ترقب في واشنطن لخفض عنف «طالبان» استعداداً لتقليص القوات الأميركية

توقعات بإبرام اتفاق مع الحركة نهاية فبراير

جنديات من الجيش الأفغاني خلال مشاركتهن في مناورة عسكرية في منطقة جوزارا في هيرات أول من أمس (إ.ب.أ)
جنديات من الجيش الأفغاني خلال مشاركتهن في مناورة عسكرية في منطقة جوزارا في هيرات أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

ترقب في واشنطن لخفض عنف «طالبان» استعداداً لتقليص القوات الأميركية

جنديات من الجيش الأفغاني خلال مشاركتهن في مناورة عسكرية في منطقة جوزارا في هيرات أول من أمس (إ.ب.أ)
جنديات من الجيش الأفغاني خلال مشاركتهن في مناورة عسكرية في منطقة جوزارا في هيرات أول من أمس (إ.ب.أ)

تترقب الإدارة الأميركية التزام حركة «طالبان» بوقف إطلاق النار بعد أن بدأت تلوح بوادر اتفاق طال انتظاره بين الجانبين مع استعداد الحركة لخفض أعمال العنف من جانبها بالتزامن مع مساعي خفض القوات الأميركية هناك. ويأتي هذا مع إعلان «طالبان» أنه سيتم توقيع اتفاق سلام مع الولايات المتحدة في الدوحة نهاية الشهر الجاري وأنها ستفرج عن ألف معتقل من القوات الأفغانية بعد التوقيع على الاتفاق. وقال القائم بالأعمال وزير الداخلية الأفغاني مسعود أندرابي، إن اتفاقاً بين «طالبان» والقوات الأميركية على خفض العنف سيدخل حيز التنفيذ في غضون الأيام الخمسة المقبلة حسب «نيويورك تايمز». وأفادت مصادر أميركية بأن واشنطن ستمضي قدماً في إبرام اتفاق سلام مع «طالبان» إذا تم بنجاح تنفيذ اتفاق بخفض العنف لمدة 7 أيام، وأن الهدنة القصيرة التي تم التوصل إليها في الأسبوع الماضي ستدخل حيز التنفيذ قريباً حسب «صوت أميركا». ودعا زلماي خليل زاد، المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان، في تغريدة له على «تويتر»، الأطراف الأفغانية كافة إلى العمل على إنهاء حرب استمرت أكثر من أربعة عقود. وأشار خليل زاد إلى أنه التقى الرئيس الأفغاني أشرف غني في مؤتمر ميونيخ الأمني بألمانيا مؤخراً وبحث معه استغلال فرصة خفض العنف والعمل على تسوية سلام شاملة في أفغانستان. وأشار مراقبون إلى أنه رغم مقتل جنديين أميركيين مؤخراً في هجوم نفّذه جندي أفغاني في شرق أفغانستان إلا أن المفاوضات ما زالت قائمة بين الإدارة الأميركية و«طالبان» ولم يوقفها الرئيس ترمب كما فعل في سبتمبر (أيلول) الماضي، الأمر الذي أعطى بادرة إيجابية لـ«طالبان» على حرص واشنطن على التوصل إلى اتفاق. على أن عنف «طالبان» ظل مستمراً خلال الأيام الماضية، حيث شن مسلحون من الحركة هجوماً على قوات الحكومة الأفغانية ليلة أول من أمس، وقال قادة الحركة يوم الاثنين، إن عملياتهم سوف تستمر حين تلقيهم توجيهات جديدة بناءً على اتفاق مع الولايات المتحدة لخفض العنف في البلاد. مسؤول كبير بالإدارة الأميركية ذكر يوم الجمعة الماضي، أن المفاوضات مع ممثلي «طالبان» في قطر أسفرت عن اتفاق من حيث المبدأ على تقليل العنف لمدة أسبوع، لكن الأسبوع لم يبدأ بعد. مضيفاً أن الاتفاق يشمل كل القوات الأفغانية وسيخضع لرقابة مكثفة حسب «رويترز». وذكر وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، في مؤتمر ميونيخ أن «اتفاق خفض العنف مع (طالبان) يبدو مشجعاً لكنه ليس من دون مخاطر».
وأشار إلى أن اتفاق السلام المرتقب قد يؤدي إلى خفض مستويات القوات الأميركية إلى نحو 8600 جندي بدلاً من 13 ألفاً الحالية في أفغانستان.
ولم يذكر إسبر ما إذا كانت كل القوات الأميركية سوف تنسحب في نهاية المطاف من أفغانستان وأكد مجدداً أن مهام مكافحة الإرهاب الأميركية ستظل قائمة. ومن ناحية أخرى أفادت مصادر مطلعة بأن انسحاب القوات الأميركية سيكون مرتبطاً بإحراز تقدم في مفاوضات السلام مع «طالبان» في ظل وجود مخاوف في الإدارة الأميركية من أن يؤدي سحب القوات إلى عودة «طالبان» لعمليات العنف وتصاعد الهجمات الإرهابية.
والتقى كل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ووزير الدفاع مارك إسبر، مع الرئيس الأفغاني أشرف غني على هامش مؤتمر ميونيخ الأمني والذي كانت قضية أفغانستان حاضرة بقوة في فعالياته. وهذه المرة، مع مقتل جنديين أميركيين على يد جندي أفغاني منتصف الشهر الجاري، لا يوقف الرئيس ترمب المحادثات مع «طالبان»، فهل وقف الحرب هو السبيل الوحيد لوقف عمليات القتل المستمرة؟
ووقف الرئيس دونالد ترمب تحت رذاذ الأمطار في قاعدة دوفر الجوية لاستقبال وصول رفات آخر الضحايا الأميركيين إلى أرض الوطن جراء الحرب الطويلة المستمرة في أفغانستان. وحطمت أجواء الصمت المطبقة صرخات الألم من أرملة الرقيب الشاب خافيير غوتيريز، والتي اندفعت في اتجاه الطائرة مع نزول التابوت الذي يحمل جثمان زوجها رفقة جثمان الرقيب الصريع الآخر أنتونيو رودريغيز، حسب «نيويورك تايمز». وكان الرئيس الأميركي، وقبل ساعات قليلة من تلك المراسم الموجزة في العاشر من فبراير (شباط) الجاري، قد اتخذ قراراً سياسياً بالغ الأهمية، حيث منح الضوء الأخضر لفريقه الدبلوماسي المعنيّ بصياغة اتفاق السلام مع حركة «طالبان» الأفغانية، والذي من شأنه أن يسفر عن انسحاب القوات العسكرية الأميركية من أفغانستان، وربما يمهّد الأجواء لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في تاريخها الحديث. وقد كانت وسائل الإعلام الأميركية، فيما سبق، تطلق عليها مسميات «الحرب الجيدة» أو «حرب الضرورة». وذلك عندما قام الجيش الأميركي بغزو أفغانستان في عام 2001 في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على التراب الأميركي، ونجحت في الإطاحة بنظام حكم «طالبان» الاستبدادي، ولاقت في تلك الأثناء ترحيباً واسعاً من شرائح مختلفة من المجتمع الأفغاني. لكن منذ ذلك الحين، دخلت تلك الحرب الضروس في حالة من الجمود الدموي المستمر وشهدت تحول القتال لدى بعض من الجنود الحكوميين الأفغان الذين وجهوا نيران أسلحتهم إلى صدور الجنود الأميركيين معتبرين إياهم غزاة معتدين ومحتلين بدلاً من شركاء في صراع واحد. وآخر تلك المشاهدات كانت مقتل الجنديين الأميركيين –اللذين وصلت جثتيهما إلى قاعدة دوفر العسكرية– على أيدي أحد جنود الجيش الأفغاني الذي يتلقى تسليحه وتدريبه وراتبه من جيش الولايات المتحدة الأميركية. ومن بين نحو 3500 قتيل يشكّلون إجمالي وفيات القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي المشاركة في هذه الحرب، فيما وصفته وسائل الإعلام بـ«وفيات القوات الصديقة»، سقط أكثر من 150 قتيلاً بين الجنود الأميركيين، مما اعتُبر منهجاً شديد الوطأة على المهمة الأميركية في البلاد. وصارت المشكلة أوسع انتشاراً من المتوقع، لدرجة تكليف بعض الجنود بحراسة رفاقهم من الأميركيين من الذين يختلطون في مهام عسكرية مع نظرائهم من الجيش الأفغاني.


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.