أسبوع لندن لخريف وشتاء 2021... {خالٍ من الحب}

تاريخ انطلاق أسبوع الموضة لخريف - شتاء 2020 - 2021 تزامن مع يوم الحب العالمي، ومع ذلك لم يشعر صناع الموضة بأي حب هذا الموسم. فتبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي على صناعة تحتضن العديد من الجنسيات العالمية، إضافة إلى تبعات ما أصبح يعرف بـ«ميغسيت» بعد تخلي الأمير هاري وزوجته ميغان عن لقبهما الملكي، لا تزال تخيم على الأجواء. بالنسبة لهذه الأخيرة، أي ميغان ماركل، فكانت من الوجوه التي عقدت عليها الموضة البريطانية الآمال لتكون سفيرتها، خصوصاً بعد أن حضرت حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية في العام الماضي لتسليم جائزة أحسن مصممة لكلير وايت كيلر، مصممة فستان زفافها، وتوليها تحرير عدد سبتمبر (أيلول) من مجلة «فوغ» النسخة البريطانية، الذي حقق أعلى المبيعات في تاريخه. لكن «تجري المياه بما لا تشتهي السفن»، إذ يبدو أن سوء الحظ يلاحق الأسبوع، وليس أدل على هذا من هبوب عاصفة دينيس على غفلة، لتؤدي إلى إلغاء مئات الرحلات الجوية في بريطانيا وغياب المئات من ضيوف الأسبوع. وكأن هذا لا يكفي، امتد الأمر للمواصلات العامة، ليجعل التنقل من عرض إلى آخر ماراثوناً بكل المقاييس. بيد أن الأشد قسوة، كان الفراغ الذي سببه غياب وسائل الإعلام والعاملين في صناعة الموضة من الصين بسبب فيروس «كورونا». فخارج 180 ذي ستراند، مقر الأسبوع الرسمي، كان غيابهم واضحاً مقارنة بالمواسم الماضية. لأول مرة، تشعر بهدوء غير عادي وعدم ازدحام، إضافة إلى اهتمام الكل بالصحة والسلامة. لم تكن الأناقة من الأولويات هذه المرة. فأهم الإكسسوارات كانت الكمامات التي تغطي نصف الوجوه خوفاً من انتقال عدوى الفيروس. وكانت كارولاين راش، رئيسة المجلس البريطاني للموضة قد أعلنت في خطاب افتتحت به الأسبوع بأن «النظافة وتعقيم أماكن العرض من الأولويات التي أخذت بعين الاعتبار».
في المقابل، أكدت ستيفاني فير، رئيسة المجلس أنه في مثل هذه الأوقات العصيبة «ترتفع جُرعة الابتكار والإبداع». رغم هذه التطمينات، كان واضحاً أن قلق أوساط الموضة لا يقتصر على انتقال عدوى الفيروس فحسب، بل أيضاً على تأثيراته الاقتصادية. فالسوق الصينية من أهم الأسواق العالمية وغيابها يُشكل ضربة قاسية لأغلب العارضين وبيوت الأزياء التي تسابقت لافتتاح متاجر في مجموع الصين. دار «بيربري» مثلاً لم تُخف «التأثير السلبي الواسع» على الطلب الصيني على السلع الفاخرة، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى إغلاق نحو عشرين متجراً.
لكن في لفتة إنسانية ذكية، كان افتتاح الأسبوع من نصيب الصينية يوهان وانغ، التي قدمت تشكيلة مفعمة بالأنوثة استوحتها من العهد الفيكتوري، حيث غلب عليها الدانتيل والكشاكش والقصات العالية وطبعات الورود إلى جانب اللؤلؤ. وطبعاً لم تسلم المصممة، كما تقول من تبعات فيروس «كورونا»، حيث إن تفشيه كان يعني عدم قدرتها على تنفيذ العديد من التصاميم في المعامل الصينية. بعد عرضها صرحت بأنه: «تسبب في عدم تنفيذ العديد من التصاميم التي كانت من المفترض أن تُصنع في المعامل الصينية، فيما لم يصل بعضها الآخر، بسبب تعرقل وسائل الشحن والسفر، والنتيجة اضطررت إلى تقليص عدد القطع المعروضة». ومع ذلك تعتبر يوهان نفسها محظوظة لأن غيرها من المصممين لم يتمكنوا من السفر للمشاركة في الأسبوع. ستيفاني فير رئيس المجلس البريطاني، حاولت ترطيب الأجواء بقولها إن المشاكل ليست جديدة وإن «أوساط الموضة سبق أن واجهت تحديات مماثلة، وبالتالي فهي قادرة على الصمود والتكيف، رغم ما يثيره الفيروس بطبيعة الحال، من قلق». كان كلامها صحيحاً إلى حد كبير. فتتبع تاريخ الأسبوع بلندن، يؤكد أنه مر بعدة تذبذبات خرج منها دائماً سالماً، بل ومنتصراً حتى على نفسه. هذا الموسم قد يكون هادئاً يتميز بحضور أقل وبغياب «الطواويس» من محبي الاستعراض عنه وسط مخاوف من انتقال عدوى «كورونا» وتجنباً لتقلبات الطقس، إلا أنه شهد ما لا يقل عن 60 عرضاً طوال الخمسة أيام، من «بيربري» وفيكتوريا بيكهام وسيمون روشا إلى «إيرديم» وديفيد كوما وركساندا و«تومي هيلفيغر»، الذي عاد بعد غياب عامين، وغيرهم من الأسماء التي حفرت اسمها في السوق العالمية.
وكما العادة كان عرض «بيربري» من أهم العروض التي استقطبت ضيوفاً من العيار العالي مثل أنا وينتور والنجمة كايت بلانشيت وغيرهما. قبل عرضه قال المدير الإبداعي لدار «بيربري» الإيطالي ريكاردو تيشي: «لندن هي المكان الذي تعلمت فيه أن أكون أنا، واكتسبت فيه ثقتي بنفسي، والآن أريد أن أشارك العالم الأسلوب البريطاني باستعمال إرث الدار الغني لإضفاء روح إنسانية على الدار». ويوم الاثنين الماضي، تحولت قاعة «أوليمبيا» بقبتها الزجاجية العالية، إلى مسرح تحيطه المرايا من كل الجوانب ونصب فيه منصة عالية يتوسطها بيانو تهادت عليها عارضات عالميات، من بينهن جيجي حديد وكيندل جينر.
أما كيف ترجم ريكاردو تيشي الروح الإنسانية التي أشار إليها، فمن خلال تشكيلة هادئة لعب فيها على رموز الدار مثل النقشات المربعات، مضيفاً إليها رشة أنوثة تجلت في فساتين السهرة المحددة على الجسم وفي معاطف «الترانش»، التي تخللتها تفاصيل مبتكرة مثل أحزمة من الموسلين كانت تتطاير مع كل خطوة، وجاكيتات «بلايزر» محددة عند الخصر.
كل ما في التشكيلة يؤكد أنه صممها ونصب عينيه هدف واضح يتخلص في ضرورة أن تبيع لكي تُجنب الدار أي خسائر مُرتقبة، يتخوف منها صناع الموضة في كل أنحاء العالم بسبب فيروس كورونا وتأثيراته السلبية عليهم. فسوق الصين مهمة جداً وكان من المتوقع أن تنمو كثيراً في السنوات المقبلة. بالنسبة لـ«بيربري» كان يُشكل 40 في المائة تقريباً من مبيعاتها، وهو ما يعني أن الحاجة إلى تقديم تشكيلة أنيقة يسهل تسويقها أهم من أي ابتكار يستعرض فيه المصمم خياله في هذا الوقت تحديداً.

لمسات
> المصممة ماريا كاترانزو هي الوحيدة من الأسماء المهمة التي تغيبت عن الأسبوع هذه المرة، ربما لإعادة ترتيب أوراقها خصوصاً بعد النجاح الساحق الذي حققته في عرضها الأخير بأثينا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كانت أول مصممة تسمح لها السلطات اليونانية باستعمال معبد بوسيدون كمسرح لعرض أزياء. فقد سبق وأن رفضت السلطات اليونانية مبالغ طائلة من قبل بيوت أزياء كبيرة، منها «شانيل» كانت تريد إقامة عروضها في المعبد.
> لم تقدم أليس تامبرلي عرضاً تقليدياً كما العادة. فعدا أنها فتحت أبواب متجرها الواقع في شارع «بروتون» بمنطقة «مايفير» للعامة الاستمتاع باقتراحاتها للموسمين المقبلين عن قرب ضمن ما تتيحه لهم التذاكر، استعانت براقصات عوض عارضات لتقديم تصاميم تميزت بخصور عالية وبنطلونات مفصلة نسقتها مع «صديرات» وفساتين منسدلة بنكهة «فينتاج» تستحضر عصر الجاز. فعنوان تشكيلتها «إنها تريد أن ترقص» (شي وونتس تو دانس). تقول المصممة إنها استوحتها من عالم الرقص، لا سيما الجاز الباريسي والسوينغ ورقص الصالونات اللاتيني.
> بعد 12 سنة على دخولها مجال تصميم الأزياء، لا تزال فيكتوريا بيكهام تعمل جاهدة على ترسيخ مكانتها كمصممة جادة رغم المشاكل المادية التي تعاني منها منذ فترة. من الناحية الإبداعية، لا يختلف اثنان أنها نجحت في خلق أسلوب خاص بها يتميز بالطول المبالغ فيه سواء في البنطلونات أو التنورات. بيد أنها في هذا الموسم وحسب قولها أرادت تكسير «القواعد التي لعبت عليها سابقاً كانت بداخلي نزعة تخريبية تُلح علي لك من دون التنازل عن الأناقة. هذا التلاعب بالنسبة لي جاء بمثابة ثورة ناعمة تغلبت فيها على مكبوتات كانت تحكمني من قبل». ترجمت هذا التحرر بتقصير التنورات لتصل إلى الركبة عوض نصف الساق، الطول الذي كان لصيقاً بها وساهمت في الترويج له، كما قدمت اقتراحات متنوعة تغطي كل الأذواق شملت فساتين منسدلة وأحذية عالية تغطي الركبة، وبنطلونات واسعة على شكل تنورات وكنزات من الصوف. ما تؤكده التشكيلة أن فيكتوريا بيكهام تُدرك تماماً ضرورة أن تحقق دارها الأرباح المطلوبة والنجاح التجاري الذي لا يزال يراوغها، وهذا لا يتحقق سوى بتقديم تشكيلة ديمقراطية وأنيقة مناسبة للاستعمال اليومي.
> هذه ثاني مرة سيفتح الأسبوع أبوابه للعامة وحضور عروض منتقاة، مقابل مبلغ محدد، قدره 135 جنيهاً إسترلينياً. من بين العروض المفتوحة هذا الموسم عرضي كل من «تامبرلي لندن» و«دي لا فالي» يومي السبت والأحد.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك نوعين من التذاكر المتوفر للمهتمين، الأولى بسعر 135 جنيهاً إسترلينياً، وتتيح حضور عروض معينة إلى جانب حضور المعارض التي تجتمع فيها الموضة بفنون أخرى. وتذكرة أغلى بسعر 245 جنيهاً إسترلينياً تتيح متابعة العروض من الصفوف الأمامية، فضلاً عن الحصول على حقيبة تحتوي على بعض الهدايا واستعمال القاعة المخصصة للضيوف المهمين.
> إلى جانب عروض الأزياء في المقر الرئيسي بـ«80 ستراند» وأماكن أخرى متناثرة وسط وجنوب لندن، ستشارك محلات كبيرة مثل «براونز» و«ماتشزفاشن» و«توب شوب» و«سيلفريدجز» في هذا المهرجان، باستقبال الحضور في أجواء احتفالية تمنحهم فرص للاستراحة والتقاط الأنفاس وليس فقط التسوق، فضلاً عن تنظيم فعاليات لضيوف لندن من عواصم أخرى.
> بسبب فيروس «كورونا» سيحرص المشرفون والمنظمون على الأسبوع، على تنظيف كل أماكن العرض وتعقيمها كل مساء، مع توفير كل أدوات التعقيم الضرورية للحضور تجنباً لانتقال الفيروس
> متشائمون بدأوا ينعون أسابيع الموضة العالمية على أساس أنها تقليد قديم عفا عليه الزمن، بينما يرى المتفائلون أنه لا يحتاج سوى إلى تطوير تفرضه متطلبات الحياة المعاصرة. من وجهة نظرهم أننا نعيش في عالم تحكمه التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لم يعد أي منا يحتاج إلى التنقل من مكان عرض إلى آخر لكي يعيش التجربة، فبالإمكان حالياً متابعة هذه العروض أمام شاشة كومبيوتر أو حتى هاتف جوال. ثم لا ننسى أن ثقافة العروض تغيرت بعد فتح الأبواب أمام العامة لحضورها لقاء مبلغ مالي، بعد أن كانت تجري في صالونات مغلقة لا يحضرها سوى زبائن ووسائل إعلام منتقين بعناية فائقة. هذا الانفتاح باسم دمقرطة الموضة، سلاح دو حدين. فمن جهة يواكب الانفتاح الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي، ومن جهة ثانية قضى على الحميمية وعلى عنصر المفاجأة الذي كان يُؤجج الرغبة في الموضة وحالة الفضول التي كانت تسكن عشاق الموضة لعدة أشهر وهم ينتظرون على أحر من الجمر وصولها إلى المحلات. الآن أصبح كل شيء أصبح مكشوفاً ومُتاحاً كما ألغيت الفواصل بين المواسم والفصول، إذ من السهل الآن شراء معطف سميك في عز الصيف أو صندل مفتوح في عز الشتاء والبرد. ليس هذا فقط، بل يمكن شراؤه مباشرة بعد العرض.
> المشترون الذين كانت مهمتهم تتطلب منهم التنقل من عاصمة إلى أخرى لمتابعة العروض واكتشاف مصممين جدد، لم يعودوا يرون أن حضورهم ضروريا. وحتى عندما يوجدون في عواصم الموضة خلال هذه الأسابيع، فإنهم يفضلون زيارة معارض يقدم فيها مصممون شباب تصاميمهم على الجلوس في الصفوف الأمامية لمدة 20 دقيقة. فالعرض يكون في بعض الأحيان، مسرحياً بالمعنى الترفيهي الذي يركز على الديكورات والإخراج أكثر من تركيزه على الأزياء نفسها، وهو ما قد يجعلهم يعيشون التجربة ويستمتعون بها، لكنه قد يُشتت أفكارهم ويؤثر على اختياراتهم. من هذا المنظور، تتم العديد من عمليات البيع والشراء قبل أسابيع الموضة. أما بالنسبة للمصممين المبتدئين، ممن لا يمتلكون الإمكانيات لتنظيم عرض أزياء تقليدي قد يتكلف ما بين 70 ألف إلى 200 ألف دولار، فإنها قد تتم عبر صفحات «الإنستغرام».