البرازيل تسحب جميع دبلوماسييها من فنزويلا في تصعيد للتوتر بينهما

تعتمد السفيرة بيلاندريا المعينة من غوايدو ممثلة لكاراكاس

الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو
الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو
TT

البرازيل تسحب جميع دبلوماسييها من فنزويلا في تصعيد للتوتر بينهما

الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو
الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو

فصل جديد من التوتر بين الرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو، والرئيس الاشتراكي لفنزويلا نيكولاس مادورو، مع سحب البرازيل جميع دبلوماسيي البلاد من فنزويلا، بحسب ما أفادت به «دياريو أوفيسيال دا ينياو»، الجريدة الرسمية لحكومة بولسونارو أمس الجمعة. وبعد هذا القرار، صار الطريق ممهداً أمام الحكومة البرازيلية لتطالب دبلوماسيي فنزويلا بمغادرة أراضيها.
وجاء الإعلان عن سحب الدبلوماسيين قبل توجه بولسونارو المعروف بأنه من المعجبين بنظيره الأميركي دونالد ترمب، السبت، إلى مدينتي ميامي ودالاس الأميركيتين؛ حيث من المتوقع أن يسعى لجذب استثمارات خارجية إلى البرازيل.
واعترف بولسونارو بمبعوثة تمثل الرئيس المؤقت لفنزويلا خوان غوايدو، سفيرة جديدة لدى البرازيل. وكان غوايدو، زعيم المعارضة في فنزويلا، قد نصب نفسه العام الماضي رئيساً مؤقتاً للبلاد، وقد اعترفت به أكثر من 50 دولة رئيساً شرعياً.
واستدعت البرازيل كل طاقمها الدبلوماسي ومسؤولي الخارجية من فنزويلا، وطلبت من حكومة مادورو سحب ممثليها في البرازيل، وفق ما ذكر مصدر حكومي لوكالة الصحافة الفرنسية الخميس، ما سيؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الدولتين.
وكان الرئيس اليميني المتطرف بولسونارو قد وصف حكومة مادورو اليسارية بـ«الديكتاتورية»، وردَّ الأخير واصفاً بولسونارو بـ«الفاشي». وقال المصدر: «لن يبقى أحد في أي مكان في فنزويلا»، وطُلب من أربعة دبلوماسيين وعشرة مسؤولين عدم التوجه إلى السفارة والقنصليات البرازيلية في فنزويلا. وذكرت الجريدة الرسمية نقلاً عن وزارة الخارجية، أنه سيتم سحب الموظفين من السفارة والقنصلية في كراكاس، والقنصلية في سيوداد غوايانا، وقنصليتها الفرعية في سانتا إيلينا دي وايرين، على الحدود البرازيلية.
ومن بين الدبلوماسيين الذين تم سحبهم رودولفو براغا، كبير موظفي السفارة، وإيلزا مورييرا مارسيلينو دي كاسترو، القنصل العام في كراكاس.
البرازيل واحدة مما يزيد عن 50 دولة اعترفت بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا بالإنابة. وكان غوايدو قد أعلن نفسه رئيساً بالإنابة مطلع العام الماضي، بعدما اعتبر البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة أن مادورو استولى على السلطة عندما أعيد انتخابه عام 2018 في اقتراع طالته اتهامات بالغش على نطاق واسع.
واعترفت برازيليا أيضاً بالسفيرة المعينة من غوايدو في البرازيل، ماريا تيريزا بيلاندريا، وتم سحب السفير الأخير المعين من مادورو لدى البرازيل عام 2016.
ولم يذكر المصدر الحكومي الذي تحدثت إليه وكالة الصحافة الفرنسية متى سيُستكمل سحب الدبلوماسيين؛ لكن وسائل إعلام برازيلية ذكرت أن الإجراءات ستنتهي في غضون شهرين، غير أن التدابير لا تعني أن السفارة ستكون مغلقة، وفق المصدر.
ويقيم في فنزويلا قرابة 10 آلاف برازيلي، وستكون للإجراءات انعكاسات عليهم على الأرجح. وقال المصدر إن «الحكومة البرازيلية تدرس كيفية تقديم المساعدة». واتهم مادورو بولسونارو بجر الجيش البرازيلي «إلى نزاع مسلح مع فنزويلا». وكان ذلك إشارة إلى هجوم شنه فارون من الجيش على كتيبة عسكرية في ولاية بوليفار الفنزويلية المحاذية للبرازيل، والذي قام في أعقابه خمسة من العسكريين الفنزويليين بطلب اللجوء في البرازيل. وعندما سأله الصحافيون، رفض بولسونارو على ما يبدو تلك الاتهامات، بينما قالت وزارة الخارجية إن الرئيس «لا يعلق على بيانات لحكومة مادورو الديكتاتورية». ولكن حتى بعد ذلك السجال، لم تطلب البرازيل من الدبلوماسيين الفنزويليين مغادرة أراضيها.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) اقتحم أكثر من عشرة من أنصار غوايدو سفارة فنزويلا في برازيليا؛ لكنهم غادروها بعد 13 ساعة بضغط من السلطات البرازيلية. ويرزح اقتصاد فنزويلا تحت وطأة أزمة سياسية واقتصادية أجبرت الملايين على الفرار، كثير منهم إلى البرازيل المجاورة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟