باريس: المتطرفون حولوا الجنوب الليبي إلى حديقة خلفية لهم

مصادر غربية لـ («الشرق الأوسط»): جهود المبعوث الدولي في ليبيا «مفيدة لكن غير كافية»

باريس: المتطرفون حولوا الجنوب الليبي إلى حديقة خلفية لهم
TT

باريس: المتطرفون حولوا الجنوب الليبي إلى حديقة خلفية لهم

باريس: المتطرفون حولوا الجنوب الليبي إلى حديقة خلفية لهم

لم يخرج اجتماع باريس لمندوبي 8 دول (الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا، تركيا، مالطا)، ومندوبي 3 منظمات إقليمية (الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي) برئاسة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون، بجديد. ولعل القرار الوحيد الذي توصلوا إليه هو إنشاء «لجنة مصغرة» من بين المجتمعين تلتقي بشكل دوري بسبب الصعوبات التي يواجهها المبعوث الدولي لجمع كل الأطراف في مكان واحد. وقالت مصادر دبلوماسية غربية رافقت اجتماع باريس لـ«الشرق الأوسط» إن المجتمعين «يجدون أنفسهم عديمي الحيلة لمعالجة الملف الليبي»، رغم أن الجميع ينظرون بكثير من القلق لما هو جار في ليبيا. وتضيف هذه المصادر أن المعطى الأساسي أن «لا دولة من الدول التي شاركت في الحرب الأخيرة راغبة في أن يكون لها ضلع مباشرة في الحرب الأهلية الدائرة حاليا». ويعود السبب الأول إلى «تعقيدات» الوضع الليبي وإلى تشعباته المتعددة.
بيد أن هذا القول لا يعني أن هذه الدول «غير مهتمة بموضوع الإرهاب وبما يشكله الجنوب الليبي من تهديد بسبب فلتان الحدود وقدرة الجهاديين على الدخول والخروج منه بسهولة تامة وبعيدا عن أية رقابة». وقال مصدر رسمي فرنسي لـ {الشرق الأوسط} إن قادة المجموعات الجهادية يستفيدون من الجنوب الليبي من وجهين: الأول التزود بالسلاح والوقود والمؤن والتدرب، والثاني تحوله إلى حديقة خلفية للاستراحة واستعادة قواهم.
وترى المصادر الأوروبية أن ما يقوم به المبعوث الدولي ليون برناردينو «مفيد ولكنه غير كاف»، إذ إن «النزاعات الداخلية والتدخلات الخارجية ستجهض جهوده». وقد سبق للأخير أن نجح في جمع الكثير من النواب المنتخبين في قاعة واحدة وإطلاق بداية حوار عول عليه للجم الحرب الأهلية والتوصل إلى هدنات محلية تفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي. وتسعى مجموعة الدعم لليبيا إلى إبقاء كل الخطوط مفتوحة رغم أن المجتمعين يعترفون بالبرلمان الليبي المنتخب وحده وبالحكومة التي يرأسها عبد الله الثني والمنبثقة عنه. ويظهر ذلك من خلال صياغة البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية التي استضافت الاجتماع، إذ جاء في فقرة منه أن المجتمعين يدعمون برناردينو «من أجل متابعة الحوار الذي سيمكن مجلس النواب الشرعي من القيام بعمله بشكل طبيعي بمشاركة كل أعضائه وتشكيل حكومة تضم كل الأطراف وممثلة للجميع». واتفق المجتمعون على أن «لا حل عسكريا في ليبيا».
وحتى الآن، بقيت دعوات المجموعة وآخرها حث الأطراف على وقف النار من غير نتيجة، ما يعكس عجزها عن التأثير الميداني. أما بصدد دعوة رئيس حكومة طرابلس غير المعترف بشرعيته من أجل إجراء انتخابات تشريعية جديدة، فقد رأت المصادر الأوروبية أن «لا معنى لها»، إذ إن مثل هذه الانتخابات جرت في ليبيا منذ فترة قصيرة و«لا فائدة من تعقيدات إضافية».
وفي ظل الامتناع الدولي عن الانخراط جديا في مخارج للوضع في ليبيا، ترى هذه المصادر أنه «من المهم جدا» دعم وساطة برناردينو «لأنها الوحيدة الموجودة في الوقت الحاضر والمقبولة تقريبا من كل الأطراف». وكان لافتا في اجتماع باريس غياب الدول العربية الأفريقية المجاورة لليبيا التي تتأثر بتطورات الوضع فيها بالدرجة الأولى. ولم يمثل الجانب العربي إلا عبر مندوب الجامعة العربية، علما بأنه لا يوجد موقف عربي موحد من النزاع الليبي، وأن هناك اتهامات متبادلة حول التدخل العربي الخليجي في ليبيا لمصلحة هذا الفريق أو ذاك. كذلك تمثل الأفارقة بمندوب الاتحاد الأفريقي. وفي ظل غياب أي عامل خارجي له تأثير جدي على الأزمة الليبية، فإن المصادر الأوروبية تنبه الأطراف المتقاتلة التي يبدو أنها اختارت الحسم العسكري إلى أن مصلحتها تكمن في أن «تلعب اللعبة» التي يقترحها المبعوث الدولي «لأن لا حسم عسكريا لهذا الطرف أو ذاك، وأن استمرار القتال لن يجر سوى الخراب على الجميع».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».