كشفت «المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية» في أحدث تقاريرها عن الإنفاق والموازنات العسكرية في 171 دولة، عن نمو مطرد في الإنفاق الدولي على الدفاع في عام 2019 ناهز الـ4% زيادةً على الإنفاق في 2018. وهو الارتفاع السنوي الأكبر خلال السنوات العشر الماضية، حيث بلغ 1.73 تريليون دولار أميركي. ويعد تقرير «الموازنة العسكرية» للمؤسسة مورداً أساسياً لأولئك المشاركين في صنع السياسات الأمنية وتحليلها والبحث فيها. وخصّت المؤسسة «الشرق الأوسط» بشكل حصري بنسخة عن تقريرها لهذا العام الذي أفرجت عنه أمس، واستهلته بالقول إن الصراعات الدفاعية لا تزال محكومة ببيئة أمنية دولية غير مستقرّة.
وكشف التقرير أن عوامل أساسية في النظام الدولي الذي حكم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تشهد بعض التحديات، وتشكّل نهاية المعاهدة النووية للصواريخ المتوسطة المدى المثال الأقوى عليها، والتي تسارعت نتيجة الخروقات الروسية إلى جانب إصرار إدارة ترمب (التي تراقب التطوّر العسكري الصيني عن كثب) على انتهاء صلاحية هذا الاتفاق الثنائي. مع ذلك، وفي إطار التزاماتها بمعاهدة «ستارت» الجديدة، سمحت روسيا للمفتشين الأميركيين بالكشف على «أفانغارد»، صاروخها الخارق للصوت في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وقالت إنه في المناخ الحالي، يشعر المراقبون بالقلق ليس من روسيا فحسب، بل من إشارات توحي بأنّ واشنطن مهتمّة بالإبقاء على هذا العامل في استراتيجية هندسة الحدّ من التسلّح عندما يحين موعد تجديدها العام المقبل.
وخصّ التقرير في محوره السابع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لفتت المؤسسة إلى أن كلّاً من مصر، وقطر، وعمان، والمملكة العربية السعودية، تعمل على «إعادة تجهيز مكوّنات أساطيل طائراتها الدفاعية». وأشارت إلى أن نشاط إيران العدواني في مضيق هرمز ومناطق أخرى، دفع الولايات المتحدة إلى محاولة بناء تحالف دولي تحت مسمّى التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية.
وقالت المؤسسة في التقرير: «تواظب دول كثيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أبرزها مصر والمملكة العربية السعودية، على تشغيل أساطيل تضمّ مزيجاً من المركبات المدرّعة والطائرات».
وأضاء التقرير على القدرات العسكرية في العالم بدءاً من سلاح الجيوش البرية والقدرات الجوية والبحرية والقدرات السيبرانية، وأظهر تفوقاً أميركياً عالمياً بالإنفاق، تليه الصين ثم المملكة العربية السعودية تليها روسيا. وكشف عن تقدم في مرتبتي كل من إيطاليا وأستراليا في عام 2019 ضمن الدول الـ15 الأولى. وفي معرض استعراض التحديات، قالت المؤسسة إنه «في جوّ المنافسة المستمرّة والمتطوّرة والمتسارعة هذه، تملك الدول الغربية خيارات ردّ عديدة أبرزها دمج المزيد من التقنيات المتطوّرة أو إنفاق المزيد من الأموال على التسليح لضمان تفوّقها. ولكنّها أيضاً تقف أمام خيار بديل يعتمد على قبولها بمعيار جديد يتمثّل بملعب متعدّد المستويات مع اعتماد استراتيجياتها الخاصّة. هذا الأمر لا يرتبط بالقوة العسكرية التقليدية فحسب، بل بالقدرات السيبرانية وبيئة المعلومات المتنازع عليها باستمرار».
- تحديات عالمية
وعدّ الدول المنافسة التي تستخدم استراتيجيات مؤثّرة لا تصل إلى عتبة الحرب تمثّل تحدياً إضافياً في هذا المجال. وتتعدّد الأمثلة على هذا التحدّي، وأبرزها روسيا بسيطرتها على جزيرة القرم وإنكارها التورّط في شرق أوكرانيا، واستخدامها السلاح الكيميائي في اغتيالات شخصية في المملكة المتّحدة، وتدخّلها المزعوم في الانتخابات. ورأى الملف الاستراتيجي لشبكات النفوذ الإيراني الذي أعده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، نشاطات إيران مثالاً آخر على هذه الاستراتيجيات، حيث إن قدرتها على قيادة صراع بواسطة أطراف ثالثة منحها تقدّماً استراتيجياً على منافسيها الذين يعتمدون على قدرات تقليدية. تَحول هذه القدرات التي تحقّقت من خلال الأطراف الثالثة، وحملات التضليل أو النشاطات المزعزعة غير المثبتة دون التعامل معها بالردود العسكرية التقليدية. لا تصبّ هذه الدول تركيزها على تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية الصحيحة فحسب، بل أيضاً على تعزيز جهوزية وقوّة المعدّات والقوات العسكرية، وحتّى المجتمعات وصناعة القرار السياسي. الأمر نفسه ينطبق على التعامل مع التطوّرات في التقنيات العسكرية أو التقنيات المرتبطة بالمجال العسكري.
في جميع الأحوال، يؤكد التقرير أنه «يمكن للتعاون الفعّال بين الشركاء واستغلال أطر العمل الدولية المرتبطة أن يشكّل قوّة معزّزة لمواجهة هذه الدول. ولكنّ الصراعات التي لا تزال تستخدم القوة العسكرية الشديدة باتت الآن أكثر انتشاراً من قبل، وأصبحت اليوم تضمّ عدداً أكبر من اللاعبين والمزيد من القوى، بعضها ليست (عسكرية) تقليدية، ما يولّد ضبابية في النتائج المرتبطة بالسلم، والحرب، والمساحة الفاصلة بينهما».
- الاقتصادات الدفاعية
تابع الإنفاق الدولي على الدفاع نموّه في عام 2019، مسجّلاً ارتفاعاً بنسبة 4% هذا عام (عند مقارنته بأرقام عام 2018 واحتسابه بقيمة الدولار الأميركي لعام 2015). وسجّل هذا العام الارتفاع السنوي الأكبر خلال السنوات العشر الماضية. فقد بلغ مجموع الإنفاق الدفاعي، باستثناء برامج الولايات المتحدة الأميركية للتمويل العسكري الخارجي، 1.73 تريليون دولار أميركي حسب قيمة الدولار الحالية، مقارنةً بـ1.67 تريليون في 2018. وفي عام 2019، ارتفع الإنفاق الدفاعي في الصين والولايات المتحدة مجتمعتين بنسبة 6.6% عمّا كان عليه في العام السابق. وعلى المستوى الاسمي، بلغ ارتفاع الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة وحدها 53.4 مليار دولار، ما يوازي ميزانية المملكة المتحدة الدفاعية الكاملة لعام 2019 (54.8 مليار دولار)، بينما بلغ الارتفاع الاسمي في ميزانية الصين (10.6 مليار دولار) بفارق طفيف عن ميزانية تايوان الدفاعية الكاملة لعام 2019 (10.9 مليار دولار).
وحسب التقرير، وبعد سنوات من التخفيضات، عاد مجموع الإنفاق الدفاعي في أوروبا إلى المستويات التي كان عليها قبل الأزمة المالية (277 مليار دولار في عام 2008 - 289 مليار دولار في 2019)، مسجّلاً زيادة بنسبة 4.2% عن عام 2018 عند احتسابه بالقيمة الحقيقية. تتركّز زيادات الإنفاق هذه أكثر فأكثر في المشتريات والأبحاث والتطوير، فقد سجّلت الاستثمارات الدفاعية نمواً من 19.8% عام 2018 إلى 23.1% في 2019 في الدول التي تملك البيانات المطلوبة. ولكنّ هذه الزيادة في الإنفاق الأوروبي بدت متواضعة عند احتسابها بقيمة الدولار الاسمية، مسجّلة ارتفاعاً من 290 مليار دولار، لأنّ قيمة اليورو تراجعت مقابل الدولار في 2019. وصُنّفت أستراليا، والنرويج، وسنغافورة، والولايات المتحدة بين الدول العشر الأكثر إنفاقاً على قاعدة الإنفاق للفرد الواحد، بينما حلّت المملكة المتحدة في المرتبة الحادية عشرة بـ837 دولاراً للفرد الواحد.