«حرب القمم» حول إدلب تعكس تضارب المصالح فيها

TT

«حرب القمم» حول إدلب تعكس تضارب المصالح فيها

اختلطت أوراق القمم المقترحة لمعالجة تدهور الوضع حول إدلب، ومواجهة احتمالات انزلاق الموقف نحو مواجهة واسعة. وبعد الاتفاق على عقد قمة تجمع غداً الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، وهو اتفاق مر بصعوبات بالغة قبل التوصل إليه، أعلن الكرملين أن ترتيبات تجري لعقد قمة ثلاثية لضامني آستانة، في حين استبعد خيار المشاركة في قمة أخرى، كانت أنقرة سعت إلى تنظيمها لتجمع زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا.
بدا «تنافس» القمم المقترحة لافتاً، خصوصاً إذا ما أضيفت إليه اقتراحات جانبية للقاءات على مستوى أقل، مثل الاجتماع الثلاثي الذي اقترحت طهران تنظيمه بين ممثلين عن الحكومة السورية وإيران وتركيا، بهدف محاولة تقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق، وهو اقتراح بدا سريعاً أنه غير قابل للتنفيذ، فضلاً عن كونه أثار استياءً في موسكو، لأن الروس رأوا فيه محاولة إيرانية للقفز عنهم.
عكس الاتفاق بعد على ترتيب القمة الروسية - التركية بعد مماطلة استمرت لأسابيع من جانب موسكو، أن الطرفين أدركا أن جولات الحوار على مستوى الخبراء العسكريين والدبلوماسيين مهما نجحت في وضع تصورات مشتركة، فهي لن تنجح في إعلان اتفاق شامل على مسألة خلافية كبرى مثل إدلب، وأن الحاجة لتدخل حاسم على المستوى الرئاسي باتت ضرورية قبل أن تنزلق الأمور أكثر، وهو ما عبر عنه الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، عندما أعلن أن بلاده تعول على وقف تدهور الموقف، وتأمل أن تنطلق أنقرة من القناعة ذاتها.
عقد الرئيسان بوتين وإردوغان 6 قمم ثنائية في العام الماضي، وأجريا عشرات الاتصالات الهاتفية، كانت كلها تقريباً حاسمة، ونجح بعضها في رسم ملامح عدد من الاتفاقات الأساسية، التي وإن كانت لم تنفذ كلها مثل «اتفاق سوتشي»، لكنها شكلت قاعدة للاتصال والتنسيق المتواصل.
لا تخفي موسكو الرغبة في التوصل إلى تفاهم مع أنقرة يخفف حدة التوتر، ويوقف تدهور الموقف، لكن التوصل إلى حلول وسط في إدلب ازداد صعوبة مع سعي كل طرف إلى رفع سقفه التفاوضي إلى أعلى درجة، ولفتت أوساط روسية إلى أن القيادة الروسية راقبت بدهشة إصرار إردوغان على الذهاب بعيداً في تصعيد المواجهة، ليس فقط مع النظام، بل وفي إطار الحرب الكلامية مع الروس أيضاً. في هذا الإطار يبدو الحل الوسط المقبول، وفقاً لمصادر مقربة من الكرملين، هو إعادة رسم خريطة النفوذ على أساس أن تضمن موسكو السيطرة الحكومية الكاملة على الطريق الدولية «إم 5» مع ما يمنح ذلك من سيطرة مطلقة على حلب، في حين تتراجع بعض الشيء عن مواقف سابقة تتعلق بالطريق «إم 4»، ليبقى هذا الملف مفتوحاً لمرحلة أخرى من المفاوضات، وبدا إعلان موسكو دخول شرطتها العسكرية إلى سراقب إشارة واضحة في هذا المجال، على الرغم من أن الحكومة السورية لم تحكم سيطرتها على كل أجزاء المدينة بعد.
بهذه الآلية، يمكن للطرفين إعادة التأكيد على الالتزام باتفاق سوتشي، ويمكن لإردوغان أن يبرر داخلياً «انتصاره» بعدما كبد القوات الحكومية خسائر فادحة، رغم أن الواقع الميداني يشير إلى تقلص مساحة نفوذ تركيا بعد هذه المواجهة.
هكذا يضع البعض في موسكو الملامح العامة لاتفاق متوقع، ينهي هذه المرحلة من الأزمة المتصاعدة، لكنه لا يحسم نهائياً المعركة المفتوحة في إدلب. ومع هذه القمة التي ينتظر أن تكون صعبة، لأنها تناقش تفاصيل وخرائط وآليات للتعامل اللاحق مع المرحلة الجديدة، وهي تفاصيل لم ينجزها بعد الخبراء، تتجه الأنظار إلى قمة لاحقة ينتظر أن يتم التوافق بشأنها خلال لقاء بوتين وإردوغان، وهذه القمة الثلاثية لمحور آستانة، التي قال بيسكوف إن التوافق بشأن موعدها يجري وأنه سيحدد بعد «ضبط الساعات» مع الطرفين التركي والإيراني، رغم أنها ستناقش الوضع الميداني، خصوصاً على خلفية تصاعد المخاوف الإيرانية بسبب الضربات القوية التي تعرض لها النظام أخيراً، ولأن نيران تركيا طاولت «حزب الله» والقوات الحليفة لإيران، لكن العنصر البارز فيها هو البعد السياسي في ظروف تراجع الثقة بقدرة محور آستانة على مواجهة التعقيدات المتصاعدة، وعلى خلفية حملة غربية قوية ضد هذا المسار برزت في اجتماع مجلس الأمن الأخير حول سوريا. هنا تتشابك مصالح موسكو وطهران في الحفاظ على «الثلاثي»، وإعادة الروح إليه، فيما يبقى الموقف التركي ملتبساً تجاهها، بسبب ما وصفه معلقون روس بأنه اتساع الهوة وتزايد تضارب المصالح بين أطراف المحور.
في المقابل، بدا عدم الحماس الروسي واضحاً، لعقد قمة رباعية كانت أنقرة اقترحتها، بهدف إشراك فرنسا وألمانيا في مناقشة الوضع في إدلب، وأعلن بيسكوف أن بلاده لا تناقش عقد مثل هذه القمة حالياً. ولا يقتصر موقف الكرملين على رفض إشراك الأوروبيين في معالجة الوضع حول إدلب، لأن موسكو رأت في الدعوة محاولة من أنقرة لتشديد الضغوط عليها، خصوصاً أن القلق الأوروبي تزايد بسبب تعمد أنقرة إعادة تحريك ملف اللاجئين والتلويح بإرسال موجات جديدة من اللاجئين إلى أوروبا.
ولا ترغب موسكو، من زاوية أخرى، في مواجهة ضغوط أوروبية في مجال الوضع الإنساني في إدلب ومحيطها، وهو أمر تصر على طرحه البلدان الأوروبية. ومع إعلان موسكو عن رفضها تقريراً أممياً اتهمها بشن هجمات على منشآت طبية ومدنية، فهي سعت إلى التقليل من أهمية التقارير التي تحدثت عن لجوء نحو مليون سوري إلى المنطقة الحدودية مع تركيا، خلال الشهور الأخيرة، وقال الوزير سيرغي لافروف، إن عدد من تجاوزوا الحدود لا يزيد عن 35 ألف شخص، وأعاد خلال زيارته، الثلاثاء، إلى فنلندا، التأكيد على أن موسكو لن توقف الحرب على الإرهاب من أجل تسوية الوضع المتعلق باللاجئين.
ومع أن الأوساط الروسية ترى أن قدرة أوروبا على ممارسة ضغوط جدية على موسكو، تبدو محدودة بالنظر إلى أن الغرب استخدم كل طاقته في فرض رزم العقوبات المختلفة، وبات عاجزاً عن القيام بخطوات جدية أخرى، لكن موسكو رأت ضرورة قطع الطريق على المناورة التركية للدعوة إلى القمة الرباعية حول سوريا.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».