تحطم مركبة «فيرجن جالاكتيك» للسياحة الفضائية ومقتل طيارها

800 شخص دفعوا أموالا مقدما مقابل ركوبها لمشاهدة كوكب الأرض

«سبيس شيب تو» التابعة لشركة «فيرجن جالاكتيك» (أ.ب) و حطام المركبة في صحراء موهافي بكاليفورنيا (أ.ب)
«سبيس شيب تو» التابعة لشركة «فيرجن جالاكتيك» (أ.ب) و حطام المركبة في صحراء موهافي بكاليفورنيا (أ.ب)
TT

تحطم مركبة «فيرجن جالاكتيك» للسياحة الفضائية ومقتل طيارها

«سبيس شيب تو» التابعة لشركة «فيرجن جالاكتيك» (أ.ب) و حطام المركبة في صحراء موهافي بكاليفورنيا (أ.ب)
«سبيس شيب تو» التابعة لشركة «فيرجن جالاكتيك» (أ.ب) و حطام المركبة في صحراء موهافي بكاليفورنيا (أ.ب)

دفع أشخاص رسوم رحلة لرؤية كوكب الأرض من الفضاء إلا أنهم سينتظرون طويلا فيما يبدو انطلاق هذه الرحلة بعد حادث تحطم كارثي لأول مركبة فضائية تابعة لشركة «فيرجن جالاكتيك».
إذ قالت السلطات إن مساعد الطيار في مركبة «سبيس شيب تو» التابعة لشركة «فيرجن جالاكتيك» الفضائية لنقل الركاب قتل إثر تحطم المركبة خلال مهمة طيران تجريبية في صحراء موهافي بكاليفورنيا، أما الطيار نفسه فقد أصيب بجروح ونقل إلى المستشفى. ووقع الحادث بعد ثلاثة أيام من انفجار صاروخ من طراز «أنتاريس» تملكه شركة «أوروبيتال ساينسز» بعد 15 ثانية من إطلاقه في فرجينيا.
مركبة «سبيس شيب تو» تتسع لستة ركاب وطيارين، وتطمح «فيرجن جالاكتيك» أن توفر المركبة أول رحلة تجارية في الفضاء للسائحين. وتقدم «فيرجن جالاكتيك» لزبائنها رحلة لمدة ساعتين مع شعورهم بانعدام الوزن بضع دقائق وفرصة لرؤية الأرض من الفضاء.
وقال راي بروت، المتحدث باسم قائد شرطة مقاطعة كيرن إنه عثر على الطيار المصاب في موقع التحطم ونقل إلى مستشفى محلي. وقال ميناء موهافي الجوي والفضائي إن طيارين على الأقل كانا بالمركبة التي كانت تقوم بأول رحلة طيران تجريبية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وكان أكثر من 800 شخص قد دفعوا أموالا أو أودعوا مبلغا مقدما مقابل ركوب هذه المركبة التي تصل لارتفاع 45 ألف قدم ثم ترتفع ثانية باستخدام صاروخ دفع إلى نحو 100 كيلومتر. وتم تطوير مركبة الفضاء الأميركية التابعة لشركة يمتلكها رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون لاستخدامها في سياحة الفضاء. الرحلة التجريبية أجريت فوق صحراء بكاليفورنيا. وهذه ثاني حادث تتعرض له مركبة فضائية تجارية خاصة هذا الأسبوع، إذ احترقت المركبة «سبيس شيب تو» وتحطمت إلى قطع.
وقد يدفع الحادث الكونغرس الأميركي إلى توسيع مراجعة تقوم بها إدارة الطيران الاتحادي للرحلات الفضائية التجارية بعد أن سعت جاهدة إلى وقفها حتى أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 لضمان سلامة الركاب. وصعد وقوع حادثين في أسبوع واحد المخاوف بشأن الاعتماد على شركات الفضاء الخاصة في الرحلات التجارية.
وقال كيفن ميكي، رئيس شركة «سكاليد كومبوزيتس» الشريك في شركة «فيرجين جالاكتيك» إن الرحلة أجريت لاختبار محرك جديد وخليط وقود جديد. وأوضح ميكي: «لقد كانت تحلق بمحرك صاروخي وقد تم اختباره بدقة على الأرض - لم نكن نتوقع أي عيوب من هذا المحرك اليوم». وأضاف ميكي: «لقد تم اختبار تركيبة الوقود الجديد على الأرض مرات كثيرة».
من جانبه، قال ستيوارت ويت، الرئيس التنفيذي والمدير العام لمركز «موجاف آير أند سبيس بورت» الفضائي إنه لم يرصد أي شيء غير عادي في الرحلة وأنه شعر بالقلق فقط عندما لم يسمع أي شيء.
وتجري إدارة الطيران الاتحادية والمجلس الوطني لسلامة النقل تحقيقا في الحادث.
وقال جورج وايتسايدز، الرئيس التنفيذي لشركة «فيرجن جالاكتيك» إن الشركة تدعم التحقيق. وأكد: «نحن مدينون للرجلين اللذين كانا يقودان المركبة والناس الذين كانوا يعملون بها بجد لفهم هذا وللمضي قدما، وهذا ما سنفعله».
وكانت شركة «فيرجين جالاكتيك» قد قالت في بيان على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إن المركبة الفضائية تعرضت لـ«أمر غير عادي في أثناء الطيران» أسفر عن فقدان المركبة.
الطيار الذي نجا من الحادث خرج من المركبة الفضائية بالمقعد القاذف. وقد تم نقله جوا إلى أحد المستشفيات متأثرا بجروح وصفها برويت بأنها من متوسطة إلى حادة.
وأظهرت لقطات تلفزيونية حطام المركبة المتناثر في الصحراء. وكانت شركة «فيرجين جالاكتيك» التي أسسها ريتشارد برانسون قد قامت بتطوير المركبة الفضائية لاستخدامها في سياحة الفضاء.
وقالت إدارة الطيران الاتحادية يوم الجمعة إن المراقبة الأرضية فقدت الاتصال بمركبة الفضاء «سبيس شيب تو» بعد الساعة 10 صباحا بالتوقيت المحلي، وذلك بعد فترة وجيزة من انفصالها عن السفينة الأم التي أطلقتها في مدارها. وقالت الشركة إن السفينة الأم «وايت نايت تو» هبطت بسلام.
وقبلت الشركة بالفعل أكثر من 70 مليون دولار كمبالغ مقدمة تحت الحساب من نحو 800 شخص كل منهم على استعداد لدفع مبلغ 250 ألف دولار للسفر إلى الفضاء. ومن المقرر تسيير أولى الرحلات الجوية التجارية في العام المقبل.
السائحون الذين اعتزموا بالفعل القيام بالرحلة لم يأتوا لاستعادة أموالهم. وبعد ساعات من حادث التحطم أمس الجمعة لم يجر إبلاغ كارميلا سيرز وكيلة الفضاء المعتمدة لـ«فيرجن جالاكتيك» في شركة مانسور ترافل في بيفرلي هيلز بأي زبائن يطالبون باستعادة أموالهم ولا تتوقع مجيء أحد.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)