غاليري «الآن» في الرياض.. حلم بدور أوسع للفنون

يهدف إلى دعم المواهب الشابة وجذب شرائح المجتمع

نعمة السديري مع بعض زوار غاليري «الآن»
نعمة السديري مع بعض زوار غاليري «الآن»
TT

غاليري «الآن» في الرياض.. حلم بدور أوسع للفنون

نعمة السديري مع بعض زوار غاليري «الآن»
نعمة السديري مع بعض زوار غاليري «الآن»

في ظل حركة فنية نشطة في السعودية أنتجت عددا من الفنانين الذين تخطو حدود المحلية، وأصبحوا واجهة للفن السعودي في المحافل العالمية، تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت آخر لإقامة المؤسسات التي تعنى برعاية الفنون وعرضها وتعليمها. وإلى جانب عدد بسيط من الصالات الفنية التي أقيمت في جدة والرياض بزغت منشآت تشير إلى ازدياد الاهتمام من الفنانين ومن الجمهور بمتابعة الأعمال الفنية. في الرياض استطاع غاليري «الآن» منذ افتتاحه في عام 2012 أن يثبت قدمه محطة لسكان العاصمة السعودية تتعدى كونها مساحة لعرض الأعمال الفنية لتضيف نشاطات مختلفة لجذب الزوار، منها مكتبة فنية ومقهى بالإضافة إلى الجانب التعليمي والتثقيفي المتمثل بإقامة ورش عمل متخصصة. وكانت بداية أعمال الغاليري عبر معرض «القوة الناعمة»، الذي شاركت فيه 3 فنانات سعوديات، هن منال الضويان وسارة العبدلي وسارة أبو عبد الله. وبعده توالت المعارض لنصل للمعرض الحالي الذي يحتضنه الغاليري، وهو للفنان إيهاب ممدوح بعنوان «مقيم»، وهو المعرض الأول للفنان. وخلال لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع نعمة السديري مؤسسة الغاليري خلال وجودها بلندن دار الحديث حول دور «الآن» بوصفه صالة لعرض الأعمال الفنية، وأيضا مركزا يهتم بالتعليم الفني وتوفير مساحات للشباب للقاء واستكشاف التيارات الفنية المعاصرة في العالم، وأيضا استكشاف قدراتهم الفنية.
تقول السديري إن «الآن» هو إحدى 4 صالات فنية بالرياض، وتنفي الفكرة الدائرة عن أن «الآن» هو أول غاليري في العاصمة، ولكنها تضيف: «لسنا الأول من حيث الصالات الفنية، ولكننا الأول في تقديم مساحة تدعم الفنون بشكل أوسع». وبالنظر للمعارض التي أقيمت في الغاليري نلاحظ اتجاهها لعرض أعمال شباب الفنانين السعوديين، وإن كانت السديري تشير إلى أن الغاليري يهدف في المقام الأول لدعم الفنانين السعوديين، ولكنه أيضا يفتح أبوابه للفنانين من الشرق الأوسط عامة، وتضيف: «نقدم أعمالا لفنانين معروفين، كما نفتح مساحة للفنانين الناشئين، ونقوم بدعوة فنانين من الخارج لعرض أعمالهم أيضا».
استقبال الجمهور لوجود صالة فنية في الرياض كان «مشجعا وداعما»، كما تشير السديري، وتضيف قائلة: «الجمهور أظهر حماسة لحضور المعارض والمحاضرات، يجب القول إن الرياض تحتاج لمثل هذا المكان وللنشاط المصاحب. الجيل الشاب يحتاج لهذا أيضا، ولهذا خصصنا جانبا من الغاليري لأعمال الطلبة وسميناه (حائط الفن)، فهنا يمكن لكل من يحس بأن لديه موهبة تحتاج للتطوير أن يعرض عمله، وهو مهم للفنان الناشئ؛ أن يتلقى رأي المشاهدين في عمله. نحاول أن نقيم فعالية (جدار الفن) مرتين في العام، ونرى في ذلك تحقيقا لدورنا لدعم المواهب الصاعدة.
عادة تقوم صالات عرض الأعمال الفنية بإضافة نشاطات أخرى متعلقة بالمعرض، سواء المحاضرات أو ورش العمل أو العروض الفنية، وهو ما يحاول «الآن» أن يقدمه للجمهور، تقول السديري: «مع كل معرض نحاول تقديم برنامج تعليمي مرافق، فمثلا في معرض (مقيم) للفنان إيهاب ممدوح المقام حاليا، أعددنا سلسلة من اللقاءات مع الدكتورة مها السنان، المدير التنفيذي للجمعية السعودية للمحافظة على التراث، تدور حول الفن الإسلامي وتطوره».
وتشير إلى أن الأطفال أيضا ضمن الشرائح التي يخاطبها الغاليري: «في الخارج تنظم المدارس رحلات للتلاميذ لزيارة المتاحف، ولكننا نحاول أن نعوض هذا النقص بدعوة المدارس لزيارتنا وننظم لهم جولات ودروسا»، بالإضافة للمكتبة التي يمكنهم الاستفادة منها.
تبدو فكرة ضم عدد من النشاطات المتنوعة في الغاليري حلا بارعا لجذب شرائح من المجتمع ممن قد لا يفكرون بقطع المسافات لزيارة معرض فني، ولكن قد يفكر بزيارة المقهى أو المكتبة: «فثقافة المعارض الفنية لا تزال حديثة لدينا».
معرض «مقيم» يسترعي الانتباه لأنه يستخدم فكرة الصلاة وأركانها لتحويلها إلى لوحات فنية، تشير السديري إلى لوحات الفنان قائلة: «أعمال إيهاب ممدوح مستوحاة من جذوره المصرية – الفرعونية، وفي الوقت نفسه، تحمل الطابع الإسلامي؛ فهو يدمج بين جذوره التاريخية وكينونته كمسلم». وتستكمل: «أكثر ما جذبني إلى أعماله هو الاختلاف عن المطروح ضمن إطار (الفن الإسلامي)، فهو يستخدم الشكل الإنساني بدلا من الخط أو النقوش، والموضع جميل جدا، ولم أرَ من قبل أحدا يتعامل مع موضوع الصلاة بهذا الشكل».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».