رحيل مريم فخر الدين.. «إنغريد برغمان» السينما المصرية

قدمت أكثر من 240 فيلما من أشهرها «رد قلبي» و«حكاية حب»

وفي فيلم «الأيدي الناعمة»
وفي فيلم «الأيدي الناعمة»
TT

رحيل مريم فخر الدين.. «إنغريد برغمان» السينما المصرية

وفي فيلم «الأيدي الناعمة»
وفي فيلم «الأيدي الناعمة»

من باب «أجمل وجه» لفتاة في مقتبل العمر، دخلت مريم فخر الدين إلى فضاء السينما المصرية، وودعتها أمس عن عمر يناهز 81 عاما بوجه أقل نضارة انطبعت في ملامحه مرارة الزمن وقسوة السنين. وودع العشرات من المصريين وعدد من الفنانين، الراحلة التي وصفت بـ«حسناء الشاشة» إلى مثواها الأخير بمقابر الأسرة بمدينة «6 أكتوبر (غرب القاهرة)»، بعد تشييع جنازتها من مسجد مستشفى المعادي العسكري بضاحية المعادي بالقاهرة، وقد وافتها المنية بالمستشفى نفسه في ساعة مبكرة من صباح أمس (الاثنين) عقب إجرائها عملية جراحية لإزالة تجمع دموي بالمخ.
رحلت «إنجي» الفتاة الرومانسية الطيبة ابنة «الباشا» التي طالما جذبت قلوب المصريين في الفيلم السينمائي الشهير «رد قلبي»، مجسدة أحلام أبناء الطبقة الفقيرة في الحب والثورة. ومثلما احتفظت باسمها كاملا نجمة (مريم فخر الدين) كانت لا تخفي اعتزازها بأنها دخلت باب السينما بقوة الجمال، بعد أن فازت عن طريق مجلة «إيماج» الفرنسية بجائزة أجمل وجه، ليؤهلها هذا الاعتراف لأن تقوم بدور البطولة في أول أفلامها السينمائية «ليلة غرام» في عام 1951، بعد حصولها على شهادة البكالوريا من المدرسة الألمانية بالقاهرة.
عاشت مريم فخر الدين الحياة لوحة إنسانية خصبة تتقاطع فيها الثنائيات على مستوى القيم وأيضا على مستوى الفن، فلا وجود للأبيض من دون الأسود، بل لا وجود للخير من دون الشر، وأكسبها كل هذا، على مدار مشوارها الطويل في عالم السينما والدراما، إحساسا فطريا بالفن والحياة، انعكس بقوة في التلقائية والعفوية والبساطة التي كانت تؤدي بها أدوارها. دعم هذه التلقائية مولدها ونشأتها في بيئة ريفية، في كنف أب يقدس القيم والأعراف والتقاليد الاجتماعية. فقد ولدت في 8 أغسطس (آب) عام 1933 بمدينة الفيوم لأب مصري مسلم وأم مجرية مسيحية، وهي الأخت الكبرى للفنان يوسف فخر الدين، الذي اعتزل الفن مبكرا إثر وفاة زوجته، وغادر مصر للعيش في إحدى البلدان الأوروبية.
قاد جمال مريم فخر الدين وجهها الملائكي السمح إلى عالم الرومانسية في السينما فاشتهرت خلال فترة الخمسينات والستينات في السينما العربية بأدوار الفتاة الرقيقة الطيبة شديدة العاطفية، حتى أصبحت رمزا للرومانسية، وأطلق عليها النقاد لقب «حسناء الشاشة»، على غرار كثير من بطلات السينما المصرية في تلك الفترة اللائي شبههن النقاد ببطلات السينما الأميركية، مثل فاتن حمامة وليلي فوزي وبرلنتي عبد الحميد، وهند رستم التي شبهوها بالنجمة الشهيرة مارلين مونرو، لكن يظل لقب «إنغريد برغمان السينما المصرية» من أحب الألقاب إليها، خصوصا أن الذي أطلقه عليها هو النجم رشدي أباظة، وكانت تكن له محبة وتقديرا خاصين.
في غمار هذه الرومانسية نجحت مريم فخر الدين في تنويع أدوارها لتخرج من القوالب النمطية لشخصية الفتاة العاطفية المفعمة بالرقة والعذوبة المغلوبة على أمرها رغم براعتها في تجسيدها. وشهد مطلع السبعينات اختلافا لافتا في أدوارها على الشاشة بحكم السن، واستطاعت بعذوبة طبائعها وأحاسيسها العالية أن تلعب مختلف الأدوار، فمثلت دور الفتاة الساذجة الطيبة المغلوبة على أمرها، ودور الفتاة الأرستقراطية، ودور فتاة فقيرة من الطبقة الكادحة، ونجحت أيضا في تجسيد دور الأمومة، وأيضا دور الجدة، في مجموعة من الأفلام، من أبرزها دورها الشهير في فيلم «الأضواء» عام 1972، وأيضا دور الأم في فيلم «بئر الحرمان» عام 1969.
كما قدمت أكثر من 240 فيلما من الأفلام البارزة في تاريخ السينما العربية، منها: «حكاية حب» و«رد قلبي» و«اللقيطة» و«ملاك وشيطان» و«الأيدي الناعمة» و«قشر البندق» و«البنات والصيف» و«طائر الليل الحزين» و«شفاه لا تعرف الكذب» و«بصمات فوق الماء».
عاشت الفنانة مريم فخر الدين حياة أسرية غير مستقرة، أسفرت عن 4 زيجات، لم تدم واحدة منها، فتزوجت للمرة الأولى عام 1952 من المخرج محمود ذو الفقار وكان عمرها 17، وكان يكبرها بـ23 عاما، وأنجبت منه ابنتها إيمان، وبعد نحو 8 سنوات انتهى بالانفصال عام 1960، ثم تزوجت بعد 3 أشهر من طلاقها بالدكتور محمد الطويل طبيب الأنف والأذن وأنجبت منه ابنها أحمد، واستمر زواجها منه نحو 4 سنوات.
ويروي الناقد السينمائي كمال رمزي في كتاب «نجوم السينما المصرية»، أن الفنانة مريم فخر الدين أصيبت بـ«داء الصمم» الذي بدأ يهددها وهى في قمة مجدها السينمائي، وهو داء ورثته عن والدها وجدها، وهذا ما يفسر ذلك البطء الواضح في حوارها مع من أمامها من أبطال، فعندما اشتد بها الداء كان مساعد المخرج يضطر إلى أن يشير لها بأن زميلها انتهى من كلامه لكي تبدأ هي كلامها، الأمر الذي قلل من اندماجها الكامل في دورها، ولكنها شفيت من المرض بعد أن تزوجت من الطبيب محمد الطويل وعادت إلى الاستوديوهات لتقدم المزيد من الأفلام.
في عام 1968 تزوجت «مريم» من المطرب السوري فهد بلان، إلا أن زواجهما لم يدم طويلا بسبب مشكلات أبنائها معه، فطُلقت وتزوجت من شريف الفضالي ليكون زوجها الرابع وهو الزواج الذي انتهى أيضا بالطلاق.
وعزت مريم فخر الدين فشلت زيجاتها لتربيتها الريفية مع أب يعلي قيمة الزواج ويرفض تعرف بناته على أزواجهن قبله تحت أي ظرف. كما أقرت في حوار تلفزيوني بأن أحد أزواجها كان يضربها، وأن أحد أصابعها كسر عندما حاولت منعه من ضربها.
خايلت «حسناء الشاشة» السينما العالمية في تجربة وحيدة شاركت فيها الفنان فريد شوقي ومع الممثل الإنجليزي جوردو نسكوت في الفيلم الإيطالي - المصري «كريم ابن الشيخ» من إنتاج عام 1963.
وفي آخر حياتها، كانت تخونها الذاكرة وتنسى كثيرا، وتلتبس عليها الأشياء، مما أوقعها في مفارقات كثيرة محرجة، خاصة مع زملائها الفنانين، فقد أطلقت إشاعة لا أساس لها من الصحة عن قيام أولاد الفنان أحمد مظهر، فارس السينما المصرية، بتحديد إقامته بعد أن التقته أثناء تصوير أحد البرامج التلفزيونية، وعندما سألته عن أخباره قال لها: «إنني محدد الإقامة في فيلتي» مما أحزنها كثيرا، غير أنها لم تسأل عن السبب، لذا أخطأت وفهمت أن الذي حدد إقامته هم أولاده، وليست وعورة الطريق المؤدي إلى بيته بسبب أعمال إنشائية اخترقت أرضه. وعلق نجل أحمد مظهر على الواقعة بأن الفنانة مريم فخر الدين إما أن تكون قد أخطأت الفهم، وإما أنها تقصد الحجز الأدبي والمعنوي بسبب سوء حالته الصحية.
كما شنت مريم فخر الدين في حوارات صحافية وإعلامية أجريت معها أخيرا، هجوما قاسيا على زملاء لها، كان مثار دهشة جمهورها، خاصة هجومها على زميلتيها الفنانتين صباح وفاتن حمامة، وأيضا المخرج يوسف شاهين.
حصلت مريم فخر الدين على جائزة وزارة الثقافة عام 1958 عن فيلم «لا أنام» من بطولة فاتن حمامة، كما كرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات في عيد الفن.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».