خافيير بيريز دي كويار يرحل عن مائة عام تاركاً إرثاً في صنع السلام

نفض الغبار عن صفحات من كتب التاريخ في علم السياسة والدبلوماسية

دي كويار خامس الأمناء العامين للأمم المتحدة (رويترز)
دي كويار خامس الأمناء العامين للأمم المتحدة (رويترز)
TT

خافيير بيريز دي كويار يرحل عن مائة عام تاركاً إرثاً في صنع السلام

دي كويار خامس الأمناء العامين للأمم المتحدة (رويترز)
دي كويار خامس الأمناء العامين للأمم المتحدة (رويترز)

طوى خافيير بيريز دي كويار، خامس الأمناء العامين للأمم المتحدة، مائة عام من العمر. رحل، أول من أمس (الأربعاء)، في مسقط رأسه البيروفياني تاركاً إرثاً دبلوماسيا مهماً عبر العالم: تمكن خلال ولايتيه في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، من التوسط الناجح لاتفاقات سلام عقدت في كل من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ولطالما أشاد العالم بدي كويار لقدرته على تعزيز الحوار وقيادته الحازمة للمنظمة الدولية خلال عقد شديد الاضطراب.
ولا يزال هذا الدبلوماسي المخضرم، الأمين العام الأول والوحيد من أميركا اللاتينية. وصفه الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش بأنه «رجل دولة بارع ودبلوماسي ملتزم ومصدر إلهام شخصي لي»، مضيفاً أن دي كويار «ترك أثراً عميقاً على الأمم المتحدة وعالمنا». قال غوتيريش إن حياة دي كويار الذي وُلِد في ليما بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) 1920، لم تمتد لقرن فحسب، بل لتاريخ الأمم المتحدة بأكمله. كان يشير إلى أن تاريخ انخراط دي كويار في الأمم المتحدة يعود إلى الاجتماع الأول لجمعيتها العامة في عام 1946. يرى البعض أن دي كويار خريج أدبيات القرن التاسع عشر في علم السياسة، أي أنه مبعوث غامض من مدرسة قديمة لطالما مثل بلده الأصلي البيرو في الأمم المتحدة وغيرها من السفارات في أوروبا وأميركا الجنوبية من دون أن يحدث الكثير من الضوضاء. بل إن زملاءه الدبلوماسيين كانوا يصفونه بأنه كفي، ولكنه عديم اللون. ومع ذلك، أنهى أعضاء مجلس الأمن في ديسمبر (كانون الأول) 1981 مأزقاً استمر ستة أسابيع، بتسمية دي كويار أميناً عاماً خامساً للأمم المتحدة، لأنه كان بمثابة «الخيار الأخير للجميع»، على حد تعبير أحد المندوبين الدائمين. لم يتوقع أحد الكثير من هذا الدبلوماسي الذي اعترف بنفسه بأنه «لم يكن المرشح الأكثر إثارة» لقيادة المنظمة الدولية. وقد ظل أميناً عاماً لولايتين بين عامي 1982 و1991. نفض الغبار خلال عشر سنين عن صفحات مفيدة من كتب التاريخ لتسوية نزاعات معاصرة. وغرّد الرئيس البيروفي مارتن فيزكارا على «تويتر» واصفاً دي كويار بأنه كان «ديمقراطياً حتى النخاع كرّس حياته للعمل في سبيل تعزيز موقع بلدنا».
خلال مسيرته المهنية، بالإضافة إلى أنه كان سفيراً لبلاده لدى سويسرا والاتحاد السوفياتي وبولونيا وفنزويلا، شغل دي كويار كثيراً من المناصب الرفيعة في وزارة الشؤون الخارجية البيروفية، بما في ذلك المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة الأمم عام 1971. خلال الشهر الذي ترأس فيه مجلس الأمن في يوليو (تموز) 1974، تمكن من إدارة أزمة قبرص باقتدار. وبعد عام، عُيّن ممثلاً خاصاً للأمين العام في قبرص لمدة عامين، ثم صار رئيساً للشؤون السياسية بالأمم المتحدة، وممثلاً للأمم المتحدة في أفغانستان. وتمكّن خلال عمله على رأس المنظمة الدولية أيضاً من المساعدة في إنهاء حرب استمرت عشر سنين بين إيران والعراق، وأسهم في تأمين انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، وكذلك في إطلاق الرهائن الأميركيين المحتجزين في لبنان، وإنهاء النزاعات في كمبوديا ونيكاراغوا، وإقرار اتفاق سلام «تاريخي» في السلفادور، وفي رعاية استقلال ناميبيا عن جنوب أفريقيا.
وفاز حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام عام 1988، بسبب جهودهم في الموزامبيق وأنغولا. ومع أنه لم يتمكن من إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بسحب قواته من الكويت، وأخفق في تجنُّب حرب الخليج عام 1990، استطاع حين هدأت توترات الحرب الباردة، من إحضار الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى طاولة المساومة في الأمم المتحدة.
يعتقد غوتيريش أن فترة ولاية دي كويار كأمين عام للأمم المتحدة تزامنت مع مرحلتين متميزتين من الشؤون الدولية: الأولى خلال بعض من أبرد سنوات الحرب الباردة، ومن ثم مع نهاية المواجهة الآيديولوجية حين بدأت الأمم المتحدة بالاضطلاع بدورها المرتجى من مؤسسيها.
باشر ولايته الأولى عام 1982 بمفاوضات مكثفة بين المملكة المتحدة والأرجنتين حول السيادة على جزر فوكلاند - مالفيناس. ورغم التحديات التي لا تُعدّ ولا تُحصى، نسبت إلى دي كويار عبارة صارت مشهورة الآن عن محادثات السلام هذه: «المريض في العناية الفائقة لكنه لا يزال على قيد الحياة».
ورغم عدد من المشكلات الصحية التي كان يعانيها، وافق دي كويار على تولي ولاية ثانية. أشار خلال خطاب القبول الذي ألقاه عام 1986 إلى الأزمة المالية التي تمر بها الأمم المتحدة، معتبراً أن «التراجع في مثل هذه الظروف كان بمثابة التخلي عن واجب أخلاقي تجاه الأمم المتحدة». وأكد «إيمانه الثابت» بـ«الصلاحية الدائمة» للمنظمة الدولية، مضيفاً أن «الوضع الصعب» يوفر «فرصة مبتكرة للتجديد والإصلاح». وعام 1987، حصل دي كويار على جائزة أمير أستورياس لتعزيز التعاون الأيبيري - الأميركي. ونال عام 1989 جائزة أولوف بالمه للتفاهم الدولي والأمن المشترك، وجائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي. منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس فخري في المملكة المتحدة، ومنحه الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران «وسام جوقة الشرف»، وقلّده الرئيس الأميركي جورج بوش أرفع وسام شرف مدني في الولايات المتحدة، مشيداً برؤيته لـ«ولادة جديدة» للأمم المتحدة يحلّ بعدها «التعاون في تحقيق الأهداف المشتركة محل الخطاب والانقسام». وحتى بعد فترة طويلة من انتهاء عمله أميناً عاماً في 1991، بقي دي كويار صادقاً مع قيم الأمم المتحدة، إذ واصل دعواته إلى السلام والعدالة وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان طوال حياته. حصل على أوسمة من نحو 25 دولة، فضلاً عن كثير من الشهادات الفخرية.
وحدد دي كويار في خطابه أمام «لجنة نوبل»، التي منحت «جائزة السلام» لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام عام 1989. دور المنظمات الحكومية الدولية مثل الأمم المتحدة بأنه «رسم للخط الفاصل بين النضال والنزاع». بفضل تصميمه الثابت، ساعد هذا الدبلوماسي البيروفياني - الدولي كثيراً من الدول «على البقاء مع الطرف الصحيح لهذا الخط».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان

شمال افريقيا لاجئون سودانيون في تشاد يوم 6 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان

أطلقت الأمم المتحدة خطة لمواجهة الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في السودان، خلال العام الجديد، تتطلب توفير 4.2 مليار دولار، لتلبية طلبات 21 مليون سوداني.

أحمد يونس (كمبالا)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد قصف إسرائيلي على مستشفى الوفاء وسط الحرب بقطاع غزة (رويترز)

الأمم المتحدة: الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة قد تشكل جرائم حرب

كشفت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اليوم (الثلاثاء) أن الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات في قطاع غزة قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مسعفون بالقرب من مستشفى «كمال عدوان» في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أرشيفية- أ.ف.ب)

تقرير أممي: مستشفيات غزة صارت «مصيدة للموت»

قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن نمط الاعتداءات الإسرائيلية المميتة على مستشفيات غزة، دفع بنظام الرعاية الصحية إلى شفير الانهيار التام.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون موقع غارة إسرائيلية على مستشفى «الوفاء» حسب الدفاع المدني الفلسطيني وسط الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس» في مدينة غزة 29 ديسمبر 2024 (رويترز)

الأمم المتحدة: النظام الصحي في غزة «على شفير الانهيار التام»

خلص تقرير للأمم المتحدة نُشر الثلاثاء، إلى أن الضربات الإسرائيلية على المستشفيات أو قربها في قطاع غزة تركا النظام الصحي في القطاع الفلسطيني على حافة الانهيار.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.