اليوم يسدل الستار على إحدى أعقد عمليات خطف الأطفال في السعودية

اليوم يسدل الستار على إحدى أعقد عمليات خطف الأطفال في السعودية
TT

اليوم يسدل الستار على إحدى أعقد عمليات خطف الأطفال في السعودية

اليوم يسدل الستار على إحدى أعقد عمليات خطف الأطفال في السعودية

كشف محامي مختطفة الأطفال في المنطقة الشرقية أن هناك شاباً ثالثاً يجري التحقق من هويته في الفترة الحالية، في تطور دراماتيكي، حيث تجري الشكوك حول طفلين تم اختطافهما: أحدهما في عام 1993، والثاني في عام 1996.
وكانت الأجهزة الأمنية قد كشفت عن هوية المختطف الأول (محمد العماري)، فيما يسدل اليوم الستار على قضية اختطاف موسى الخنيزي، التي دامت لأكثر من 20 عاماً، وذلك بإجراء فحص البصمة الوراثية (DNA) لعلي منصور الخنيزي، للتأكد من تطابقها مع شاب جرى اختطافه خلال الساعات الأولى من ولادته في مستشفى الولادة والأطفال بالدمام. وكانت فحوصات البصمة الوراثية التي أجريت لزوجته مع المختطف (موسى) قد أثبتت تطابقها بشكل كبير مع الشاب الذي تم العثور عليه.
وعبرت والدة المخطوف (موسى) عن أملها في أن تنتهي اليوم سنوات الحرمان من ابنها التي امتدت لعقدين من الزمن. وقال حسين الخنيزي، شقيق موسى، إن العائلة عاشت سنوات الحرمان الطويلة، وكلها أمل في أن تجد الابن المختطف، حيث كان معهم في وجدانهم، في أفراحهم وأحزانهم، ولا تمر مناسبة إلا ويذكر اسمه كأنه بجانبهم.
وأكد الخنيزي لـ«الشرق الأوسط» قسوة الأيام والساعات على والدته المكلومة التي كانت متألمة جداً لهذا الفقد، لكنها لم تفقد الأمل في قدرة الله -عز وجل- على أن يعيد ابنها مهما طالت السنين.
ومع اقتراب الساعات لحسم هذه القضية الشائكة، قامت أسرة الخنيزي بإشعال الشموع والأنوار حول منزلها الواقع في حي التركية في محافظة القطيف، حيث ينتظر الجميع أن يصل الابن موسى إلى المنزل. وإذا ما تم التأكد من هوية موسى، وعودته بشكل رسمي لعائلته، فإنه سيكون قد عاش طوال حياته على بعد أقل من «20» كيلومتراً من منزل والديه الأصليين، إذ عاش المختطف في حي المزروعية بالدمام مع المتهمة بخطفة، وسط ظروف معيشية صعبة، حيث تعاني من الفشل الكلوي.
ومن جانبه، قال علي الخنيزي إن الخاطفة تستحق عقوبة على فعلتها مهما كانت المبررات، وبين أن المستشفى قام حينها بتمكينه من مشاهدة مقاطع تصوير للحادثة، واتضح أن الخاطفة كانت تتردد على المستشفى، ربما للبحث عن طفل بمواصفات معينة.
وكان المختطف الآخر لدى السيدة نفسها (محمد علي العماري) قد عاد إلى ذويه الأسبوع الماضي، بعد ثبوت البصمة الوراثية، وهو الذي تم اختطافه منذ 24 عاماً.
وقال علي عويضة العماري لـ«الشرق الأوسط» إنه حريص على كشف كل الملابسات في الوقت المناسب، معتبراً أن القضية لا تزال قيد التحقيق، ولا يمكن الحديث بشأنها. وتعود تفاصيل اختطاف العماري من مستشفى الولادة والأطفال بالدمام إلى قيام سيدة «سمراء» بأخذ الطفل من جانب والدته التي كانت تحت تأثير التخدير بعد الولادة بساعات قليلة، وفي أثناء وقت الزيارة تحديداً، حيث قامت المختطفة بحمل الطفل والمغادرة سريعاً، وذلك في عام 1996.
وتعيش عائلة العماري في محافظة الأحساء (شرق السعودية) أيضاً، إلا أن جميع الأقارب يعيشون في منطقة عسير (جنوب المملكة).
ووسط المطالبات من ذوي المخطوفين بإنزال العقوبة على المختطفة جراء فعلتها، فإن الأبناء المخطوفين يطلبون «العفو» عن مختطفتهم، ويعتبرونها والدتهم، بحسب المحامي الدكتور عبد العزيز الهاجري الذي يتولى الدفاع عن المتهمة. وقال الهاجري لـ«الشرق الأوسط» إن القضية لا تزال في المداولات، وإنها ستشهد اليوم على الأرجح مزيداً من التطورات بشأن موكلته.
وكشف الهاجري أن هناك شاباً ثالثاً يجري التحقق من وضعه، رغم أنه موجود في «بطاقة العائلة» الخاصة بأسرة السيدة التي تحوي أبناء شرعيين لها عاشوا جنباً إلى جنب مع من ثبت أنهم ليسوا أبناءها.
وتشير المصادر إلى أن الشكوك حول الشاب الثالث الذي يتم التحقق منه ينحصر بين ابن المواطن محمد القرادي المختطف منذ عام 1993 من مستشفى القطيف المركزي، ونسيم الحبتور المختطف من كورنيش الدمام في عام 1996، وهو من أسرة من الجمهورية اليمنية، حيث كانوا يلهو بعيداً عن أسرته التي فقدته، وقال حينها شهود إن خاطفته ذهبت به إلى محل مواد غذائية من أجل شراء الحلويات له، بعد أن كان في حالة بكاء شديد في يد مختطفته.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)