مرحلة ما بعد العزل: عرض عضلات وسقوط أقنعة واستقالات جماعية

لم تنتهِ تداعيات ملف عزل الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فبعد أقل من أسبوع على تبرئة ترمب رسمياً، شن هذا الأخير حملة من الانتقادات الموجهة ضد كل مَن عارضه؛ لتشمل انتقاداته اللاذعة المحامين والقضاة المسؤولين عن قضايا مرتبطة بتحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر، إضافة إلى الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم في قضية عزله.
وتغنّى الرئيس الأميركي بحلفائه، فهنّأ وزير العدل ويليام بار على تدخّله في ملف صديقه ومستشاره السابق روجر ستون الذي تتم محاكمته بتهمة الكذب على الكونغرس وتهديد شهود.
وقال ترمب في سلسلة من التغريدات: «هنيئاً لوزير العدل بيل بار على تسلم قضية كانت خارج السيطرة، وربما لم يكن حتى من الضروري طرحها للمحاكمة. إن الأدلة تشير بوضوح إلى أن تحقيق مولر المغشوش كان فاسداً. حتى بوب مولر كذب على الكونغرس!» يقصد ترمب في تغريدته التحقيق الذي أجراه مولر، والذي أدى إلى القبض على ستون ومحاكمته بتهم عرقلة تحقيق الكونغرس في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، والكذب على المحققين، ومحاولة صد إفادة أحد الشهود.
تأتي تغريدات ترمب بعد يوم حافل بالأحداث المفاجئة وغير الاعتيادية في محاكمة ستون، ففي تحرك غير تقليدي، استقال فريق الادعاء المؤلف من 4 أشخاص في قضية ستون، احتجاجاً على ما وصف بتدخل الرئيس في السلطة القضائية، ومحاولته التأثير على سير القضية. فقد قررت وزارة العدل بقيادة بار التدخل وتغيير توصيات فريق الدفاع عن ستون، الذي اقترح سجن رجل الأعمال السابق فترة تتراوح ما بين 7 و9 سنوات. وقالت وزارة العدل للقاضية الفدرالية التي تشرف على المحاكمة، إن فترة السجن المقترحة لا تعكس موقف وزارة العدل، وطالبت بتخفيف الحكم.
هو تغيير قد لا يكون مفاجئاً في ظروف اعتيادية؛ لكن توقيته غيّر كل المعطيات، فهذا التغيير أتى مباشرة بعد تغريدة لترمب عارض فيها بشدة فترة الحكم المقترحة على ستون. وقال ترمب: «بدأت الأمور تنكشف مع هذه التوصية السخيفة بالسجن لتسعة أعوام! يا له من موقف رهيب وغير عادل. إن الجرائم الحقيقية تحدث في الطرف الآخر (الديمقراطي) ولا شيء يحدث لهم. لا يمكن السماح بتشويه العدالة!»؛
تغريدة رآها البعض خرقاً لكل البروتوكولات المتعارف عليها في الولايات المتحدة، وتدخلاً من قبل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية. اتهامات رفضتها وزارة العدل، فقالت المتحدثة باسم الوزارة، إن قرار التخفيف من فترة الحكم جاء قبل تغريدة الرئيس.
ترمب من ناحيته استمر في توجيه كيل من الانتقادات الجديدة، وقال للصحافيين بعد تغريدته إنه لم يطلب من وزارة العدل تغيير الحكم؛ لكن لديه الحق المطلق بفعل ذلك إذا ما أراد: «لم أتحدث معهم. لقد اعتقدت أن التوصية سخيفة للغاية. وكل المحاكمة سخيفة للغاية. هذه إهانة لبلادنا ولا يجب أن تحصل». وأشار ترمب من المكتب البيضاوي إلى أن محاكمة ستون هو انتقام مباشر لمحققي مولر: «هؤلاء هم الأشخاص التابعون لمولر الذين حطموا حياة كثير من الأشخاص، وهذا مشين. يجب أن يخجلوا من أنفسهم».
ولم يتوقف ترمب عند هذا الحد؛ بل خرج من اجتماع المكتب البيضاوي وبدأ في التغريد عن قضية ستون مجدداً، وهاجم القاضية المعنية بالقضية: «هل هذه هي القاضية التي وضعت بول مانافورت (مستشار حملة ترمب الانتخابية السابق) في سجن انفرادي؟ أمر لم يعانِ منه شخص مثل آل كابون. كيف عاملت هذه القاضية هيلاري كلينتون؟ هذا مجرد سؤال!».
وفي تصعيد لافت، تشعبت انتقادات ترمب لتشمل الكولونيل ألكسندر فيندمان، أحد الشهود في ملف عزله. فقال ترمب الذي لم يخفِ يوماً امتعاضه من فيندمان، إن الجيش قد يتخذ تدابير تأديبية بحق الكولونيل الذي طرد من البيت الأبيض بعد تبرئة ترمب في قضية العزل. وقال الرئيس الأميركي للصحافيين: «القرار الأخير سيكون بيد الجيش؛ لكن إذا نظرتم للقضية جيداً، فأنا أعتقد أن الجيش سينظر في الموضوع». واتهم ترمب فيندمان بالكذب لدى الحديث عن اتصاله «المثالي» مع الرئيس الأوكراني، بحسب قوله.
وقد أثارت مواقف ترمب في ملفي ستون وفيندمان ردود فعل شاجبة وغاضبة من قبل الديمقراطيين. فقال آدم شيف، كبير المدعين في قضية العزل: «إن تدخل الرئيس في قضية ستون وانتقامه من الأشخاص الذين فضحوا ممارساته يشكلان أكبر تهديد للولايات المتحدة».
كما طلب زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إجراء تحقيق رسمي في تغيير فريق الدفاع لتوصياته في قضية ستون. وكتب شومر رسالة إلى المحقق العام في وزارة العدل، مايكل هورويتز، يطالبه فيها رسمياً بالبدء في التحقيق.