بزّيِك الليبي يمنح شعبه الأمل بعد تكريمه من محمد بن راشد

وهب حياته لرعاية أطفال تخلّى عنهم ذووهم لإصابتهم بأمراض مميتة

محمد بزّيك يهتم بإحدى الصغيرات في منزله
محمد بزّيك يهتم بإحدى الصغيرات في منزله
TT

بزّيِك الليبي يمنح شعبه الأمل بعد تكريمه من محمد بن راشد

محمد بزّيك يهتم بإحدى الصغيرات في منزله
محمد بزّيك يهتم بإحدى الصغيرات في منزله

طغت أجواء مفعمة بالفرح في ليبيا على أحاديث «الكراهية والحرب» عقب إعلان فوز المواطن محمد بزّيِك الفائز بجائزة «صناع الأمل» في دورتها الثلاثة، وضجت وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بحالة احتفائية مفاجئة بـ«ابن ليبيا» مصحوبة بالتباهي والفخر.
وبزّيِك الذي حلّ رابعاً في المسابقة وكرمه حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء مساء الخميس الماضي، هاجر من العاصمة الليبية طرابلس إلى أميركا عام 1978 للدراسة حتى أصبح مهندس إلكترونيات، وقبل 31 عاماً وهب حياته لرعاية الأطفال الذين تخلت عنهم عائلاتهم بسبب إصابتهم بأمراض مستعصية أو مميتة، واحتواهم في منزله، إلى أن كبروا وأصبحوا في الجامعات، حتى بات يلقب بـ«ملاك الأرض».
وقال بزّيِك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا التكريم فخر لي ولكل الليبيين، مما يشجعهم على غرس بذرة الأمل، ومساعدة المحتاجين»، مضيفاً: «بالأمل والعمل تنمو هذه البذرة وتصير شجرة مثمرة، تعمّ ثمارها كل الإنسانية، ويسعد بها الجميع».
ورأت الدكتورة الليبية رضا الطبولي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أنّ ما فعله بزّيك وتكريمه في دبي كأحد «صنّاع الأمل» في العالم، «يدعو للفرح والفخر ويفتح باباً للأمل أمام جميع أبناء شعبه». وأضافت، وهي واحدة ضمن قائمة «بي بي سي» لأكثر 100 امرأة إلهاماً وتأثيراً في العالم لعام 2019، أنّ هذا التكريم سيكون له تأثير إيجابي على عديد الليبيين، وسيصبح مصدر إلهامهم، مستكملة: «نحتاج غرس مثل هذه الثقافة المتمثلة في العمل على مستوى المجتمعات المحلية عن طريق تقديم الخدمات للعديد من الفئات ذات الاحتياجات بشكل أكثر تنظيماً».
وروى بزّيك (65 سنة) المقيم في لوس أنجليس، خلال تكريمه، أنّه خلال الـ31 سنة الماضية تكفّل بما لا يقل عن 80 طفلاً في منزله، فرعاهم وأشعرهم بأنّهم وسط عائلاتهم، وقال إنّ «ابتسامة الأطفال الذين أرعاهم تبعث في نفسي الأمل بغدٍ أفضل، وسأستمر بدعمهم ورعايتهم طبياً وتعليمياً طوال حياتي. ولكن لشدة المرض الذي يعانون منه مات 11 منهم»، لافتاً إلى أنّه بكى عليهم طويلاً، وما زال يزور قبورهم.
وأوضح أنّه احتضن هؤلاء الأطفال وعمر أكثرهم لا يزيد على شهرين، ووفّر لهم الرّعاية الكاملة: «عندما كانوا في حالة مرض شديد (...) لدرجة أني ذهبت بأحدهم إلى الطبيب 176 مرة، وعندما كبروا أصبحوا ينادونني بأبي».
ووسط حالة احتفائية واسعة على مواقع التّواصل الاجتماعي في ليبيا، قالت الطبولي: «نحن في ليبيا نحتاج لثورة بنظم التّعليم، لتغرس هذه الروح في عقول الأجيال المقبلة (...) في العديد من الدول المتقدمة يدربون طلاب الجامعة على المساهمة في تقديم الخدمات للمجتمعات المحلية في الملاجئ ودور كبار السن».
ودخل بزّيك إلى خشبة المسرح على كرسي متحرك، قبل أن يتخلّى عنه ليقف وسط الحضور، وحظي بمساعدة الشيخ محمد بن راشد، بعدما صفق له الحضور مرات عديدة وسط حالة من التشجيع والإعجاب.
ولقّب محمد جمعة بزّيك بمسميات عديدة، نظراً لدوره في احتواء الأطفال المرضى، من بينها «ملاك بلا أجنحة»، و«عنوان السلام» و«صاحب القلب الرحيم». ودوّن محمد الرباح على موقع التواصل الاجتماعي للتدوينات القصيرة «تويتر»: «شرفت ليبيا والعالم العربي وربحت احترام الجميع، فخور بأنّي ليبي»، بينما دوّن آخر: «الإنسانية تمثّلت في هذا الرجل المبارك الذّي صنع جميلاً، وهذا أعطانا أملاً كبيراً بأنّ الدنيا ما زالت بخير ما دام بها بزّيك فخر ليبيا، شكراً ملاك الأرض».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».