الإماراتيون يحافظون على تقليد الصقارة

مواطن إماراتي وسط عدد من الصقور (أ.ف.ب)
مواطن إماراتي وسط عدد من الصقور (أ.ف.ب)
TT

الإماراتيون يحافظون على تقليد الصقارة

مواطن إماراتي وسط عدد من الصقور (أ.ف.ب)
مواطن إماراتي وسط عدد من الصقور (أ.ف.ب)

في صالة انتظار بمستشفى مخصص للصقور قرب العاصمة الإماراتية أبوظبي، جلس عيد القبيسي مع صقريه في انتظار دورهما للخضوع لفحص روتيني استعداداً لرحلة صيد إلى أذربيجان.
وتشكل الصقور في الإمارات العربية المتحدة رمزاً وطنياً وتقليداً محبباً.
ويقول الشاب الإماراتي (26 عاماً)، وهو يلامس بلطف أحد الصقرين: «هذه هوايتي منذ العام 2007». وقد غطى قناعان جلديان أعين الصقرين للحفاظ على هدوئهما.

وبعد انتهاء فترة الانتظار في قاعة الاستقبال في المستشفى، سيخضع الصقران لفحوصات دم من أجل استكمال معاملات رحلة الصيد، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
ويعالج مستشفى أبوظبي للصقور نحو 11 ألف صقر سنوياً، وهو عدد تضاعف في السنوات العشر الأخيرة. وتؤكد مديرة المستشفى مارغيت مولر: «لدى الصقور مكانة خاصة للغاية في قلوب الإماراتيين».
وتوضح مولر أن الإمارات «لا تعتبر الصقور طيوراً، بل أطفالاً للبدو، لأن الصقور كانت تستخدم تاريخياً في صيد اللحوم، ما كان يسمح لعائلات البدو بالاستمرار في هذه الحياة الصحراوية القاسية للغاية». وفي العام 2010، أدرجت الصقارة في قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
وتعد هذه المنشأة في أبوظبي أكبر مستشفى مخصص للصقور في العالم، وهو وجهة لكثير من مربي هذه الطيور من كل أنحاء منطقة الخليج.
وبالإضافة إلى الفحوصات الاعتيادية وتقليم المخالب، يجري المستشفى أيضاً عمليات جراحية معقدة، ويوفر برنامجاً تدريبياً لطلاب الطب البيطري من أكثر من 40 دولة للتعرف على طب الطيور.
وتؤكد مولر: «العمليات المعقدة للغاية قد تشمل قوائم أو أجنحة مكسورة، أو عندما يتعرض الصقر لحادث كبير للغاية يتسبب بإصابات كبرى». وتضيف: «العمليات الجراحية الطويلة للغاية... قد تستغرق 3 إلى 4 ساعات. وهذا أطول وقت يمكن فيه إبقاء صقر تحت التخدير».
وتعد هذه الطيور الجارحة الثمينة رفيقة صيد، في تقليد يعرف محلياً باسم «القنص»، إلا أن فرص رحلات الصيد في الإمارات محدودة للغاية حيث لا يسمح بالصيد إلا في محميات معينة.

لذا يعد المستشفى محطة أساسية لكثير من الطيور قبل السفر إلى وجهات صيد معروفة، مثل المغرب وباكستان وكازاخستان.
ويسمح للصقارين الإماراتيين بامتلاك هذه الطيور الجارحة الثمينة التي تمت تربيتها في الأسر فقط. ويجب أن تصدر جوازات سفر خاصة بها، تتوافق مع معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض (سايتس).
وتسمح شركات الطيران الرئيسية في الإمارات فقط لكلاب الإرشاد بالوجود في مقصورات طائراتها، لكن الصقور تحظى باستثناءات.
ويسمح طيران «الاتحاد» ومقره في أبوظبي بالصقور في مقصورة الركاب أو كأمتعة مسجلة، بينما تسمح شركة «طيران الإمارات» بسفر الصقور بجانب أصحابها إلى وجهات معينة في باكستان.
وقالت متحدثة باسم طيران الإمارات: «الوجهة الأكثر شعبية لدى الصقارين الذين يسافرون برفقة صقورهم في مقصورة الركاب هي باكستان».
ويمتلك المستشفى برنامجاً خاصاً به ومرافق لتربية الصقور التي يمكن شراؤها، إلا أن غالبية الصقور تستورد إلى الإمارات من مربين في قارتي أوروبا وأميركا.
وتؤكد مولر أن الصقور «تبقى مع الصقار طيلة حياتها»، موضحة: «لا يتم إطلاق سراحها لأنها صقور تربت في الأسر».
وتشير مولر إلى أن أكثر الصقور رواجاً وجمالاً وأغلاها ثمناً هي الإناث منها. ويمكن لأنثى الصقر أن تحمل فريسة تصل إلى 5 أضعاف وزنها.
وتوضح: «الأنثى في العادة أكبر من الذكر بنحو الثلث، وأكثر قوة»، مؤكدة أن سعر أنثى الصقر قد يصل إلى 100 ألف يورو.
ويؤكد الصقار سالم المنصوري، وهو من أبوظبي، أن الصقور ليست مجرد هواية مكلفة، بل تعد رمزاً للتقاليد والثقافة الإماراتية.
ويقول الشاب الإماراتي (30 عاماً) إن «الصقور كانت تستخدم للصيد، ويمكن القول إنها كانت الطريقة الوحيدة للصيد من أجل الاستمرار، خصوصاً عند السفر لمسافات طويلة قبل مئات السنين». ويتابع: «لقد ورثنا ذلك من أجدادنا وآبائنا الذين قاموا بتعليمنا، والآن نحن سنعلم الجيل المقبل».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».