ارتفاع الإصابات في إيران... والسلطات تضاعف الإجراءات قبل بلوغ الفيروس ذروته

الشرطة تعقم شوارع طهران - بريطانيا تسحب الموظفين غير الأساسيين في سفارتها

إيرانيات يشترين مستلزمات طبية من صيدلية في طهران السبت (أ.ب)
إيرانيات يشترين مستلزمات طبية من صيدلية في طهران السبت (أ.ب)
TT

ارتفاع الإصابات في إيران... والسلطات تضاعف الإجراءات قبل بلوغ الفيروس ذروته

إيرانيات يشترين مستلزمات طبية من صيدلية في طهران السبت (أ.ب)
إيرانيات يشترين مستلزمات طبية من صيدلية في طهران السبت (أ.ب)

اقترب عدد المصابين بفيروس «كورونا الجديد» في إيران، أمس، من تخطي عتبة الألف، ما يعكس الانتشار السريع للمرض، وسط زيادة عدد الوفيات إلى 54 شخصاً، في وقت بدأت السلطات اتخاذ إجراءات مضاعفة على وقع تحذيرات من بلوغ الفيروس ذروته خلال الأيام المقبلة.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية كيانوش جهانبور، عبر التلفزيون الرسمي، حصيلة الضحايا حتى منتصف النهار أمس، قائلاً إن عدد وفيات فيروس «كورونا الجديد» في البلاد ارتفع إلى 54، كما قفز عدد المصابين إلى 978.
وقال المسؤول إن وزارة الصحة رصدت 385 حالة إصابة جديدة في الساعات الأربع والعشرين الماضية. ودعا الإيرانيين إلى تجنب أي تنقلات غير ضرورية والبقاء في المنزل. ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن ممثل وزير الصحة في لجنة مكافحة «كورونا الجديد» علي دلبيشه، أن نسبة الوفيات جراء الفيروس في إيران بغلت 4.1%.
وارتفع عدد المصابين بشكل ملحوظ في العاصمة طهران من 55 إلى 170 حالة إصابة. وقال وزير الصحة سعيد نمكي للتلفزيون الإيراني إن 157 شخصاً من المصابين تماثلوا للشفاء، مشيراً إلى أن وزارة الصحة سترسل 300 ألف فريق لفحص «كورونا» في المنازل. وخاطب الإيرانيين: «سنأتي إلى أبواب منازلكم واحداً تلو الآخر وسنتعرف على الحالات المشتبه بها». وألزمت وزارة الصحة الإيرانية جميع المستشفيات باستقبال مرضى «كورونا» بعد أقل من أسبوع على تخصيصها 170 مستشفى لحجر الحالات المؤكدة.
من جهتها، أعلنت الحكومة البريطانية سحب الموظفين غير الأساسيين في السفارة البريطانية لدى طهران جراء تفشي الوباء.
ولاحظت وكالة الأنباء الألمانية، مغادرة رعايا أجانب من إيران، بعد مناشدات وجهتها عدة أجهزة دبلوماسية أجنبية إلى مواطنيها.
بدوره، قال مساعد شؤون التخطيط والرقابة في وزارة الصحة إن جميع الخدمات الطبية للمصابين ستكون مجانية إذا ما كانت ضمن بروتوكولات الحكومة. وقال أيضاً: «إذا رغب أحد في الحصول على خدمات خارج البروتوكول فسيكون عليه دفع النفقات».
وكان تفشي الوباء قد أدّى إلى تعطيل البرلمان. وقالت وسائل إعلام، أول من أمس (السبت)، إن 100 نائب خضعوا للفحص الطبي. ولكن التقارير تضاربت أمس، حول عدد الحالات المؤكدة. وقالت وكالة «مهر» الحكومية إن نتائج فحص «كورونا الجديد» أظهرت إصابة 20 نائباً من البرلمان الإيراني. فيما ذكرت وكالة «فارس» أن الفحص الطبي أظهر إصابة النائب عن مدينة دماوند قاسم ميرزايي نيكو، وقالت إن عدد النواب المصابين ارتفع إلى 7، وذلك قبل أن تنفي وكالة «إيسنا» الحكومية إصابته.
إلى ذلك، أعلن رئيس الجامعة الطبية في تبريز محمد حسين صومي، عن ثلاث حالات وفاة من بين 15 مصاباً في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غرب البلاد. وقال إن «كل المحافظة ملوثة بالوباء»، وتابع: «في الواقع لدينا مرضى من كل مدن المحافظة»، وأضاف: «مقابل كل مصاب، يحمل 10 أشخاص أعراض الوباء وبإمكانهم نقله».
وأفادت وكالة «إيسنا» الحكومية بأن صومي ناشد أهالي المحافظة الامتناع عن التنقل، معتبراً الأسبوعين المقبلين «مصيريين للمحافظة».
وتشهد إيران أعلى عدد وفيات من المرض خارج الصين التي ظهر فيها المرض لأول مرة في ديسمبر (كانون الأول). كما أعلنت دول في المنطقة عن ظهور حالات إصابة لديها لأشخاص سافروا إلى إيران. وأغلقت بعض دول الجوار حدودها مع إيران وأوقفت عدة دول رحلات الطيران معها.
ونقلت «رويترز» عن قيادي في «الحرس الثوري» الإيراني قوله، خلال مؤتمر صحافي بثه التلفزيون، إن «الحرس» خصص منشآت في أنحاء البلاد للمساعدة في القضاء على فيروس «كورونا الجديد». وقال القيادي: «أنشأنا مراكز في أنحاء البلاد لمساعدة الناس على مواجهة الفيروس... نحتاج إلى تعاون على مستوى البلاد للتصدي لتلك الأزمة. على المواطنين اتّباع إرشادات المسؤولين في قطاع الصحة».
من جانبها، نقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن المسؤول في «الحرس الثوري» استعداد قواته لإقامة مستشفيين متنقلين يسعان خمسة آلاف سرير في طهران، في وقت رفعت وزارة الصحة سقف تحذيرها عندما أمرت جميع المستشفيات في البلد باستقبال المصابين بفيروس «كورونا»، بعد أقل من أسبوع على تخصيصها 170 مستشفى في عموم البلاد لاستقبال المرضى.
وقال المسؤول في القسم الصحي لـ«الحرس» إن قواته تعمل على إقامة منظومة مستشفيات متنقلة في رشت، مركز محافظة جيلان، ومدينة كاشان، شمال محافظة أصفهان، وعموم محافظة غلستان.
ونشرت مواقع إيرانية تسجيلات من تعقيم شوارع طهران بسيارات رش المياه الحارة لقوات مكافحة الشغب. وقالت وکالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عبر حسابها على «تويتر» إن «سيارات القوات الخاصة للشرطة تقوم بقمع (كورونا)».
وأعلن نائب قائد الشرطة الإيرانية الجنرال أيوب سليماني، عن تكليف قواته بتعقيم الشوارع والممرات ومراكز التجمعات الشعبية في طهران وست محافظات أخرى.
وقال سليماني إن وحدات الشرطة الإيرانية تلقّت أوامر بالتأهب في سياق مواجهة تفشي الوباء.
في الأثناء، لوّح القضاء الإيراني، أمس، بتوجیه اتهام «الإفساد في الأرض» إلى «المخلّين» بأسواق المواد المنظفة وسوق الكمامات في إيران، ما أدى إلى اختفائها في وقت يتزايد الطلب نتيجة تفشي فيروس «كورونا».
وأعلن المدعي العام محمد جعفري منتظري، استعداداً قضائياً لمواجهة من وصفهم بـ«المخلّين بالنظام الصحي». وقال في رسالة إلى وزير الصحة سعيد نمكي، إن الإخلال في النظام الصحي «خطوة إجرامية وتعادل عقوبة الإفساد في الأرض (الإعدام)»، مطالباً وزارة الصحة بإبلاغ مكتب الادعاء العام عن محتكري المواد المنظّفة والكمامات ومستلزمات مكافحة تفشي المرض.
جاء ذلك غداة رسالة من وزير الصحة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، وتناقلتها وکالات رسمية إيرانية بشأن التحذير من نقص الكمامات.
وقال الوزير إنه وجه رسالة إلى الجمارك حول منع تصدير الكمامات إلى خارج البلاد بعد توقعات بتفشي المرض، من دون أن يشير إلى توقيت الرسالة. ولفت إلى أنه طلب من مسؤولي وزارة الصحة شراء كمامات.
وقال: «من المؤسف أنه بعد عشرة أيام حصلنا على مليون كمامة فقط ولا أعرف أين تم تخزين الكميات الأخرى» وقال: «زملائي مجبرون على شراء الكمامات بأسعار باهظة من المهرّبين عبر الوسطاء والسماسرة».
وتساءل الوزير عن أسباب عدم مواجهة «شبكة انتهازية»، قال إنها «تتمتع بطمأنينة في مواجهة الناس والمسؤولين، في القول إن بإمكانها توفير 200 مليون كمامة في غضون 24 ساعة».
في شأن متصل، وصفت عضوة اللجنة الثقافية في البرلمان طيبة سياوشي، التسجيلات المنتشرة لقيام أشخاص بتقبيل أضرحة دينية تحدياً لدعوات إغلاقها بـ«البدعة الداعشية والمسيئة». ونقلت وكالة «إيسنا» عن النائبة قولها إنه نظراً إلى تفشي الفيروس، فإن التسجيلات تعد «نوعاً من الإساءة للقضايا التي يجب أن تراعى في مجال الصحة العامة».
إلى ذلك، أعلن عضو في الغرفة التجارية الإيرانية أن العراق فتح مؤقتاً نقطة مهران الحدودية في وجه شاحنات السلع الإيرانية.
وأعلن اتحاد كرة القدم الإيرانية إلغاء جميع مباريات كرة القدم لهذا الأسبوع في سياق الجهود لمواجهة تفشي الوباء.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.