توت عنخ آمون يثير عاصفة من الجدل مجددا في مصر

وزير الآثار أكد عدم نقل موميائه.. وأثريون يطالبون بعودة التابوت الأصلي إليها

هوارد كارتر مكتشف مومياء توت عنخ آمون (غيتي)
هوارد كارتر مكتشف مومياء توت عنخ آمون (غيتي)
TT

توت عنخ آمون يثير عاصفة من الجدل مجددا في مصر

هوارد كارتر مكتشف مومياء توت عنخ آمون (غيتي)
هوارد كارتر مكتشف مومياء توت عنخ آمون (غيتي)

يبدو أن الملك الشاب الملقب «الفرعون الذهبي»، توت عنخ آمون، والذي تولى حكم مصر في الفترة من 1334 - 1325 (ق.م)، لن يهدأ في مقبرته، فبعد الاحتفال قبل أيام بالذكرى الـ92 لاكتشاف مقبرته على يد المستكشف الإنجليزي هوارد كارتر، أكد وزير الآثار الدكتور ممدوح الدماطي، أنه قرر تأجيل إغلاق مقبرة الملك توت عنخ آمون حتى نهاية الموسم السياحي الحالي بعد أن كان مقررا إغلاقها للصيانة الدورية في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مجددا تأكيده على أن مومياء الفرعون الذهبي باقية في مقبرته بوادي الملوك، ليحسم بذلك الجدل الذي دار في الفترة الأخيرة حول احتمالات نقلها. بينما يحذر أثريون من استمرار عرض المومياء في قفص زجاجي بالمقبرة، ويطالبون بعودة تابوتها الأصلي الحاضن لها.
قرار الدماطي جاء في تصريح صحافي له أمس الثلاثاء على هامش جولة ميدانية قام خلالها بتفقد عدد من المواقع الأثرية بالأقصر وسوهاج، من بينها مشروع إضاءة وتأمين معبد وادي الملوك الذي يتم بالتعاون مع الجانب الإسباني، وتأكد من انتهاء ما يقرب من 95 في المائة من مراحل العمل به، ويشمل المشروع نظام مراقبة متكاملا يستمر خلال فترات العمل، وفي حال اختراق أي إنسان للمنطقة بعد مواعيد العمل يتم إطلاق أجهزة إنذار وتضاء المنطقة بالكامل. كما تفقد مقبرة الملك دن خامس ملوك الأسرة الأولى بمنطقة أم الجعاب بسوهاج، والتقى الدكتورة كريستينا كولر رئيسة البعثة الألمانية العاملة بالمنطقة، وقرر تشكيل لجنة مصرية - ألمانية لدراسة إمكانية فتح المقبرة للجمهور وربطها بزيارة معبد أبيدوس.
لكن، على الرغم من قرار وزير الآثار وإعلانه وقف قرار اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للآثار بشأن نقل مومياء توت عنخ آمون من مقبرتها الأصلية في غرب الأقصر إلى العاصمة القاهرة، وتأكيده أنه يفضل بقاء المومياء في الأقصر، فإن الجدل الذي أثاره الإعلان عن نقل المومياء من الأقصر إلى القاهرة لم يهدأ بعد.. حيث تعالت الأصوات الأثرية المطالبة بإقامة مشروع وطني مصري لفحص مومياوات ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة وحظر عبث الأجانب بتلك المومياوات والتلاعب بنتائج فحوصهم ودراساتهم لأجزاء وخلايا منها بما يخدم، حسب ما وصف من قبل أثريين، المزاعم اليهودية التي تشكك في الحضارة المصرية القديمة، وتزعم أن معالمها أقيمت بمعرفة كائنات فضائية.
وجدد عالم المومياوات المصري الدكتور أحمد صالح عبد الله المدير العام لصندوق إنقاذ آثار النوبة، مطالبته بإعادة جسد توت إلى تابوته الذهبي الذي يعد البيئة القديمة التي احتوت جسد الفرعون الذهبي لأكثر من 3 آلاف عام، مشيرا إلى أن استمرار عرض المومياء داخل فاترينة زجاجية تتوقف عنها الكهرباء طوال الليل مما يعرضها لخطر التلف، وقد تتحلل المومياء خلال 30 عاما. ويعرض التابوت الذهبي لتوت عنخ آمون بالمتحف المصري بالقاهرة.
وقال عبد الله في تصريحات نشرتها أخيرا «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، إنه على الرغم من الكم الهائل من الآثار الذي تم الكشف عنه في المقبرة، فإن هناك آثارا كثيرة سُرقت وسُربت عن طريق المكتشف كارتر وفريق العمل الذي عمل معه، وهناك كثير من المعلومات المزورة والمزيفة نشرها كارتر لإخفاء جريمته، مشيرا إلى أن من بين تلك المعلومات المزيفة، التي تنشر في الكتب العلمية، أن المقبرة تعرضت للسرقة مرتين في العصر الفرعوني.
وأوضح صالح أن كارتر لجأ إلى هذا الكذب لإقناع الحكومة المصرية وقتذاك بأن المقبرة تعرضت للسرقة، مما يجعله طبقا لقانون القسمة يحصل على 10 في المائة من آثار المقبرة، لافتا إلى أن لجنة الفحص التي قامت بفحص أعماله كشفت عن محاولته إخفاء قطع أثرية في صندوق خمور باستراحته المجاورة للمقبرة من أجل تهريبها.
وأكد أن كارتر قام بالتعامل مع المقبرة على أنها كنز شخصي، وأهدى قطعا منها إلى طبيب أسنانه، وأهدى سكرتيره حبات من الخرز الأزرق من عقد كان حول رقبة الملك توت عنخ آمون، كما أهدى إلى بارون النفط الأميركي إدوارد هاركنس خاتما ذهبيا من خواتم الملك، وكشف نيقولاس ريفز، أمين المصريات بمتحف «متروبوليتان» سابقا، أن 60 في المائة من التمائم الخاصة بتوت عنخ آمون مفقودة.
وتابع أن توماس هوفنينغ مدير متحف «متروبوليتان» الأسبق كشف في كتابه «توت عنخ آمون.. القصة غير المحكية» عن كل جرائم كارتر، وأن 19 قطعة في متحف «متروبوليتان» جاءت من مقبرة توت عنخ آمون، ومنها تمثال كلب مصنوع من العاج، وتمثال غزال، وخواتم، ومسماران فضيان من تابوت الملك، مشيرا إلى أن متحف «متروبوليتان» في عام 2010 وافق على إعادتها إلى مصر بعد أن يعرض معرض توت عنخ آمون الذهبي في المتحف.
ولفت عبد الله إلى أن قرار اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للآثار بشأن نقل مومياء الملك الفرعوني توت عنخ آمون من مقبرتها في غرب الأقصر إلى العاصمة القاهرة، لا يزال ساريا، مشيرا إلى أن وزير الآثار الدكتور ممدوح الدماطي جمد القرار فقط ولم يقم بإلغائه، مؤكدا أن استمرار سريان قرار اللجنة الدائمة بشأن نقل المومياء يهدد بكارثة أثرية.
يشار إلى أن الدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق رضخ من قبل لرأي الأثريين بعدم نقل المومياء إلى القاهرة لإجراء فحص نووي عليها، وتم الفحص من قبل علماء متخصصين للمومياء داخل مقبرتها بالأقصر، ومن أهم ما توصلت إليه نتائج الفحص التأكيد على أن الملك توت عنخ آمون هو ابن الملك إخناتون (أمنحتب الثالث)، المعروف بـ«فرعون التوحيد» في التاريخ المصري القديم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».