واقعة انتحار نادرة من فوق سفح الهرم

شاب مصري ألقى بنفسه رغم 12 ساعة من المفاوضات

TT

واقعة انتحار نادرة من فوق سفح الهرم

في واقعة نادرة الحدوث ألقى شاب مصري بنفسه من أعلى سفح الهرم، بعد ساعات من المفاوضات فشلت في ثنيه عن قراره إنهاء حياته.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، في بيان صحافي صباح أمس، أن «شاباً مصرياً تسلق خلسة هرم خفرع (بمنطقة الأهرامات الثلاثة بالجيزة) وألقى بنفسه، مودياً بحياته، فيما بدأت النيابة التحقيق.
وتبين أن «الشاب المصري المدعو مؤمن، غير متزوج ولا يعمل»، حسب التحقيقات الرسمية التي أوضحت أن «الشاب كان يحضر حفلاً فنياً مساء السبت بمنطقة الأهرامات، ثم تسلل خلسة وتسلق هرم خفرع، وأن أفراد الأمن حاولوا على مدار 12 ساعة إقناعه بالنزول، لكنّ محاولاتهم فشلت وألقى الشاب بنفسه من أعلى الهرم في السابعة من صباح أمس، فيما رجحت التحقيقات الأولية أنه «يُعاني اضطرابات نفسية».
وقالت النيابة، في بيانها، إن «الشاب تسلق نحو 100 متر من الهرم البالغ ارتفاعه 130 متراً، وصعد إلى قمته الملساء».
وهذه ليست المحاولة الأولى التي يحاول فيها مواطن مصري الانتحار من فوق سطح الهرم، فقد سبقتها محاولات أخرى، لكنّ الفارق هذه المرة أن الشاب انتحر بالفعل على عكس المرات السابقة التي تمكّن فيها أفراد الأمن من إنقاذ من يحاولون الانتحار.
الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «عندما كان يعمل بمنطقة آثار الهرم عام 2010 تسلق مواطن الهرم وحاول الانتحار، وتم إنقاذه بالطائرة».
وفي مارس (آذار) 2018 تسلق مواطن مصري هرم خوفو (الهرم الأكبر)، في محاولة للانتحار، وتم إنقاذه وإلقاء القبض عليه بتهمة تعريض حياته للخطر، وقالت النيابة في حينها إنه «مصاب بمشكلة نفسية نتيجة خلافات مع جيرانه والمحيطين به».
واستخدمت السينما المصرية الهرم كمكان للانتحار، وظهر ذلك في أحد مشاهد فيلم «حواء على الطريق» للفنانة الراحلة ماجدة، حيث تسلقت فيه الهرم محاولة الانتحار.
ولا تقتصر محاولات تسلق الهرم على الرغبة في الانتحار، فهناك محاولات متعددة لتسلق الهرم بهدف تصوير أفلام دعائية أو سينمائية، أو رغبة في الشهرة، أو نوع من الجنون وحب المغامرة، على حد قول عبد البصير، الذي أكد أن «منع هذه المحاولات أو السلطة عليها أمر صعب لأنه مرتبط بسلوكيات الأفراد، خصوصاً مع كبر مساحة منطقة الأهرامات التي تصل إلى 18 كيلومتراً، إضافةً إلى عظم مساحة الهرم نفسه، فالضلع لهرم خوفو يبلغ 230 متراً، ويحتاج إلى عدد كبير من أفراد الأمن لتأمينه من محاولات التسلق».
وأشار عبد البصير إلى أن محاولات الانتحار قد سُجلت في التاريخ المصري القديم في أحد النصوص الأدبية لإيبو ور (إيبو العظيم)، وهو أحد الحكماء في نهاية عصر الدولة القديمة، حيث حدثت ثورة اجتماعية في فترة الانتقال الأول، كتب عنها إيبو ور نصاً أدبياً بعنوان «تحذيرات أو نبوءات للملك»، تحدث فيها عن حالة الفقر واليأس والوضع السيئ الذي يدفع الناس للانتحار.
وتأتي واقعة الانتحار بعد يومين من محاولة أحد زوار المنطقة تسلق الهرم الأكبر يوم الجمعة الماضي، وتم إلقاء القبض عليه، ومن أشهر وقائع تسلق الهرم قيام مواطن بتسلق هرم خوفو في مايو (أيار) الماضي، وإلقاء الحجارة على الناس، والصعود لأعلى الهرم ونزع الساري الخشبي موجود على قمة الهرم.
ويجرّم قانون حماية الآثار المصري رقم 117 لسنة 1983 تسلق الأهرامات، ويعاقب من يقوم بذلك بالحبس مدة لا تقل عن شهر، وبغرامة لا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتضاعف العقوبة عند تكرار الفعل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».