خمس روايات تقتحم «الغيتو» مثيرةً أسئلةً عديدةً (1 - 2): اليهود في الرواية السعودية... كل شيء إلا التطبيع

يهود من نجران عام 1936
يهود من نجران عام 1936
TT

خمس روايات تقتحم «الغيتو» مثيرةً أسئلةً عديدةً (1 - 2): اليهود في الرواية السعودية... كل شيء إلا التطبيع

يهود من نجران عام 1936
يهود من نجران عام 1936

خلال نحو أربع سنوات، صدرت خمس روايات لكتّاب سعوديين (نصفهم كاتبات) تتناول الشأن اليهودي: حياة اليهود، وتاريخهم، وأنماط سلوكهم، من خلال شخصيات يهودية تفتح الباب على مسرح يعجّ بتفاصيل البيئة اليهودية الأقرب إلى الجزيرة العربية، وهي بيئة اليهود اليمنيين. وفي إحدى الروايات تصبح القاهرة مسرحاً لأحداث الاتصال الأول بالعنصر اليهودي.
في الروايات جميعها، يندمج اليهود في حكايات إنسانية تستدعي التعرف على المجتمع اليهودي، ومن خلاله تدور رحى الأحداث لتتناول قضايا إنسانية عامة تقفز من وعي المؤلف لتشّكل حجر الزاوية للقضايا التي تتناولها الرواية: الهوية والصراع القومي، أو قضايا المرأة وذكورية المجتمع. وهي في العموم قضايا يمكن أن تمضي قدماً من دون توظيف العنصر اليهودي الذي يبدو طارئاً في أغلب هذه الأعمال.
الروايات الخمس تبحث عن «تميّز»، وربما وجدت في «الغيتو» اليهودي، عناصر لم تُطرق من قبل لاستلهام فكرة الرواية وبناء مسرحها... لكنّ كون هذه الأعمال صدرت في أوقات متقاربة، فقد أثارت الكثير من الأسئلة... رغم أن مؤلفيها الذين تحدثنا معهم يستبعدون التوظيف السياسي لرواياتهم، ولا يرون أنها تعبّد الطريق لقبول ثقافة التطبيع.
يجادل الروائيون المشاركون في هذا التحقيق، بأن اليهودية كانت جزءاً من التكوين الثقافي للجزيرة العربية، ففي جنوب الجزيرة وغربها، كما في اليمن عاشت قبائل من اليهود، بل إن باحثين جزموا بأنّ التوراة نزلت في جنوب جزيرة العرب، آخرهم الدكتور أحمد بن سعيد قشاش، في كتابه «أبحاث في التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة ولهجات أهل السراة»، الصادر عن أدبي الباحة، ومؤسسة الانتشار العربي، سنة 2018، وفي هذا الكتاب يستشهد المؤلف قشاش بأن علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، ذكر في مجلة «العرب»، أن الموطن الأصلي لبني إسرائيل في جزيرة العرب، كان في منطقة العُلا (ص 293 – 294 من الكتاب).
وقبل ذلك بالطّبع المؤرخ اللبناني د. كمال الصليبي في دراسته الشهيرة «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، (1985) مقدماً نظرية مثيرة للجدل، ترى أن عسير هي فلسطين التوراتية... وأنها كانت المكان التاريخي لجميع الأحداث التي وردت في التوراة، وإنّ بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، وقد نشأت الديانة اليهوديّة بين ظهرانيهم.
الروايات الخمس التي صدرت مؤخراً هي: رواية «يهودية مُخَلِّصَة» لسالمة الموشي، صدرت عام 2015. ورواية «مجنون ليلى اليهودية» لحمد حميد الرشيدي، صدرت عام 2016. ورواية «قاع اليهود» لعلي الأمير، صدرت عام 2018. ورواية «غربة يهودية» لرجاء بندر، صدرت عام 2020. ورواية «اللّيدي تالي - الأحساء 1912» لفوزي صادق.
- «يهودية مُخَلِّصَة» لسالمة الموشي
الرواية الأولى للكاتبة سالمة الموشي، صدرت 2015 عن دار (أزمنة)، سبقها كتابان نقديان هما «أيها النقصان من رآك... نساء تحت العرش» و«الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول».
سالمة الموشي، باحثة في التاريخ، وناشطة ثقافية، وفي مجال تمكين المرأة، وهي عضو الجمعية السعودية للعلوم السياسية.
رغم أن الرواية تحمل اسم (يهودية مُخلّصة)، وتروي قصة فتاة عاشت في بيئة يهودية في اليمن، إلا أن الكاتبة سالمة الموشي، حاولت أن تجعل من الرواية رحلة مضنية للبحث عن الخلاص الروحي، رغم اجتراح الألم، في البدء أهدت الرواية: «إلى الأرواح التي عاشت واختبرت الألم العظيم. أولئك الذين أثمرت شجرة توت على جراحهم الدامية».
اختارت الكاتبة يهود اليمن، ليشكّلوا بيئة الرواية، وتسرد قصة فتاة يهودية اسمها (هوشع)، يرمز اسمها لمعنى «الخلاص»، ومن خلالها تلج إلى مجتمع اليهود اليمني، وتغوص قليلاً في نشأته وفكره وعقائده، والظروف السياسية والاجتماعية التي أدت به للنزوح عن اليمن بعد نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل 1948، مشيرة إلى الهجرات السريّة التي موّلتها ونظّمتها بريطانيا وأميركا ونجحت في نقل 49 ألفاً من اليهود إلى فلسطين.
تعود الرواية إلى قالبها الإنساني الروحي، فتفجّر خليطاً من المشاعر المتضاربة حول الذات والبحث عن الخلاص، وتتناول في الضمن قضايا المجتمع والمرأة، وتوّظف الكاتبة بطلة السرد (مجد) التي أحبّت شاباً اسمه (غيث) لكي تصبح الصوت الذي ينبعث من معاناة الأنثى الصغيرة (هوشع)، التي تقاوم ذكورية المجتمع وسطوة رجال الدين، وتحفر في الموروث اليهودي، حيث تتخذ طائفة «الشماسون» وهم من يهود السفارديم، موقفاً ذكورياً متعصباً، فهم يؤمنون بأن الأنثى هبة ناقصة، وأن ولادتها إيذان بالشر، وتصاحبها حين تأتي للدنيا تسع لعنات... وغير ذلك.
- «قاع اليهود» لعلي الأمير
«قاع اليهود»، رواية كتبها الروائي السعودي علي الأمير، خلال عامي 2016 و2017 وصدرت في 2018 عن دار النابغة في مصر، وتقع في 384 صفحة، يدور معظمها في حي قاع اليهود، وهو حي قديم في صنعاء، وتدور حول بطل الرواية (خالد)، وهو طالب سعودي، أبوه من جازان وأمّه من اليمن، يملك والده مستوصفاً في جازان وآخر في عسير، وحلمه أن يراه طبيباً، لكن يفشل في الحصول على قبول في الجامعات السعودية، فيتوجه لدراسة الصيدلة في صنعاء.
ولبعده عن رقابة والده، اندفع مستعيناً بالمال وبوسامته خلف ملذّاته وأهمل دراسته، وقد وقع في غرام ثلاث فتيات: (منيرة)، الأثيرة عند (الفندم) المتنفّذ في البلد، والذي ترفض الإفصاح عنه فيبقى اسمه مجهولاً في الرواية، ومنه كانت تستمد نفوذها، مقابل استخدامه لها في الإيقاع بخصومه.
الثانية (صبريّة)، فتاة (شيعيّة) تنتمي للطبقة الفقيرة، وتسكن حي قاع اليهود. أما الثالثة فهي (لوزة)، (اليهودية)، أسرتها هي الأسرة الوحيدة التي بقيت في حي القاع، لذلك ظل أفرادها يتكتّمون على يهوديتهم. تعمل (لوزة) مع (منيرة) في فرقة الرقص في الأعراس، وفي مشغلها الخاص بفساتين العرائس، تتظاهر بالإسلام أمام منيرة وأمام حبيبها خالد، لكنها لا تتحفّظ أمام خالد في إبداء تعاطفها مع اليهود.
عندما يكتشف خالد يهوديتها، لم يتأثر حبه لها، بل يقرّر عدم مفاتحتها بما عرف، احتراماً لرغبتها. بعد اعترافها له بيهوديتها، أصبحت تتحدث براحة حول معاناة قومها في موطنهم اليمن، حيث لم يجدوا في وطنهم سوى التمييز، في المهن والتعليم.
الرواية تنقب من خلال الكتب والمناقشات عن بداية وجود اليهود في اليمن قبل ثلاثة آلاف عام، وقبل ذلك إلى خروج موسى عليه السلام باليهود من عبودية فرعون، وقصة سليمان عليه السلام سنة 1000 ق.م، وعلاقته ببلقيس، والسبي البابلي، وزمن اللعنات في 600 ق.م على يد نبوخذ نصر، وصولاً إلى الصراع اليهودي المسيحي في اليمن، ومحرقة نجران في الأخدود، وانتهاءً بعصرنا الحاضر وترحيل يهود اليمن إلى إسرائيل، عبر جسرٍ جوي من عدن، أطلق عليه «بساط الريح»، فقد فيه يهود اليمن 600 طفل في إسرائيل.
- «غربة يهودية» لرجاء بندر
تقع هذه الرواية في 176 صفحة، من القطع المتوسط، وصدرت عن نادي جازان الأدبي، بالتعاون مع الدار العربية للعلوم (ناشرون)، 2020.
وهي الرواية الأولى للشابة رجاء بندر، لم يسبق لها أن أصدرت أي عمل أدبي قبل هذه الرواية. و«غربة يهودية» تروي قصة فتاة وُلدت لأم يمنية يهودية وأب عربي مسلم من جنسية أخرى، يفترقان بعد زواج دام ثلاث سنوات. يترك الزوج طفلته التي تترعرع لدى أمها في بيئة يهودية، وتنشأ وفق التعاليم اليهودية وتعتنقها كدين. لكن وفاة الأم تدفع الأب إلى العودة واصطحاب ابنته إلى بلده حيث مجتمع آخر وحياة مختلفة.
في قراءته النقدية لهذه الرواية يقول علي الأمير: «نَحَت الكاتبة في هذه الرواية منحى الواقعيّة السحريّة، من خلال مزجها للواقع بالفنتازيا بالعجائبيّة بالأسطورة. فعلى صعيد الواقع نقلتنا من طرق ترابيّة في قرية بيت بوس في اليمن، إلى شوارع وأرصفة وإشارات مرور في مدينة عبد الله والد عفراء، التي تجمع بين المدينة والقرية... أصرّت الكاتبة على عدم التصريح باسم هذه المدينة، كإصرارها على عدم الإفصاح عن جنسية عبد الله وعائلته الذين تتكون منهم شخصيات الرواية، وتركت لنا معرفة المكان الذي دارت فيه حوادث الرواية، بعد انتقالها السريع إليه، قادمة من اليمن».
تنتقل بطلة الرواية، وهي شابة يهودية للعيش في بيئة إسلامية بعد وفاة أمها (أم عفراء) في قرية «بيت بوس» في اليمن، فهي في سنّ الـ19 تبدأ التعرف على والدها وبيئتها الجديدة.
تبدو ملامح (جازان) المنطقة المحاذية لليمن شاخصة في فضاء الرواية، حيث انتقل إليها عبد الله وابنته عفراء، وتصبح دون أن تذكرها الكاتبة مسرحاً جديداً لأحداث الرواية.
هذه الرواية أيضاً اشتغلت على ثيمات اجتماعية، كحال النساء، والصراع بين القيم القديمة والحياة المعاصرة، وعلاقات الرجال بالنساء التي تهيمن عليها الذكورية غالباً، إضافةً إلى الأمراض التي تفشّت في منطقتها كالأنيميا الحادة ومتلازمة داون.
الموضوع اليهودي في الرواية ليس صلباً، فالرواية تتناول قصة فتاة من اليمن وأمها (عفراء وأم عفراء)، صادف أنهما من مجتمع يمني محلي ينتمي أفراده لطائفة يهودية، سوى ذلك فهما يمنيتان في أغلب تفاصيل حياتهما.
أما الميزات الخاصة بالمجتمع اليهودي في اليمن، فالرواية أغفلتها عموماً، كحرصهم على حماية هويتهم من الذوبان في المحيط الإسلامي، سواء بالتعليم الخاص أو عدم الترحيب بالزواج المختلط وغير ذلك.
- «مجنون ليلى اليهودية» لحمد حميد الرشيدي
مؤلفها الروائي والناقد والشاعر السعودي حمد حميد الرشيدي، صادرة عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت، وتقع في 502 صفحة من الحجم المتوسط، وصدرت عام 2016.
هي رواية خيالية، توظّف الأحداث التاريخية وتسقطها على الواقع في قوالب أدبية، وهي تسرد قصة شاب سعودي من أصول بدوية هاجرت أسرته إلى الشام في ظروف اقتصادية قاسية مرّت بها الجزيرة العربية، ثم نشأ في العاصمة الرياض في حياة ثرية وتيسّر له السفر إلى القاهرة للدراسة وهناك تدور أحداث الرواية.
يحمل بطل الرواية تصوراً سلبياً عن اليهود ودورهم في الصراع مع العرب، تصورٌ استقاه من التاريخ ثم من الصراع العربي مع الحركة الصهيونية، لذلك تحوّلت بطلة الرواية «ليلى شالوم اليهودية» إلى عنصر تحريك للقضايا القومية التي آمن بها بطل الرواية الشاب السعودي (شاكر)، ووجد في قصة الحبّ العاصفة بين ليلى فائقة الجمال، وشاب يمني يحمل اسم (إبراهيم)، هام بها عشقاً حتى سلبته لبّه، شكلاً من الاستدراج السياسي والحضاري... ولذلك تستيقظ لديه كوامن الصراع الثقافي بين العرب واليهود.
حاول شاكر الفرار من الوقوع في هوى ليلى، وكان يقاومه بضراوة: «سألتني ليلى كأنها تريد أن تستشفّ المزيد من شخصيتي الجامدة والمحيّرة والغامضة (...): أنت شخص غريب فعلاً يا شاكر! قلت لها بعد أن أمعنت النظر في عينيها النجلاوين الساحرتين قليلاً، مشيحاً بوجهي عنها مجدداً كي لا يفتنني سحرهما (الفرعوني) الفتاك الذي لا ينجيني منه سوى آي من القرآن الكريم: لا تعاتبيني يا ليلى على عدم فعلي لما تقومي أنتِ بفعله... ليلى! (...) أرجوكِ أنا شخص متزوج وأب ومن عائلة عربية مسلمة ومحافظة».
تمرّ الرواية على أحداث في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، والتي تسببت في عودته إلى مدينته الرياض.
- «اللّيدي تالين - الأحساء 1912» لفوزي صادق
تتميز رواية «اللّيدي تالين» لمؤلفها فوزي صادق بأنها الرواية الوحيدة من بين الروايات الأخيرة التي تناولت شأن اليهود، في أنها تنقّب عن اليهود الذين كان يعيش بعضهم في الأحساء شرقي السعودية، وتدور أحداثها في كواليس حارة اليهود بالهفوف، في الأحساء.
الرواية من المنتظر أن تشق قريباً طريقها نحو المكتبات، بعد أن تمّ طبعها، وهي أيضاً تروي قصة حبّ فتى من الأحساء لفتاة يهوديّة.
‏تتحدث الرواية عن حارة اليهود التي قدمها العشرات من العوائل اليهودية المهاجرة والتي استوطنت الأحساء مع سيطرة العثمانيين، كما تصف مقبرة اليهود التي تقع في أرض مرتفعة خارج السور الذي يطوّق الحارة، ويوجد شريط ‏طويل من النخيل من الشمال من حارة اليهود حتى عين «أم خريسان» الشهيرة.
وخلف حارة اليهود يعيش بعض المهاجرين المنبوذين في صناديق وعشش، وهم بعض العوائل التي ليس لها أصل مثل الغجر والنساء اللاتي قدمن في السفن أو عن طريق البر، ويمنع دخولهم السور إلى البلدة القديمة أو حارة اليهود، فهم يقبعون خارج السور يعملون في مهن وضيعة كالتحميل، كما أنهم متهمون بنشر الرذيلة، ولذلك جرى وشمهم بوشم خلف الكف يميزهم حـتـى لا يختلطوا بالناس.
تقع الرواية في 320 صفحة وهي تصدر عن مركز الأدب العربي.
وصدر لفوزي صادق مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية، مع كتب تتضمن مقالات، حيث صدرت له روايته «حريمستان»، وقبلها رواية «2012»، ورواية «أميرة إبليس»، ورواية «سري للغاية»، ورواية «عش العفاريت»، وكتاب «رسائل من كشكول الحياة».


مقالات ذات صلة

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

ثقافة وفنون قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

عن دار «طيوف» بالقاهرة صدر كتاب «مرايا الفضاء السردي» للناقدة المصرية دكتورة ناهد الطحان، ويتضمن دراسات ومقالات نقدية تبحث في تجليات السرد العربي المعاصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الكاتب السعودي فيصل عباس مع السفير البريطاني نيل كرومبتون خلال الأمسية الثقافية

أمسية ثقافية بمنزل السفير البريطاني في الرياض للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني»

أقام السفير البريطاني في الرياض أمسية ثقافية في منزله بالحي الدبلوماسي للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني» للكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»،

نيكولاس كيسي
يوميات الشرق الصور الثابتة في أي كتاب مدرسي تتحوَّل نماذج تفاعلية ثلاثية البُعد (فرجينيا تك)

الذكاء الاصطناعي يضخّ الحياة بالكتب المدرسية الجامدة

طوّر فريق من الباحثين في جامعة «كولورادو بولدر» الأميركية نوعاً جديداً من الكتب المدرسية التفاعلية التي تتيح تحويل الصور الساكنة نماذجَ محاكاة ثلاثية البُعد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «شيء مثير للاهتمام جداً» (رويترز)

نسخة نادرة من مخطوطة «الأمير الصغير» للبيع

ستُطرح نسخة نادرة من المخطوطة الأصلية لرواية «الأمير الصغير» للكاتب أنطوان دو سانت أكزوبيري، للبيع؛ وهي التي تحتوي على تصحيحات وتعليقات مكتوبة بخطّ المؤلّف.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إبراهيم أبو سنة... شاعر الرومانسية العذبة

الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
TT

رحيل إبراهيم أبو سنة... شاعر الرومانسية العذبة

الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة

حياة حافلة بالعطاء الأدبي، عاشها الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة الذي غيّبه الموت صباح أمس عن عمر يناهز 87 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض.

ويعد أبو سنة أحد رموز جيل شعراء الستينات في مصر، واشتهر بحسه الرومانسي شديد العذوبة، وغزلياته التي تمزج بين الطبيعة والمرأة في فضاء فني يتسم بالرهافة والسيولة الوجدانية. كما تميزت لغته الشعرية بنبرة خافتة، نأت قصائده عن المعاني الصريحة أو التشبيهات المباشرة؛ ما منح أسلوبه مذاقاً خاصاً على مدار تجربته الشعرية التي اتسعت لنصف قرن.

ترك أبو سنة حصاداً ثرياً تشكل في سياقات فنية وجمالية متنوعة عبر 12 ديواناً شعرياً، إضافة إلى مسرحيتين شعريتين، ومن أبرز دواوينه الشعرية: «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» 1965، و«أجراس المساء» 1975، و«رماد الأسئلة الخضراء» 1985، و«شجر الكلام» 1990.

عاش صاحب «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» طفولة قروية متقشفة تركت أثراً لافتاً في شعره؛ إذ ظل مشدوداً دائماً إلى بداهة الفطرة وواقعية الحياة وبساطتها.

وبحسب الموقع الرسمي للهيئة المصرية العامة للاستعلامات، وُلد أبو سنة بقرية الودي بمركز الصف بمحافظة الجيزة في 15/3/1937، وحصل على ليسانس كلية الدراسات العربية بجامعة الأزهر عام 1964. عمل محرراً سياسياً بالهيئة العامة للاستعلامات في الفترة من عام 1965 إلى عام 1975، ثم مقدم برامج ثقافية بالإذاعة المصرية عام 1976 من خلال «إذاعة البرنامج الثاني»، كما شغل منصب مدير عام البرنامج الثقافي، ووصل إلى منصب نائب رئيس الإذاعة.

وحصد الراحل العديد من الجوائز منها: «جائزة الدولة التشجيعية» 1984 عن ديوانه «البحر موعدنا»، وجائزة «كفافيس» 1990 عن ديوانه «رماد الأسئلة الخضراء»، وجائزة أحسن ديوان مصري في عام 1993، وجائزة «أندلسية للثقافة والعلوم»، عن ديوانه «رقصات نيلية» 1997، فضلاً عن «جائزة النيل» في الآداب التي حصدها العام الجاري.

ونعى الراحل العديد من مثقفي مصر والعالم العربي عبر صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ومنهم الشاعر شعبان يوسف الذي علق قائلاً: «وداعاً الشاعر والمبدع والمثقف الكبير محمد إبراهيم أبو سنة، كنتَ خيرَ سفيرٍ للنبلِ والجمالِ والرقةِ في جمهورية الشعر».

وقال الشاعر سمير درويش: «تقاطعات كثيرة حدثت بين الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وبيني، منذ بداياتي الأولى، فإلى جانب أنه صوت شعري صافٍ له تجربة طويلة وممتدة كان لي شرف الكتابة عنها وعنه، فهو إنسان حقيقي وجميل وطيب ومحب للآخرين، ولا يدخر وسعاً في مساعدتهم».

ويضيف درويش: «حين كان يقرأ الشعر بصوته في برنامجه الإذاعي، كنت أحب القصائد أكثر، فمخارج الحروف وإشباعها وتشكيلها، وليونة النطق، إلى جانب استعذاب الشعر... كلها مواصفات ميزته، كما ميزت فاروق شوشة والدكتور عبد القادر القط... ثمة ذكريات كثيرة لن أنساها يا أستاذنا الكبير، أعدك أنني سأكتبها كلما حانت فرصة، وعزائي أنك كنتَ تعرف أنني أحبك».

ويستعيد الكاتب والناقد الدكتور زين عبد الهادي ذكرياته الأولى مع الشاعر الراحل وكيف أحدث بيت شعري له تغييراً مصيرياً في حياته، قائلاً: «ربما في سن المراهقة كنت أقرأ الشعر حين وقع في يدي ديوان صغير بعنوان (قلبي وغازلة الثوب الأزرق) لمحمد إبراهيم أبو سنة حين قررت الهجرة خارج مصر عام 1981، كان الديوان الصغير وروايات (البلدة الأخرى) لإبراهيم عبد المجيد، و(البيضاء) ليوسف إدريس، و(حافة الليل) لأمين ريان، و(ميرامار) لنجيب محفوظ... هي شهود انتماءاتي الفكرية وما أتذكره في حقيبتي الجلدية».

ويضيف عبد الهادي: «كان الغريب في هؤلاء الشهود هو ديوان محمد إبراهيم أبو سنة، فبقدر حبي للعلم كان الأدب رحيق روحي، كنت أقرأ الديوان وأتعلم كيف يعبّر الشعر عن الحياة المعاصرة، إلى أن وصلت لقصيدة رمزية كان بها بيت لا أنساه يقول: (البلاد التي يغيب عنها القمر)، في إشارة لقضية ما أثارت جدلاً طويلاً وما زالت في حياتنا المعاصرة، كان هذا البيت أحد أهم دوافع عودتي من الغربة، فمهما كان في بلادي من بؤس فهو لا يساوي أبداً بؤس الهجرة والتخلي عن الهوية والجذور».

أما الشاعر سامح محجوب مدير «بيت الشعر العربي» بالقاهرة فيقول: «قبل 25 عاماً أو يزيد، التقيت محمد إبراهيم أبو سنة في مدرجات كلية (دار العلوم) بجامعة القاهرة، وأهداني وقتها أو بعدها بقليل ديوانه المهم (قلبي وغازلة الثوب الأزرق)، لأبحث بعد ذلك عن دواوينه الأخرى وأقتني معظمها (مرايا النهار البعيد، والصراخ في الآبار القديمة، ورماد الأسئلة الخضراء، ورقصات نيلية، وموسيقى الأحلام)، وغيرها من الدواوين التي قطع فيها أبو سنة وجيله من الستينيين في مصر والوطن العربي مسافة معقولة في توطين وتوطئة النص التفعيلي على الخط الرأسي لتطور الشعرية العربية التي ستفقد برحيله أحد أكبر مصباتها».

ويضيف: «يتميز نص أبو سنة بقدرته الفائقة على فتح نوافذ واسعة على شعرية طازجة لغةً ومجازاً ومخيلةً وإيقاعاً، وذلك دون أن يفقد ولو للحظة واحدة امتداداته البعيدة في التراث الشعري للقصيدة العربية بمرتكزاتها الكلاسيكية خاصة في ميلها الفطري للغناء والإنشادية. وهنا لا بد أن أقرّ أن أبو سنة هو أجمل وأعذب مَن سمعته يقول الشعر أو ينشده لغيره في برنامجه الإذاعي الأشهر (ألوان من الشعر) بإذاعة (البرنامج الثاني الثقافي) التي ترأسها في أواخر تسعينات القرن المنصرم قبل أن يحال للتقاعد نائباً لرئيس الإذاعة المصرية في بداية الألفية الثالثة؛ الفترة التي التحقت فيها أنا بالعمل في التلفزيون المصري حيث كان مكتب أبو سنة بالدور الخامس هو جنتي التي كنت أفيء إليها عندما يشتد عليّ مفارقات العمل. كان أبو سنة يستقبلني بأبوية ومحبة غامرتين سأظل مديناً لهما طيلة حياتي. سأفتقدك كثيراً أيها المعلم الكبير، وعزائي الوحيد هو أن (بيت الشعر العربي) كان له شرف ترشيحك العام الماضي لنيل جائزة النيل؛ كبرى الجوائز المصرية والعربية في الآداب».

عاش صاحب «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» طفولة قروية متقشفة تركت أثراً لافتاً في شعره

وفي لمسة احتفاء بمنجزه الشعري استعاد كثيرون قصيدة «البحر موعدنا» لأبو سنة التي تعد بمثابة «نصه الأيقوني» الأبرز، والتي يقول فيها:

«البحرُ موعِدُنا

وشاطئُنا العواصف

جازف

فقد بَعُد القريب

ومات من ترجُوه

واشتدَّ المُخالف

لن يرحم الموجُ الجبان

ولن ينال الأمن خائف

القلب تسكنه المواويل الحزينة

والمدائن للصيارف

خلت الأماكن للقطيعة

من تُعادي أو تُحالف؟

جازف

ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي

ولا أن يُصلح الأشياء تالف

هذا طريق البحر

لا يُفضي لغير البحر

والمجهول قد يخفى لعارف

جازف

فإن سُدَّت جميع طرائق الدُّنيا أمامك

فاقتحمها

لا تقف

كي لا تموت وأنت واقف».