«كوفيد 19» في إيطاليا... «صلوات عبر الإنترنت» ومسارح فارغة

عاملا صحة إيطاليان يوزعان وجبات غذائية على فندق تحت الحجر الصحي في ألاسيو أمس (إ.ب.أ)
عاملا صحة إيطاليان يوزعان وجبات غذائية على فندق تحت الحجر الصحي في ألاسيو أمس (إ.ب.أ)
TT

«كوفيد 19» في إيطاليا... «صلوات عبر الإنترنت» ومسارح فارغة

عاملا صحة إيطاليان يوزعان وجبات غذائية على فندق تحت الحجر الصحي في ألاسيو أمس (إ.ب.أ)
عاملا صحة إيطاليان يوزعان وجبات غذائية على فندق تحت الحجر الصحي في ألاسيو أمس (إ.ب.أ)

منذ ظهور فيروس «كورونا» الجديد بالقرب من مدينة ميلانو، يوم الجمعة الماضي، تعيش إيطاليا أزمة عصبيّة حادّة تجنح أحياناً نحو الهستيريا الجماعية، وأحياناً أخرى نحو الاكتئاب والقلق من المجهول.
في مقاطعات الجنوب الذي لم تسجَّل فيه سوى إصابات قليلة حتى الآن، كلها لأشخاص عادوا مؤخراً من الشمال، يبتعد الناس عن المسنّين في الأماكن العامة أو يحاولون منعهم من دخولها، إذ تبيّن أن جميع المصابين حتى الآن قد تجاوزوا العقد السابع من العمر. والتعليمات التي وزّعتها الأجهزة الصحّية تدعو المواطنين إلى «التبليغ» عن الجيران، أو الأصدقاء الذين كانوا مؤخراً في الشمال.
المحاكم في مدينة ميلانو اشترطت لعقد جلساتها ألا تقلّ المسافة بين الحاضرين في قاعاتها، من قضاة ومحامين وشهود ومتّهمين، عن مترين. والمدارس والجامعات معظمها مقفل في محافظات الشمال، كما أقفلت دور السينما والمسارح وتأجلت المباريات الرياضية، والتي أجريت منها كانت من غير جمهور.
الكنيسة من جهتها، قرّرت إلغاء الشعائر والصلوات في الكنائس، ودعت المؤمنين إلى متابعتها عبر الإنترنت، واقتصرت الأعراس والمآتم على حفنة من الأقرباء، والكل ما زال يفتّش عن «المريض صفر» الذي كان بداية انتشار الفيروس، فيما صار يشكّك بعض الإخصائيين في علم الفيروسات أن يكون صيني المنشأ.
مطارات الشمال الإيطالي تقفر كل يوم أكثر بعد إلغاء رحلات كثيرة منها وإليها، والقطارات الوافدة من المقاطعات الشمالية تتأخر رحلاتها ساعات بسبب الرقابة الصحّية الصارمة التي تُفرض على ركّابها.
معظم الإصابات التي سُجّلت خلال الأيام الأخيرة في البلدان الأوروبية المجاورة كان الشمال الإيطالي مصدرها، ولسان حال الإيطاليين الذين بدأوا يخافون العزلة في محيطهم الطبيعي يردّد؛ الجيران يقولون عنّا اليوم ما كنّا نقوله منذ أيام عن الصينيين.
رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبّي كونتي، الذي يقول مساعدوه إنه لا ينام أكثر من 3 ساعات في اليوم منذ بداية الأزمة، يحذّر من أن الكابوس الاقتصادي قد لا يقلّ خطراً عن الكابوس الصحّي، بعد أن عطّل فيروس كورونا المحرّك الصناعي للقوة الاقتصادية الثالثة في أوروبا.
قطاع السياحة الذي يشكّل 5 في المائة من إجمالي الناتج القومي، ومصدر الدخل الرئيسي في أقاليم مثل «فينيتو»، تراجع بنسبة 40 في المائة، وميلانو ألغت صالون المفروشات والتصميم، وهو معرضها السنوي الرئيسي والأهم من نوعه في العالم، الذي يجذب أكثر من مليون ونصف مليون زائر، ويدرّ مدخولاً يزيد عن 40 مليار دولار.
النمساويون والسويسريون يُخضعون القطارات والحافلات الإيطالية العابرة لحدودهم لإجراءات صحية صارمة، بريطانيا والمجر والأردن تفرض الحجر الصحي على كل عائد من إيطاليا، وفرنسا تدرس إقفال حدودها مع إيطاليا التي كرّر رئيس وزرائها أكثر من 10 مرّات في اليومين الماضيين إن مثل هذه التدابير غير مقبولة، ولا تستقيم علميّاً وقانونيّاً داخل الاتحاد الأوروبي.
يتمدّد الخوف في العالم من كل ما يأتي من إيطاليا، مع تمدّد الإصابات التي يحملها زوّار المقاطعات الشمالية، والصين تنتقد «الاستجابة البطيئة» للسلطات الإيطالية التي تتقاذف أجهزتها المركزية والإقليمية اللوم والمسؤولية عن هذا الانتشار السريع الذي أصاب أمس 4 أطفال، بعد أن كان قد شاع أن الفيروس لا يضرب سوى المسنّين، الذين يعانون من حالات خطيرة في القلب والسكّري وجهاز التنفّس.
عشرات الدول نصحت مواطنيها بعدم السفر إلى إيطاليا، التي يقول الإخصائيون فيها إنه لا بد من أشهر لاحتواء الفيروس، بعد أن «خرج من القفص»، وانتقلت العدوى إلى الجيل الثاني أو الثالث من الإصابات.
المختبرات الإيطالية تعمل على مدار الساعة، وأطباء المؤسسات الرسمية وأجهزة الأمن والقوات المسلّحة ممنوعون من الإجازات، والناس ترى في الصحيح «بريئاً» وفي المصاب «متّهماً»، وثمّة من ينتظر «شهيداً» للفيروس بين المشاهير لتأخذ الكارثة من الاهتمام والجدّية في التعاطي معها بقدر ما تستدعيه خطورتها، على غرار ما حصل منذ سنوات مع مرض «الإيدز» حين أصاب الممثل الأميركي الشهير روك هدسون. لكن الأصوات الداعية إلى عدم الوقوع فريسة الخوف والهلع ومواصلة الحياة العادية ما زالت عالية، كذلك الأستاذ الذي كتب إلى طلابه يقول لهم: «أنقذوا حياتكم الاجتماعية من الفيروس».


مقالات ذات صلة

دراسة: «كورونا» تسبب في ضعف إدراكي مستمر للمرضى

صحتك فيروس كورونا أدى إلى انخفاض مستمر في الذاكرة والإدراك (أ.ف.ب)

دراسة: «كورونا» تسبب في ضعف إدراكي مستمر للمرضى

وجدت دراسة فريدة من نوعها أن فيروس كورونا أدى إلى انخفاض بسيط، لكنه مستمر في الذاكرة والإدراك لعدد من الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق اعترف غالبية المشاركين بالدراسة بالحنين إلى الماضي (جامعة كوبنهاغن)

العاملون من المنزل يعانون «نوبات الحنين» لما قبل «كورونا»

أفادت دراسة أميركية بأنّ العاملين من المنزل يشعرون بالضيق ويتوقون إلى ماضٍ متخيَّل لِما قبل انتشار وباء «كوفيد–19»، حيث كانوا يشعرون بالاستقرار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك العلماء يعتقدون أن الإنفلونزا أكبر تهديد وبائي في العالم (رويترز)

أول لقاح للإنفلونزا يمكن تعاطيه ذاتياً في المنزل دون إبر

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) أمس (الجمعة) على أول لقاح للإنفلونزا يمكن تعاطيه ذاتياً في المنزل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أجهزة الاستشعار الورقية الجديدة سريعة وسهلة الاستخدام (جامعة كرانفيلد)

تقنية جديدة تكشف أمراضاً معدية بالصرف الصحي

توصّل باحثون في بريطانيا إلى طريقة لتحديد العلامات البيولوجية للأمراض المعدية في مياه الصرف الصحي باستخدام أجهزة استشعار ورقية بتقنية الأوريغامي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

دراسة جديدة تدعم فرضية تفشي «كوفيد 19» من سوق ووهان

كشفت دراسة حول مصدر فيروس كورونا، نشرت الخميس، عناصر جديدة تعزز فرضية انتقال العدوى إلى البشر عن طريق حيوانات مصابة كانت في سوق في ووهان (الصين) نهاية عام 2019.

«الشرق الأوسط» (باريس)

نداء مشترك أميركي-أوروبي-عربي «لوقف مؤقت لإطلاق النار» في لبنان

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)
TT

نداء مشترك أميركي-أوروبي-عربي «لوقف مؤقت لإطلاق النار» في لبنان

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)

أصدرت الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، الأربعاء، نداء مشتركا لإرساء "وقف مؤقت لإطلاق النار" في لبنان حيث يهدّد النزاع الدائر بين إسرائيل وحزب الله بجرّ المنطقة إلى حرب واسعة النطاق.
وقال الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك "لقد عملنا معا في الأيام الأخيرة على دعوة مشتركة لوقف مؤقت لإطلاق النار لمنح الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنّب مزيد من التصعيد عبر الحدود"، مشيرين إلى أنّ "البيان الذي تفاوضنا عليه بات الآن يحظى بتأييد كلّ من الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر".

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو كشف خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء، عن اقتراح مشترك مع الولايات المتحدة لإرساء وقف لإطلاق النار لمدة 21 يوما في لبنان لمنع تطور النزاع الراهن بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة.

وقال بارو خلال الجلسة التي عُقدت بطلب من بلاده إنّه "في الأيام الأخيرة، عملنا مع شركائنا الأميركيين على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 21 يوما لإفساح المجال أمام المفاوضات". وأضاف أنّ هذا المقترح "سيتم الإعلان عنه سريعا ونحن نعوّل على قبول الطرفين به".

وشدّد الوزير الفرنسي على أنّ اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله "ليس حتميا" بشرط أن تنخرط كل الأطراف "بحزم" في إيجاد حلّ سلمي للنزاع. وحذّر بارو من أنّ "الوضع في لبنان اليوم يهدّد بالوصول إلى نقطة اللاعودة". وأضاف أنّ "التوترات بين حزب الله وإسرائيل اليوم تهدّد بدفع المنطقة إلى صراع شامل لا يمكن التكهن بعواقبه". وإذ ذكّر الوزير الفرنسي بأنّ لبنان يعاني منذ ما قبل التصعيد الراهن من حالة "ضعف كبيرة" بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية التي يتخبط فيها، حذّر من أنّه في حال اندلعت فيه "حرب فهو لن يتعافى منها".

ويبدو الوضع الحالي بين حزب الله وإسرائيل وكأنه وصل إلى طريق مسدود، إذ يشترط الحزب المسلح المدعوم من إيران وقف الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة لكي يوقف هجماته على الدولة العبرية التي تشترط من جهتها انسحابه بعيدا عن حدودها لكي توقف هجماتها ضدّه.وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، قال الوزير الفرنسي "فلنستفد من وجود العديد من القادة في نيويورك لفرض حلّ دبلوماسي وكسر دائرة العنف". وتأتي هذه المبادرة الفرنسية-الأميركية بعد مباحثات مكثفة جرت على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبعد لقاء ثنائي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وأعلن البيت الأبيض أنّ بايدن التقى ماكرون في نيويورك "لمناقشة الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني ومنع حرب أوسع نطاقا". وأتى هذا اللقاء بعدما حذّر بايدن من أنّ اندلاع "حرب شاملة" في الشرق الأوسط هي "أمر محتمل"، بينما دعا ماكرون "إسرائيل إلى وقف التصعيد في لبنان وحزب الله إلى وقف إطلاق النار".

وقال الرئيس الفرنسي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة "نحضّ إسرائيل على وقف هذا التصعيد في لبنان، ونحضّ حزب الله على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. نحضّ كل من يزوّد (حزب الله) الوسائل اللازمة للقيام بذلك على التوقف"، معتبرا في الوقت نفسه أنّه لا يمكن للدولة العبرية "أن توسّع عملياتها في لبنان من دون عواقب". وشدّد ماكرون في كلمته على أنّه "لا يمكن أن تكون هناك حرب في لبنان".

وتزامنت هذه التحذيرات مع إعلان الجيش الإسرائيلي الأربعاء أنّه يستعد لشنّ هجوم برّي محتمل على لبنان لضرب حزب الله الذي يزيد يوما تلو الآخر وتيرة قصفه للأراضي الإسرائيلية. والأربعاء اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية صاروخا بالستيا أطلقه حزب الله باتجاه تل أبيب، في سابقة من نوعها منذ بدء النزاع بين الطرفين قبل حوالى عام، إذ لم يسبق للحزب المدعوم من إيران أن قصف الدولة العبرية بصاروخ بالستي كما أنها المرة الأولى التي يوجّه فيها نيرانه إلى تل أبيب.

وفي مستهلّ جلسة مجلس الأمن، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنّ التصعيد الراهن بين إسرائيل وحزب الله "يفتح أبواب الجحيم في لبنان"، مؤكدا أنّ "الجهود الدبلوماسية تكثفت للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار".

من ناحيته، حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبيل بدء الاجتماع من أنّ الشرق الأوسط "على شفير كارثة شاملة"، مؤكدا أنّ بلاده ستدعم لبنان "بكل الوسائل". بالمقابل، قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون إنّ الدولة العبرية تفضّل استخدام القنوات الدبلوماسية لتأمين حدودها الشمالية مع لبنان، لكنها ستستخدم "كل الوسائل المتاحة" إذا فشلت الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق مع حزب الله.