أكمام درامية... شراشيب... وفساتين طويلة

التاريخ يعيد نفسه بطرق مبتكرة

«موسكينو».... «ماكسمارا».....   من اقتراحات دار «جيل ساندر»
«موسكينو».... «ماكسمارا»..... من اقتراحات دار «جيل ساندر»
TT

أكمام درامية... شراشيب... وفساتين طويلة

«موسكينو».... «ماكسمارا».....   من اقتراحات دار «جيل ساندر»
«موسكينو».... «ماكسمارا»..... من اقتراحات دار «جيل ساندر»

الحنين إلى الماضي بالنسبة للمصممين ليس انتحالاً بقدر ما هو استلهام. فأغلبيتهم ملمون بالتاريخ جيداً؛ لكن عندما يتعلق الأمر بتقديم أزياء أو أكسسوارات تستهدف زبون اليوم، فإنهم يتجنبون النهل من هذا الماضي بشكل حرفي، ويقتصرون على بعض التفاصيل يبرزونها بشكل يواكب العصر. هذا تحديداً ما لاحظناه خلال أسابيع الموضة الأخيرة؛ حيث عاد عديد من المصممين إلى حقب مضت، مثل السبعينات التي أخذوا منها بريق النوادي الليلية، من خلال تصاميم جريئة بالألوان صارخة بالبريق، والتسعينات التي تشبه في بعض أحداثها ما هو حاصل الآن من ركود اقتصادي واضطرابات في الأسواق. بعضهم الآخر ذهب إلى أبعد من ذلك واستحضروا لنا صور ماري أنطوانيت ولويس السادس عشر، بتسليط الضوء على عشقهم للبذخ، من خلال لعبهم عليها بأسلوب سريالي، كما هو الحال بالنسبة لدار «موسكينو» التي اقترح مصممها جريمي سكوت تنورات وأكماماً بأحجام مبالغ فيها، وتسريحات شعر لا تترك أدنى شك في أن الملهمة هي ماري أنطوانيت.

الأكمام
أكثر ما استوقف الأنظار في عواصم الموضة العالمية لخريف 2020 وشتاء 2021، هي الأكمام الدرامية. ظهورها في نيويورك ولندن وميلانو وباريس وعواصم أخرى، يؤكد أنها ليست مجرد صرعة أو تقليعة للفت الأنظار مآلها أن تختفي سريعاً، بقدر ما هي توجه وجد فيه المصممون متنفساً للتعبير عن فنِّيتهم.
اللافت فيها هذا الموسم أنها أخذت أحجاماً ضخمة وأشكالاً في غاية الابتكار، تميل أحياناً إلى حد الغرابة والسريالية؛ خصوصاً عندما تأخذ أشكال أنابيب مخروطية أو بالونات، فضلاً عن كشاكش وطيات متعددة. كان القاسم المشترك في كل هذه الأشكال الأحجام الكبيرة التي جاءت على حساب العملية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بكنزات تتوجه لفصل الشتاء، وبالتالي تطرح عدة تساؤلات عن كيفية استعمالها تحت معطف سميك؟ هل هذا يعني ضرورة ابتكار معاطف خاصة، أم علينا اعتماد معاطف من دون أكمام؟
لكن رغم ما تطرحه هذه الأكمام من تحديات، فإنها بدأت بالفعل تكتسح خزاناتنا في المواسم الأخيرة، كتوجه يُعبر عن موضة معاصرة. في ميلانو ظهرت، للموسمين المقبلين، في تشكيلات بيوت أزياء كبيرة مثل «فندي» و«ماكسمارا» و«بوتيغا فينيتا» و«موسكينو»، وغيرها، وفي لندن ظهرت في عروض «شريمبس» و«ريجينو بيو» و«ريتشارد كوين»، وفي نيويورك في عروض مثل «بادجلي ميشكا».
قبل هذا ظهرت هذه الأكمام الدرامية في تشكيلات بيوت أزياء مثل «غاني» ومنها انتقلت إلى شوارع الموضة بفضل محلات مثل «زارا» التي طرحتها بأسعار معقولة. كنزة طرحتها منذ بضعة أسابيع بسعر 60 جنيهاً إسترلينياً نفدت تماماً في غضون بضعة أيام. ظهور بيونسي بها أيضاً في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب»، ساعد على تقبلها وزيادة الإقبال عليها، فكان من الطبيعي أن تستمر معنا لمواسم قادمة و«تكبُر» وهو ما يراه كثيرون إيجابياً. فكلما تكرر ظهورها في عروض الأزياء، زادت استدامتها بخروجها عن مجرد تقليعة موسمية تنتهي بانتهاء موسم واحد.
نظرة إلى التاريخ تكشف أن هذه الأكمام ليست جديدة، فقد كانت موضة في عصر لويس الرابع عشر، وكانت تعكس آنذاك وجاهة صاحبها ومكانته الاجتماعية الرفيعة. الملكة إليزابيث الأولى أيضاً كانت من المعجبات بهذه الموضة، وهو ما أصبح جزءاً من موضة العصر التيودوري؛ حيث كانت هذه الأكمام تُملأ بشعر الأحصنة حتى تحافظ على أشكالها المنفوخة أو العالية. في الثمانينات من القرن الماضي، شهدت انتعاشاً وقوة، وهو ما تجسد في عديد من الأفلام والمسلسلات، مثل «ديناستي» وغيرها؛ لكن التركيز عليها كان في الأكتاف الواضحة أولاً، وفي الكشاكش الكثيرة ثانياً، كما جسده فستان زفاف الأميرة دايانا. في العقود الأخيرة ومع ظهور الموضة الجاهزة و«دمقرطة» الموضة، اختفت هذه التصاميم، لما تتطلبه من استعمال أمتار طويلة من الأقمشة، وهو ما يتعارض مع استراتيجية الإنتاج والربح. فكلما تم استعمال القليل من الأقمشة ظلت الأسعار زهيدة وسهل التحكم فيها، الأمر الذي أدى إلى تراجعها، وظهور قطع من دون أكمام أو نصف كم فقط.

البني بدرجاته
من الأخبار السارة أن البني سيظل دارجاً في خريف وشتاء 2021. السار في الأمر أنه كان موضة سائدة في الموسم الماضي، ومن النادر ألا تكون أي أنيقة قد تجاهلتها ولم تشتر معطفاً أو أي قطعة أخرى بدرجة من درجاته المتنوعة، من العسل والكاراميل إلى البسكويت أو القهوة. أناقته الكلاسيكية العصرية تجعله يدخل خانة الاستدامة؛ لأنها تُشجع المرأة على التمسك به لمواسم عديدة. فكل ما يتطلبه تجديد أي قطعة من الموسم الماضي، إعادة تنسيقها مع أكسسوارات بألوان جديدة. الجدير بالذكر أن كل درجات البني تصرخ بالقوة والأناقة، منذ أن طرحها المصمم جيورجيو أرماني في تايورات مفصلة في بداية الثمانينات. للموسمين المقبلين التقطت بيوت عديدة ومصممون كبار، مثل «سالفاتوري فيراغامو» و«إيترو» و«ماكسمارا» وآخرون، هذا الخيط وقدموه في اقتراحات مفعمة بحداثة تضمن للمرأة إطلالة مضمونة، على شرط أن تختار الدرجة المناسبة لبشرتها.

فساتين طويلة
الموضة تعكس الأوضاع التي تعيشها، ويعتبرها مؤرخوها قراءة جيدة للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تظهر أو تنتعش فيها. من هذا المنظور، فإن المتعارف عليه أن الفساتين والتنورات تكون قصيرة في أوقات الازدهار الاقتصادي، ويزيد طولها في أوقات النكسات والأزمات، لهذا ليس غريباً أن نرى كثيراً من الاقتراحات على منصات العروض عبارة عن فساتين طويلة، منها ما يغطي نصف الساق ومنها ما يصل إلى الكاحل. من «فكتوريا بيكهام»، و«بوتيغا فينيتا» إلى «أغنونا» و«جيل ساندر»، و«إميليا ويكستيد» وهلم جرّا من الأسماء، كلهم اقترحوا تصاميم طويلة في غاية البساطة وبألوان حيادية، تفتح المجال للمرأة بأن تضع عليها لمساتها، سواء من خلال إضافة حزام يحدد الخصر أو حقيبة يد بلون متوهج.

شراشيب
شراشيب وأهداب كانت حاضرة في عروض كل من «بوس» و«برادا» و«بوتيغا فينيتا» و«جيل ساندر». الهدف منها كان إضافة حركة على تصاميم بسيطة للغاية، وفي الوقت ذاته ضخها بلمسة مرحة تتراقص مع كل حركة تقوم بها صاحبتها. «ميوتشا برادا» أدخلتها في تصاميم بألوان قاتمة مثل الأسود، بينما جعلها دانيال لي مصمم «بوتيغا فينيتا» أكثر جرأة بألوان تتباين بين الأخضر الليموني أو الليلكي أو الأحمر.
مثلها مثل الأكمام الدرامية، لن تكون هذه الشراشيب لكل النساء. فهي تحتاج إلى بعض من الجرأة وليس فقط الرغبة في التميز أو الانتماء إلى نادي الموضة المعاصرة. لكن بالنظر إلى أناقتها، فمن المحال تجاهلها أو الاستغناء عنها بالنسبة للفتيات، أياً كان أسلوبهن. في هذه الحالة فإن كل ما تحتاج إليه تنسيقها بشكل صحيح وارتداؤها في المكان المناسب.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».