هتلر والسينما

هواية الفوهرر المجهولة

هتلر والسينما
TT

هتلر والسينما

هتلر والسينما

عُرف عن هتلر اهتمامه الكبير بالفنون والثقافة بشكل عام، فظهرت الكثير من الدراسات حول الكتب التي قرأها، واهتمامه بالهندسة المعمارية، وولعه المعروف بالمؤلفات الموسيقية، خصوصاً مؤلفات فاغنر الأوبرالية.. ومن المعروف اهتمامه بالرسم وزيارة المعارض، عدا العديد من اللوحات التي رسمها. لكن ليس معروفاً جيداً اهتمامه بالأفلام السينمائية.
كتاب «هتلر والسينما» لبيل نيفن، الصادر عن «دار المدى» بترجمة هيثم لمع، يكشف لنا الكثير عن هذا الجانب، ونعرف منه أن ﻫﺘﻠﺮ كان ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻬﻠﻚ ﻣﺤﺎﻳﺪ ﻟﻸﻓﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺮ ﺇﻗﺎﻣﺘﻪ ﺍﻟﺠﺒﻠﻲ، ﺍﻟﺒﺮﺟﻬﻮﻑ. ﻭﻗﺎﻡ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﺓ ﺧﻼﻝ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺍﻳﺦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﺑﺘﺸﺠﻴﻊ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﻨﺎﺯﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺭﻭﺟﺖ ﻟﺮﺅﺍﻩ ﻭﺑﺮﺍﻣﺠﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
ﻟﻘﺪ ﺃﺩﺭﻙ ﻫﺘﻠﺮ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﻨﺎﻉ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ، ﻭﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ «ﻛﻔﺎﺣﻲ»: «ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺃﻗﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ، ﻭﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﺮﺃﻳﻲ، ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺗﺼﻮﻳﺮاً ﻟﻔﻜﺮﺓ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻬﺎ ﻣﺠﻬﻮﺩاً ﻣﺘﻌﺒﺎً ﻭﻃﻮﻳﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﻘراءة».
ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻮﺑﻠﺰ، ﺍﻋﺘﺒﺮ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺃﻥ يعطى ﻣﺨﺮﺟﻮ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺃﻓﻼﻡ ﻭﺛﺎﺋﻘﻴﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ، ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ، ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﺪى ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ، ﻛﻲ ﺗﺼﻞ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺄﻛﺒﺮ ﻭﻗﻊ ﻣﻤﻜﻦ.
ﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻲ من الكتاب، ﺑﺘﻨﺎﻭﻝ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﻫﺘﻠﺮ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎصة ﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻷﻓﻼﻡ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﻣﺪى ﻭﺻﻞ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﻓﻴﻪ، ﺛﻢ ﻳﺪﺭﺱ الآراء ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﻮﻝ «ﻓﻴﻠﻤﻪ ﺍﻟﻤﻔﻀَل». ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻔﺮﺽ ﺍﻟﺤﺬﺭ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻛﻴﺪﺓ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﺘﻠﺮ ﻛﻤﺴﺘﻬﻠﻚ ﻟﻸﻓﻼﻡ، ﻳﺮﻛﺰ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻷﻓﻼﻡ، ﻭﻳﺪﺭﺱ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻈﺮ ﺃﻓﻼﻡ ﻣﻌينة، ﺃﻭ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﻨﻊ ﺃﺧﺮى. ويحلل في جانب من الفصل ﺣﺎﻟﺘﻴﻦ ﺗﺪخل ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ ﻫﺘﻠﺮ ﺗﺪﺧﻼً ﺑﺎﺭﺯﺍً: ﻃﻠﺒﻪ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻓﻴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺛﺎﺋﻘﻴﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﻗﻄﻊ ﺗﻨﺎﺳﻞ ﺫﻭﻱ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎصة ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ «ﺿﺤﺎﻳﺎ الماضي»، ﻭﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ «ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺿﺪ ﻋﺪﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ»، ﻟﻘﺪ ﺍﻋﺘﻨﻰ ﻫﺘﻠﺮ ﺑﻤﺸﺮﻭﻉ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻔﻴﻠﻤﻴﻦ ﻛﻲ ﻳﺮﻭﺝ ﻷﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻧﻈﺮﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ: ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺃﻃﻤﺎﻉ ﺍﻟﺒﻮﻟﺸﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، وﺣﻤﺎﻳﺔ «ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻮﻗﻴﻦ ﻋﻘﻠﻴﺎً ﻭﺟﺴﺪﻳﺎً».
ﻭﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻔﺼﻼﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻓﻼﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻬﺮﺓ ﻃﻠﺐ ﻫﺘﻠﺮ ﺇﻧﺘﺎﺟﻬﺎ، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻔﻴﻠﻤﺎﻥ ﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﺃﺧﺮﺟﺘﻬﻤﺎ ﻟﻴﻨﻲ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ ﻋﻦ تجمعاﺕ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﻨﺎﺯﻱ، «ﻓﻮﺯ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ» 1933، ﻭ«ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ» (1935)، ﻭﻓﻴﻠﻤﻬﺎ ﻋﻦ ﺩﻭﺭﺓ ﺑﺮﻟﻴﻦ ﻟﻸﻟﻌﺎﺏ ﺍﻷﻭﻟﻤﺒﻴﺔ، «ﺃﻭﻟﻤﺒﻴﺎ» (1938)، ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻼﻡ ﺍﻟﻨﺎﺯﻳﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻲ ﻳﻨﺎﻳﺮ 1933. وﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺷﺎﺷﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻓﻼﻡ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻧﻬﺰﺍﻡ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ، وﺩﻋﺖ ﺗﺠﻤﻌﺎﺕ ﻧﻮﺭﻣﺒﺮﺝ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﺣﺮﻓﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺣﺘﺸﺎﺩ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻨﺎﺯﻱ في عامي 1933 و1934 ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ، ﻭﺃﺭﺍﺩ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻥ ﺗﻨﻘﻞ ﺭﺳﺎﻟﺔ هذه ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﻋﺒﺮ ﺷﺎﺷﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﺒﻼﺩ.
ﻭﻛﻤﺎ ﺗﺪﻝ ﻓﺼﻮﻝ ﺍﻟﻜتاب، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ ﻋﻦ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ، ﺗﺪﺑﺮ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻣﺮ ﺗﻤﻮﻳﻞ ﺃﻓﻼﻣﻬﺎ، ﺿﺎﻣﻨﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻨﻔﺬ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ. وﺗﻮﺟﺪ ﺇﺟﺎﺑﺎﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ ﻟﻠﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻫﺘﻠﺮ، ﻟﻴﻨﻲ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ، ﺑﻤﻬمة ﺗﺼﻮﻳﺮ التجمع. ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻣﻨﺘﻘﺪﻭ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ ﻫﻲ ﺃنها ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸﻴﻘﺔ ﻫﺘﻠﺮ. ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺾ ﻟﻠﻨﺎﺯﻳﺔ ﻛﺎﺭﻝ ﺯﻭﻛﻤﺎﻳﺮ، ﻣﻦ ﻣﻨﻔﺎﻩ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻓﻲ عام 1942، ﺃﻥﹼ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺑﺎﺳﻢ «ﺻﺪﻉ ﺍﻟﺮﺍﻳﺦ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪﻱ».
وﻳﺘﻌﺮﺽ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻟﺰﻳﺎﺭﺍﺗﻪ ﺻﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ، ﻛﺎﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺽ ﺃﻓﻼﻣﺎً ﻳﻬﻤﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺍﺳﻤﻪ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻬﺎ، ﺃﻭ ﺑﺮﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺨﺒﻴﺌﺔ. كما ﻳﻈﻬﺮ هذا ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻛﻴﻒ وُﻇﻔﺖ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻛﻲ ﺗﻐﻤﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻫﺘﻠﺮ ﻭﺻﻮﺗﻪ، وﻳﻌﺮﺽ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺜﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺘﻠﺮ ﺍﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ، الذين، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﻤمثلات، ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺣﻠﻮﺍ ﺿﻴﻮﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﺳﻬﺮﺍﺕ ﻫﺘﻠﺮ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ.


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!