالم للدراسة بمصر ويقيمون في مدينة البعوث الإسلامية بمنطقة الدراسة. وكشفت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن أن «العملاء يكثفون جهودهم لضم أكبر عدد من الشباب ولا يستطيع أحد التعرف عليهم، لأنهم دائما ما يوجدون داخل المساجد يؤدون الصلاة، وخارجها يقفون على أسورها أو بالقرب منها، لتسهيل مهمة من يريد السفر».
ويسرد محمد، وهو طالب أزهري، تحفظ عن ذكر اسمه الثاني «عددا من أصدقائه تم تجنيدهم وتسفيرهم إلى (داعش)»، مضيفا «علمت منهم أن أحد الأشخاص التقى بهم عقب الدروس التي تقدم في الجامع الأزهر ومسجد الحسين، وأقنعهم بالسفر والانضمام لـ(داعش) لنصرة الدين الإسلامي». محمد رفض الإفصاح عن أسماء أصدقائه، قائلا «هم استجابوا وسافروا.. وانتهى الأمر. ولا بد من النظر في المستقبل وغلق كل هذه القنوات التي تغرر بالشباب».
الطالب محمد أدرك عقب تجنيد زملائه أن من طلب التعرف عليه (وهو أحمد) كان يريد تجنيده وتسفيره لـ«داعش»، ويقول «هذا الشخص لم أراه مرة ثانية في المسجد»، لافتا إلى أن هذا الوسيط يأتي مرة واحدة فقط للبحث عن العملاء ويستجيب له البعض والبعض الآخر يرفض، وأن من يستجيب له من المرة الأولى يفتح معه حوارا بعد ذلك.. وغالبا ما يخرج الاثنان من المسجد معا لإتمام الاتفاق بعيدا عن المسجد في أحد المطاعم الشهيرة القريبة من منطقة الحسين. ويضيف محمد أن «شكل الوسيط يتغير في كل مرة، فهو ليس شخصا واحدا، حتى لا يثير الشبهات حوله، وينتقل من مسجد لآخر في أماكن لا يعرفه أحد فيها».
ويقدر عدد المصريين الذين أعلنوا انضمامهم لتنظيم داعش - حسب إحصائيات غير رسمية - بنحو ألف شخص. ووفقا لتقديرات مصادر أمنية فإن عدد المصريين الذين يقاتلون في صفوف جماعات متشددة في الخارج مثل «القاعدة» «وداعش» وغيرهما يصل إلى ثمانية آلاف.
طريقة أخرى يسلكها الشباب المصري للسفر لـ«داعش» وهي عن طريق الإنترنت، وقالت المصادر المطلعة نفسها إنه «عقب تضييق السلطات في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبتها، والتي كانت وسيلة لانضمام الشباب لـ(داعش) عبر وسطاء، لجأ الوسطاء لتجنيد الشباب من المساجد»، لافتة إلى أن «أغلب الأسماء التي تتحدث عن تجاربها للسفر لـ(داعش) تكون أسماء حركية».
محمد محمد (22 عاما)، تحدث عن كيفية الانضمام لصفوف «داعش»، قائلا إن «السفر لا يستلزم أكثر من 2000 جنيه (نحو 250 دولارا)، ويكون عن طريق تركيا، حيث يخرج الشباب من مصر عن طريق السفر بدعوى السياحة ويذهبون إلى الحدود التركية السورية، ومنها يقوم أحد المجاهدين - حسب قوله - في سوريا بتهريبهم عبر الحدود»، مؤكدا أن الشاب هناك لا يحتاج للأموال فكل خدماته متاحة، وفي الفترة الأولى له يكون هناك تدريب قوي.
وأضاف محمد (وهو اسمه الحركي)، والذي درس في كلية الآداب بإحدى الجامعات المصرية، وتم التواصل معه عبر الـ«فيسبوك»، أن «الشباب المصريين يتعرفون على أحد المنسقين للسفر إلى (داعش) عبر (تويتر) و(فيسبوك)، ومن أشهرهم عبد القادر آل حرب (مصري) وأبو سياف المصري، والظواهري الصغير، وهم منضمون لـ(داعش)»، موضحا أن «الشاب المصري يتصل بأحد الوسطاء (الذين رفض تحديدهم) وهم من يوصلونه بهؤلاء الثلاثة.. وأنهم أصحاب التزكية الوحيدة للسفر».
وقال محمد إن «السفر والانضمام إلى تنظيم داعش للشاب أقل من 20 سنة يكون أسهل، حيث يسافر الشاب إلى تركيا من دون تأشيرة، ومنها إلى الحدود، حيث يجري التنسيق مع أحد المجاهدين»، حسب قوله.. وفي حالة وصوله «يتم الاتصال به عن طريق (الفايبر) أو (الواتس آب) حتى لا تتم مراقبة الاتصال». ويشار إلى أن لـ«داعش» عشرات من الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
شاب مصري آخر يدعي «أبو سياف» حكى قصة سفر الشباب لـ«داعش»، قائلا «تبدأ بالحصول على تأشيرة سفر إلى تركيا بغرض السياحة، ثم الانتقال إلى أي من ميناءي الإسكندرية أو بورسعيد، حيث لا تزيد سعر تذكرة الذهاب إلى ميناء الإسكندرونة أو ميناء مارسيم بتركيا على ألف جنيه». «أبو سياف» قال إن أغلب الشباب الذين سافروا إلى سوريا اتبعوا خطوات محددة فور وصولهم إلى تركيا، حيث يتم الانتقال إلى الحدود السورية التركية بسيارة تاكسي لا تزيد تكلفتها على 25 ليرة (نحو 75 جنيها مصريا)، ثم يتم الدخول إلى سوريا عبر المعابر الممتدة في المنطقة الحدودية بين البلدين، وأشهرها معبر الريحانية ومعبر الحيزتاب، وكلها خارج إطار سيطرة الجيش السوري.
تجربة ثالثة يحكيها شاب من القيادات الشبابية بجماعة الإخوان المسلمين يدعى «م. ن» بمنطقة عين شمس (شرق القاهرة)، عن أحد أصدقائه قائلا «سافر صديقي إلى تركيا قبل 5 أشهر»، مشيرا إلى أنه تم اقتياده إلى مقر الأمن الوطني بمطار القاهرة الدولي قبل إقلاع الطائرة، حيث أجرى مسؤولو الأمن استجوابا قصيرا معه استغرق نحو 30 دقيقة حاول خلاله المحقق التأكد مما إذا كانت هناك علاقة تجمعه بجماعة الإخوان المسلمين أم لا. وتابع «صديقي سافر لأنه ليس قياديا معروفا بـ(الإخوان)، وأقنعهم بأنه ليس منهم، وأخبرهم بأنه سيذهب للسياحة فقط ويعود».
وكشف شاب مصري عن رحلة انتسابه وقتاله في صفوف تنظيم داعش، قائلا «تركت منزلي الكائن في حي المعادي (جنوب القاهرة) للانضمام إلى تنظيم داعش». وأشار «ي. م» إلى أنه تم التواصل معه عبر «فيسبوك»، وأنه نجح قبل سفره إلى سوريا في إقناع ما يصل إلى مائة شاب بـ«فكرة الجهاد»، ومنهم من سافر إلى العراق وسوريا ومنهم من بقي في مصر. ولفت إلى أن «الانضمام للتنظيم مباشرة ليس بالأمر السهل، إذ لا يدخل الشاب المصري في صفوف التنظيم إلا بعد حصوله على تزكية من عضو في (داعش) بعد إثبات نفسه في كتيبة أخرى تقاتل في سوريا التي يصلها عن طريق تركيا». وقال «انضممت إلى الكتيبة إلى حين الحصول على تزكية من أحد عناصر (داعش)»، مضيفا أنه «أصبح مقاتلا في صفوف التنظيم ويتلقى التعليمات والتدريب من قائده المباشر، وهو مصري الجنسية أيضا».



​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.