اتفاق ينهي يومين من القتال بين إسرائيل و«الجهاد»

عودة الحياة الطبيعية مع تلميحات لإمكانية إعادة احتلال غزة

آثار الضربات الجوية الإسرائيلية على موقع في خان يونس بقطاع غزة (إ.ف.ب)
آثار الضربات الجوية الإسرائيلية على موقع في خان يونس بقطاع غزة (إ.ف.ب)
TT

اتفاق ينهي يومين من القتال بين إسرائيل و«الجهاد»

آثار الضربات الجوية الإسرائيلية على موقع في خان يونس بقطاع غزة (إ.ف.ب)
آثار الضربات الجوية الإسرائيلية على موقع في خان يونس بقطاع غزة (إ.ف.ب)

نجحت وساطة مصرية جديدة في وقف قتال استمر يومين بين إسرائيل وحركة «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، بعد انتقام بدأته الحركة لقتل إسرائيل أحد أعضائها والتنكيل به عبر سحبه بمسننات ذراع آلية كبيرة (جرافة) في مشهد أثار غضباً واسعاً.
ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فجر أمس وصمد طيلة اليوم بعد أن أعلنت «الجهاد» انتهاء هذه الجولة من القتال. وأعلنت «سرايا القدس - الجناح العسكري» لحركة «الجهاد الإسلامي»، أنها أنهت ردها العسكري على جريمتي الاغتيال في خان يونس ودمشق. ووعدت «الجهاد» الشعب الفلسطيني والأمة بأن تستمر في جهادها، وترد على أي تمادٍ من قبل الاحتلال على أبناء شعبنا وأرضنا. وفق نص بيانها. وأطلقت «الجهاد» خلال يومين نحو 90 صاروخاً على إسرائيل، وضربت إسرائيل غزة ودمشق، وقتلت 3 من عناصر الحركة، في أسوأ تصعيد بين الطرفين منذ جولة القتال الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولم تسعَ «الجهاد» أو إسرائيل إلى حرب مفتوحة قبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية التي يسعى فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لفترة ولاية خامسة. وأكدت إسرائيل وقف إطلاق النار، برعاية مصرية وأممية.
وفيما عادت الحياة الطبيعة في غزة، أعاد الجيش الإسرائيلي فتح عدد من الطرق السريعة المتاخمة لقطاع غزة التي أغلقت، وسمح باستئناف خدمة القطارات، كما أزالت المجالس المحلية للمناطق المحيطة بالقطاع تعليماتها للسكان بالبقاء على مقربة من الملاجئ، ما سمح لهم بالعودة بالكامل إلى العمل، وتم السماح بالتجمعات الخارجية مرة أخرى. لكن الجيش أبقى على المعابر الحدودية مع غزة مغلقة إلا أمام الحالات الإنسانية، مشيراً إلى اعتبارات أمنية ومنع الصيادين الفلسطينيين من التوجه للبحر.
وقال مسؤول إسرائيلي إن تل أبيب تلقت رسائل من الحركة بأنها معنية بوقف إطلاق النار. واندلعت هذه الجولة التي لم تشارك فيها «حماس» بعد بثّ مقاطع فيديو أظهرت جرافة عسكرية إسرائيلية تنكل بجثة هامدة متدلية من ذراعها. وأثار الفيديو الخاص بأحد عناصر «الجهاد» كثيراً من الغضب ودعوات للانتقام. وكتب المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، أن الجهل وانعدام المسؤولية يمكن أن يفجر الشرق الأوسط، وليس فقط غزة. وأضاف: «ثمة مس بالكرامة الوطنية الفلسطينية، إهانة الجثة في جميع الثقافات سوف تُنتج غضباً شديداً. وهذه هي القصة المختصرة. لقد أخذت (الجهاد الإسلامي) الانتقام على عاتقها، ولم تتمكن (حماس) من لجمها، لأن الفلسطينيين لن يقفوا إلى جانبها في ذلك».
وعلى الرغم من الهدوء الذي يتوقع أن يستمر إلى ما بعد الانتخابات، شكّك مسؤولون إسرائيليون في أن يبقى طويلاً. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ووزير الطاقة يوفال شطاينتس، إنه لا يمكن الاعتماد على هذا الهدوء. وقال كاتس، وهو وزير في الكابنيت، إنه يجب تغيير قواعد اللعبة في غزة وتوجيه عملية عسكرية، تليها ترتيبات للانفصال المدني عن القطاع. أما شطاينتس، فرأى أن تفاهمات الهدوء في غزة مجرد حل مؤقت. مشيراً إلى أنه سيتم الدفع بخيار عملية عسكرية، في حال لم يتم الحفاظ على الهدوء. وأضاف: «في حال استمروا بإطلاق الصواريخ فلن تكون هناك تهدئة، وبذلك قد نضطر لتنفيذ خطتنا الشاملة التي تم إعدادها والتي ستكون حادة للغاية ومختلفة عما جرى بغزة سابقاً».
ولمح وزير الطاقة والشؤون الاستراتيجية، الذي ينتمي لحزب «الليكود» الحاكم، والعضو في الحكومة الأمنية المصغّرة (الكابنيت)، إلى إعادة احتلال القطاع. وقال شطاينتس: «إذا لم يكن هناك خيار آخر، فقد تسيطر إسرائيل سيطرة كاملة على قطاع غزة لبضعة أسابيع، للإطاحة بحكم (حماس) أولاً، وللقضاء على ورشات تصنيع القذائف الصاروخية هناك ثانياً». وأضاف: «لقد أعددنا بالفعل إجراءً شاملاً ومختلفاً للغاية، عن كل ما عرفناه حتى الآن في غزة». وشدد شطاينتس على أن «غزة ستشكّل تهديداً لإسرائيل إلى الأبد». وأردف: «لم تنجح إسرائيل أبداً في القضاء على الإرهاب بشكل مُطلق في الماضي، ولن تنجح أيضاً بذلك في المستقبل».
يذكر أن «منطقة E1»، مشروع استيطاني قديم وضعه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين في سنة 1994، لكنه اضطر إلى تجميده بعد الاعتراض الفلسطيني الشامل عليه. فالحديث عن منطقة استراتيجية لمستقبل الوجود الفلسطيني، مساحتها تعادل 10 في المائة من مساحة الضفة الغربيّة، ويقسمها إلى قسمين لمنع الامتداد الجغرافي للدولة الفلسطينية وخنق القرى الفلسطينية الواقعة فيها. ولكن الحكومات الإسرائيلية عادت وأثارته من سنة لأخرى، وفي 2012 تدخلت الإدارة الأميركية ومارست الضغوط والتهديدات على حكومة نتنياهو لتجميده من جديد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.