عمرو دياب يعود لإبهار جمهوره بـ«سهران»

احتفاء كبير بأغنيات و«مفاجآت» ألبومه الجديد

بوستر ألبوم عمرو دياب الجديد
بوستر ألبوم عمرو دياب الجديد
TT

عمرو دياب يعود لإبهار جمهوره بـ«سهران»

بوستر ألبوم عمرو دياب الجديد
بوستر ألبوم عمرو دياب الجديد

تصدر المطرب المصري عمرو دياب قائمة الأكثر بحثاً وتداولا على معظم منصات «التواصل الاجتماعي» في مصر، أمس، بعد ساعات قليلة من طرح ألبومه الجديد «سهران» الذي يضم 14 أغنية، بالتزامن مع احتفالات «عيد الحب»، واستطاع «الهضبة»، خطف الأضواء من بعض مطربي أغاني المهرجانات الذين احتلوا الصدارة خلال الأيام الماضية على غرار المطرب الشعبي حسن شاكوش صاحب أغنية «بنت الجيران» التي حققت انتشاراً واسعاً في مصر، التي دفعت بعض القنوات الفضائية ومذيعين بارزين، إلى استضافة شاكوش والإشادة بأغنيته.
ونال دياب إشادات لافتة من الجمهور والنقاد، ووصفه بعض المتابعين بأنه «أسطورة»، بسبب حفاظه على مكانته لمدة عقود، فيما رأى آخرون أن ألبوم دياب الجديد سوف ينهي حالة «الإعجاب الغريبة» بأغاني المهرجانات خلال الفترة القصيرة المقبلة داخل مصر عبر تقديمه «الأغاني الجميلة والراقية»، وفق سميرة محمد، إحدى مستخدمات موقع «تويتر».
ويعد ألبوم دياب الجديد، ضمن أكثر الألبومات الفنية التي يتعاون فيها مع عدد من الموزعين على غرار نادر حمدي، أسامة الهندي، طارق مدكور، ورامي سمير.
ويؤكد نقاد موسيقيون مصريون، من بينهم أشرف عبد المنعم، أن «عمرو دياب لا يزال متربعاً على القمة في مصر حتى الآن». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بسبب ذكائه وتطويره من أدائه والحفاظ على صورته الذهنية لدى جمهوره، وعدم ظهوره في البرامج التلفزيونية أو الحوارات الصحافية، وإدارته لنفسه جيداً، استطاع أن يبقى على القمة فترة طويلة، لدرجة أنه لا ينازعه أحد على هذه المكانة حالياً». مشيراً إلى أن «حياته الخاصة تتسم بالغموض، ولا يعرف عنها الجمهور شيئا»، لافتاً إلى أن «الجمهور يعرفه فقط من خلال أغنياته وصوره في صالات الرياضة وشكله المميز».
وعن تغير المشهد الموسيقي في مصر خلال ساعات قليلة بعد طرح دياب ألبومه الجديد، الذي سحب من خلاله البساط من أغاني المهرجانات التي كانت تسيطر على الساحة الفنية في البلاد أخيراً، يقول عبد المنعم إن «أغنيات المهرجانات التي تعيش فترة من الانتعاش والانتشار حالياً، هي نتاج سنوات من تردي حالة التعليم في المجتمع المصري، وبالتالي هذه الموجة لن تستطيع الاستمرار طويلاً، لأن أغاني المهرجانات نفسها تغطي على بعضها بمجرد ظهور أخرى جديدة، وكلها عديمة القيمة».
ويتعاون «الهضبة» - الذي أحيا حفلاً غنائياً أمس في الكويت، ويستعد لإحياء حفل آخر يوم 28 فبراير (شباط) الجاري على مسرح مركز المنارة بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة) - مع عدد من الشعراء في ألبومه الجديد من بينهم، المستشار تركي آل شيخ، وأيمن بهجت قمر، تامر حسين، وخالد تاج الدين وأحمد المالكي، ومع الملحنين عمرو مصطفى، ومحمد يحيى، وشريف بدر، وعزيز الشافعي.
ويضم ألبوم «سهران» لعمرو دياب بعض المفاجآت الجديدة، إذ يتعاون فيه للمرة الأولى مع الشاعر شادي نور، والملحن بلال سرور، ويحتوي الألبوم كذلك على أغنية «جميلة» التي يتعاون فيها دياب مع ابنته (جانا) كمطربة وملحنة، للمرة الأولى، والأغنية، من كلمات شادي نور، وألحان بلال سرور وجانا، وتغني فيها جانا مقطعا باللغة الإنجليزية.
وقدم عمرو في الألبوم موهبة جديدة وهو أحمد زغلول (مدير أعماله) الذي قدم له أغنية «روح» من كلمات وألحان زغلول، وهذه هي المرة الأولى التي يتعامل فيها مع دياب فنياً. وتفاعل مع ألبوم عمرو دياب الجديد عدد من نجوم الفن، أبرزهم الفنان محمد هنيدي، الذي قام بنشر مقاطع فيديو لعدد من أعماله الفنية، التي ظهر فيها وهو يرقص، صاحبها صوت عمرو دياب في أغنياته الجديدة.
ويضم الألبوم 12 أغنية جديدة وهي «سهران، يا روقانك، هيعيش يفتكرني، أنت زي ما أنتي، حلوة البدايات، عم الطبيب، مكانك في قلبي، قلبي متعلق، روح، جامدة وبس، جميلة، مبقاش يناسبك» بالإضافة إلى أغنيتين طرحهما من قبل وهما «يوم تلات»، و«قدام مرايتها».
ويصاحب إطلاق ألبومات عمرو دياب الجديدة، في كل مرة، زخم جماهيري واهتمام كبير من وسائل الإعلام المصرية. وهو ما ينعكس بشكل لافت على تصدره «ترند» موقع «تويتر»، ومنشورات آلاف المستخدمين على موقع «فيسبوك» في مصر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)