«تعثر مالي» يؤدي إلى إعلان الامتناع عن تسديد الديون

قرار مالي هو الأول من نوعه في تاريخ البلد

من الاجتماع الذي ترأسه الرئيس ميشال عون بحضور الرئيسين نبيه بري وحسان دياب ومسؤولين ماليين (دالاتي ونهرا)
من الاجتماع الذي ترأسه الرئيس ميشال عون بحضور الرئيسين نبيه بري وحسان دياب ومسؤولين ماليين (دالاتي ونهرا)
TT

«تعثر مالي» يؤدي إلى إعلان الامتناع عن تسديد الديون

من الاجتماع الذي ترأسه الرئيس ميشال عون بحضور الرئيسين نبيه بري وحسان دياب ومسؤولين ماليين (دالاتي ونهرا)
من الاجتماع الذي ترأسه الرئيس ميشال عون بحضور الرئيسين نبيه بري وحسان دياب ومسؤولين ماليين (دالاتي ونهرا)

حدد الاجتماع الرئاسي الذي ضم الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب العنوان العريض للخطة المالية التي ستعتمدها الحكومة اللبنانية في إدارة الدين العام بالعملات الصعبة، ويقضي القرار الذي اتفق عليه نتيجة الاجتماع بالامتناع عن سداد الاستحقاق الداهم يوم غد الاثنين، بقيمة 1200 مليون دولار مع فتح «نافذة» تفاوض لاحقاً مع الدائنين المحليين والخارجيين. تزامناً مع سعي البنك المركزي إلى استعادة المبادرة في إدارة سعر صرف الليرة عبر تحديد سقف لهامش المعاملات النقدية في السوق الموازية.
وترأس الرئيس ميشال عون عقب الاجتماع الثلاثي، اجتماعاً مالياً واقتصادياً، بمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب، ونائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، ووزير المالية غازي وزني، ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير وعدد من المستشارين، وخصص الاجتماع للبحث في مسألة استحقاق «يوروبوند» والإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة المالية.
وصرح المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، إثر الاجتماع المالي أنه «استناداً إلى الخيارات، قرر المجتمعون الوقوف إلى جانب الحكومة في أي خيار ستعتمده، باستثناء دفع الديون المستحقة. وتم التركيز على اعتماد وتنفيذ الخطة الشاملة المتكاملة المبنية على إصلاحات مالية وإدارية ومصرفية تتزامن معها خطة نهوض اقتصادية واجتماعية كما وردت في البيان الوزاري».
وشكل الاجتماع مظلة مرجعية حامية للقرار المالي وللتوجهات الحكومية في إدارة الدين العام الذي يفوق 92 مليار دولار، منه محفظة سندات دين دولية تناهز 30 مليار دولار. وأكد «الوقوف إلى جانب الحكومة في أي خيار ستعتمده، باستثناء دفع الديون المستحقة. وتم التركيز على اعتماد وتنفيذ الخطة الشاملة المتكاملة المبنية على إصلاحات مالية وإدارية ومصرفية تتزامن معها خطة نهوض اقتصادية واجتماعية كما وردت في البيان الوزاري».
وتنطبق صفة الحدث على القرار المالي كونه الأول من نوعه في تاريخ لبنان، الذي لم يتخلف يوماً في التزام سداد أصول ديونه وفوائدها في مواقيت استحقاقها. وهو ما يصنفه الخبراء نقطة تحول يمكن أن تفرض إيقاعها لاحقاً على مجمل النموذج الاقتصادي والمصرفي القائم، ولا سيما في ظل التداعيات المتدحرجة التي نشأت وتتوالى بعد اندلاع موجات الاحتجاجات الشعبية منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأفضت إلى تغيير حكومي وتسلم الغالبية النيابية المؤلفة، خصوصاً من تحالف «حزب الله» وحركة أمل والتيار الوطني الحر زمام إدارة شؤون الدولة.
وفيما حذرت وكالة «بلومبيرغ» من أن تخلف لبنان عن دفع الاستحقاق، «سيؤدي إلى التخلف عن سداد سندات (اليوروبوند) الأخرى، والتي يبلغ مجموعها نحو 30 مليار دولار»،. لفتت إلى أنه من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة ستتمكن من تنفيذ إصلاحات كبيرة يشترطها المستثمرون، مثل رفع الضرائب وتحرير العملة.
وأشار الخبير الاقتصادي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط لدى «تي إس لومبارد» للاستشارات في لندن ماركوس شنيفيكس، إلى أن الحكومة اللبنانية تواجه «مهمة مستحيلة». وهو تحليل ينسجم مع اتساع هامش مقايضة المخاطر الائتمانية لخمس سنوات إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت عتبة 25 ألف نقطة أساس مقابل 2418 نقطة أساس في نهاية عام 2019. في إشارة واضحة إلى تدهور نظرة الأسواق المالية إلى المخاطر السيادية في لبنان عموماً.
ويتفق الخبراء مع الموقف الذي أبلغته المصارف مسبقاً إلى الفريق الاقتصادي الحكومي، ومفاده أن «التخلف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكل حدثاً جللاً تتوجب مقاربته بكثير من الدقة والتحسب، وأن المطروح في الواقع هو إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين. ويتطلب إنجاز هذا الأمر وقتاً واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى، وتستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصّة من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية».
ويشير الخبير المصرفي الدكتور جو سروع إلى دقة أي قرار مالي وحساسيته ضمن الأوضاع المتدهورة السائدة. فقسائم «اليوروبوندز» المستحقة جزء من دين عام ممول من قبل المصارف المحلية والبنك المركزي، وبينها حيازتها نحو ثلثي محفظة الديون بالعملات الأجنبية. كما أن توظيفات المصارف لدى المركزي تستحوذ على الجزء الأكبر من ودائع الزبائن. وهنا تكمن خطورة الانكشاف الكبير للبنوك على ديون الدولة، فيما تقتصر التوظيفات لدى القطاع الخاص على نحو 50 مليار دولار، مقابل إجمالي ودائع للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم تبلغ نحو 155 مليار دولار.
وينبه سروع، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن التغيير في النهج المالي يوجب التزام ضوابط صارمة للحؤول دون تداعيات مؤلمة تصيب النموذج الاقتصادي والمصرفي المعتمد في لبنان منذ استقلاله. كما تعرض القطاع المصرفي لمخاطر غير مسبوقة في حجمها وتأثيرها، بما يشمل المعاملات المالية عبر الحدود وشبكة العلاقات مع البنوك المراسلة. علماً بأن الاقتصاد اللبناني مرتبط تقليدياً بالدولار ونحو 77 في المائة من الودائع محررة بالعملات الصعبة.
ويعتبر سروع «أن المهمة الواجبة حالياً ينبغي أن تركز على إعادة تصحيح تموضع لبنان في محيطه ووسط المجتمع الدولي. فالفجوة المالية التي تعانيها البلاد تتطلب دعماً من الاشقاء والأصدقاء يزيد عن 25 مليار دولار. وبالتالي فإن أي خطط إنقاذية تتطلب الشروع فوراً بتسريع إعادة تعويم مؤتمر «سيدر» عبر التزام برنامج الإصلاحات الهيكلية الشاملة مالياً وإدارياً واعتماد التوصيات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية، وبما يخص تحديداً قضية الكهرباء وإنشاء إدارة متخصصة لإدارة الدين العام والجرأة في معالجة أثقال القطاع العام على الموازنة والاقتصاد.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.