المعارضة تتخوف من توجه الحكومة للتطبيع مع النظام السوري

بعد زيارة الوزير المشرفية إلى دمشق لبحث ملف النازحين

TT

المعارضة تتخوف من توجه الحكومة للتطبيع مع النظام السوري

أثارت الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي المشرفية إلى دمشق مطلع الأسبوع الحالي، حيث التقى عدداً من الوزراء السوريين لبحث ملف عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، مخاوف قوى المعارضة اللبنانية وبالتحديد تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، من أن تكون الحكومة الجديدة تتجه لتطبيع العلاقات مع النظام السوري.
وأشار البيان الرسمي الصادر عن المشرفية إلى أن المباحثات تناولت «كيفيّة تأمين عودة آمنة وكريمة لهم بالتعاون بين الدولتين اللبنانية والسورية، وبالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنيّة في هذا الملف؛ تطبيقاً لما ورد في البيان الوزاري للحكومة الحالية في الشق المتعلّق بملف النزوح»، لافتاً إلى «توجيهات من القيادة في سوريا لوضع كل الإمكانات والسبل الآيلة للوصول إلى تحقيق عودة أبناء الوطن إلى قراهم ومنازلهم».
واستغربت مصادر الوفد اللبناني الذي زار دمشق برفقة المشرفية استخدام مصطلح «التطبيع مع النظام في سوريا»، لافتة إلى أن «هذا الأمر كان يمكن النقاش فيه قبل 5 سنوات، أما اليوم فيفترض أننا تخطينا هذا الموضوع، فالعلاقات أكثر من طبيعية بين البلدين، والأمور السياسية بالنهاية تحددها الحكومة وليس أي طرف آخر». وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «أصلاً لم يكن هناك أي مباحثات سياسية لنا في دمشق، بل انحصر النقاش بملف النازحين السوريين الذي نعتبره ملفاً وجودياً للبنان وقد تمت مقاربته من قبل الوزير من منطلق وطني بامتياز... ولا أعتقد أن هناك جهة لبنانية ترفض عودة النازحين إلى بلادهم».
بالمقابل، أجمع «التقدمي الاشتراكي» و«القوات» و«المستقبل» على رفض الزيارة، مؤكدين أنهم ما زالوا على موقفهم الذي أعلنوه في عهد الحكومة السابقة حين كان بعض وزرائها يتوجهون إلى دمشق. وقالت عضوة كتلة «المستقبل» النائبة رولا الطبش إنه «ما دامت عضوية سوريا معلقة في جامعة الدول العربية، فإن نظامها فاقد للشرعية ولا يجوز نسج أي علاقات معه»، مؤكدة أن «المستقبل» إلى جانب الشعب السوري، لا النظام، هناك. وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ليس مستغرباً على هذه الحكومة أن تتجه إلى التطبيع مع النظام في دمشق، طالما رئيسها استقبل السفير السوري، وهي تتخذ هذا المنحى منذ تأليفها». ونبهت الطبش إلى أن «الاستمرار في هذا التوجه يقفل باب الأمل أمام النهوض بلبنان، لأنه يفاقم عزلتنا العربية والدولية».
من جهته، جدد عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله موقف الحزب «التقدمي الاشتراكي» الرافض للزيارة السابقة لوزير شؤون النازحين إلى سوريا، وبالتالي رفض زيارة الوزير المشرفية أيضاً، لافتاً إلى أن «الأولوية يجب أن تكون لحماية لبنان من كورونا وانتشاله من الأزمة المالية والاقتصادية التي يتخبط فيها». وأمل عبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يبقى لبنان وحكومته ملتزمان بالإجماع العربي بعيداً عن أي مزايدة أو تفرد بالقرارات، وأضاف: «طالما لا قرار من قبل جامعة الدول العربية يقضي باستعادة سوريا مقعدها، لا يتوجب أن يذهب لبنان بعيداً عن القرارات العربية».
وكان النائب في حزب «القوات اللبنانية» ماجد إدي أبي اللمع أول من انتقد زيارة المشرفية إلى سوريا. وتوجه إليه عبر بيان رسمي بمجموعة أسئلة قائلاً: «ألم يتناهَ إلى مسامعك معالي الوزير كل المعلومات المتداولة في الأوساط العربية والدولية عن أن بشار الأسد لا يريد إعادة النازحين؟ ألم يتناهَ إلى مسامعك أن النازحين الذين حاولوا العودة انتهى الأمر بكثير منهم في السجون والبعض الآخر في القبور؟». واعتبر أبي اللمع أن زيارة المشرفية «تمت بخلفية سياسية»، وأضاف: «تجب عودة اللاجئين اليوم قبل الغد، ولكن من الخطيئة مواصلة السياسة القديمة نفسها التي لم تؤدِ إلى النتيجة المطلوبة، فيما المطلوب الابتعاد عن التسييس ومقاربة القضية بمسؤولية من خلال الضغط لنقلهم من لبنان إلى الحدود اللبنانية - السورية من الجانب السوري وتوفير الضمانة الدولية لهذه الخطوة، كما التواصل مع العواصم العربية لتوزيع النازحين عليها، لأن الوضع المالي الكارثي في لبنان لم يعد يحتمل استمرارهم».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.