نيكولاس كيج لـ «الشرق الأوسط»: أحب تمثيل الشخصيات المعقدة

لقطة له من فيلم «جو»
لقطة له من فيلم «جو»
TT

نيكولاس كيج لـ «الشرق الأوسط»: أحب تمثيل الشخصيات المعقدة

لقطة له من فيلم «جو»
لقطة له من فيلم «جو»

ابن شقيق المخرج فرنسيس فورد كوبولا، لم يظهر في فيلم من إخراج عمه إلا مرة واحدة، وذلك في مطلع عهده بالتمثيل عندما أسند إليه كوبولا الكبير دورا مساندا في فيلم «رامبل فيش» سنة 1983. كان ذلك ثالث فيلم يقوم نيكولاس كيج بتمثيله، من بعد «أوقات سريعة في ردجمونت هاي»، و«فتاة الوادي». لا أحد يعلم ولا هو يقول لماذا اختار اعتماد اسم «كيج»، وليس اسم كوبولا كنية له. هناك فيلم واحد من بين الأفلام الـ86 التي قام بتمثيلها حتى الآن حمل اسم نيكولاس كوبولا فيه هو أولها.
لكن لا أحد يمانع. ما يشغل بال المعنيين وهواة السينما هو إذا ما كان الممثل المذكور سيتوقف عن تأدية أدوار يرونها عابثة لا تخدم موهبته، كما الحال في «موسم الساحرة» و«كنز قومي» و«عبور» أو سلسلة «غوست رايدر» قبل فوات الأوان.
نيكولاس كيج يبدأ تشخيصه للدور الذي يقوم به من نقطة عالية قد لا تتطور، لكنها لا تنحدر مطلقا. هناك تكرار في بعض ما يؤديه، لكن حين يجد السيناريو الذي يعجبه، فلا يزال قادرا على الإجادة وتقديم مستوى أعلى من السابق.
«جو»، الفيلم الذي عرض له هنا في «فينيسيا» من بين تلك الأفضل منذ سنوات عدة. واحد من تلك الأعمال التي تعيد الثقة في نفوس كل أولئك الذين اعتقدوا أن الممثل هوى ولن يمكنه استعادة موقعه كممثل استحق ذات مرة الأوسكار الذي ناله عن دوره في «مغادرة لاس فيغاس» سنة 1995.
فيه يؤدي كيج دور شخصية هامشية من شخصيات المخرج ديفيد غوردون غرين المحببة. يملك قلبا طيبا لا ينفعه كثيرا حين تزداد الضغوط عليه فينفجر. خاسرا عاش وخاسرا قد يموت.
* كيف وجدت هذا الدور حين قرأته.. هل كان يعني لك تغييرا كبيرا عن أدوارك الأخيرة؟
- كثيرا ما أسمع أسئلة حول أدواري الأخيرة. أعتقد أنك تقصد أفلام الأكشن والتشويق التي أقوم بها.
* نعم.
- حسنا، نعم. وجدته مختلفا وأعجبني هذا الاختلاف بحد ذاته. لم يكن قبولي به نوعا من الهروب من تلك الأفلام المعتادة بقدر ما كان فرصة جيدة أنبأني بها السيناريو الذي كتبه غرين. السيناريو احتوى على معالجة وجدتها ناجحة. تقدم شخصية جو كإنسان في بيئة جديدة على المشاهدين وعلي أنا كممثل. في الفيلم أعمل مسؤولا عن عمال يقومون بإتلاف الأشجار تمهيدا لقطعها والفيلم لا يتخذ موقفا أبويا أو أخلاقيا من هؤلاء، بل يظهر أنهم عمال سقطوا من حسابات المجتمع الأوسع ويعيشون على هذا العمل لعدم وجود سواه.
* جو يختلف في أنه يقودهم.
- صحيح، ويشعر معهم ويعتبرهم أصدقاء ويعرف مشاغلهم ومتاعبهم وهو يتعامل معهم بصدق ولذلك يحبونه. هناك مشهد قصير أعتقد أنه لا يمر من دون توسيع مدارك المشاهد حول جو وحول العمال أيضا، عندما يلاحظ جو غياب أحدهم المتواصل، وعندما يظهر ذلك العامل يتبادل مع جو الحوار. ذلك العامل وجد عملا آخر شغله لبضعة أيام. هؤلاء الناس عليهم البحث عن كل فرصة ممكنة وجو يتفهم ذلك. كل هذا جذبني إلى الفيلم منذ أن كان مشروعا.
* هناك أيضا علاقته شبه الأبوية للفتى غاري.
- أوه.. هذا ممثل موهوب جدا، تاي شريدان. طموح ومنضبط ويعرف كيف يمثل حقيقة. نعم، هناك هذه العلاقة التي تنتج عن ملاحظة جو لمساوئ بعض الناس. كلهم بمن فيهم جو هم تحت عبء الحياة الصعبة التي يعيشون فيها والبيئة المحدودة، وحين يرى والد غاري يضربه لا يحاول أن يواجه الأب على الرغم من أنه لا يرضى عما يراه، فهذه مسألة شخصية، لكنه لاحقا لم يعد قادرا على ضبط المسائل. إنها تفلت من بين أصابعه. يريد فعل شيء لغاري وشقيقته. هذه حس إنساني لم أجده متوفرا في الأفلام الكثيرة التي قمت بها.
* ما سبب كثرة هذه الأفلام؟ هل تجد أنك تريد مواصلة العمل حتى وإن لم تكن الأفلام متساوية النجاح؟
- أولا تتمنى كممثل أن تأتي كل الأفلام التي تقوم بها متساوية النجاح ومضمونة الجودة وكل ذلك.. لكنها ليست عملية تمنيات. بل هي خارجة عن نطاق الممثل. صحيح أنه هو الذي يختار، لكن هناك عناصر مختلفة تصب في قراره وتدفعه إلى التخصص أو التعميم أو إلى أن يقل من أعماله أو أن يكثر منها. بالنسبة لي لا أجد أن عندي سببا لأن أقلل أعمالي. مهنتي ممثل، وهذا ما أفعله.
* قبل سنوات ذكرت لي أنك تتمنى لنفسك حياة مسالمة والتوقف عن العمل الكثيف. لكن الواضح أنك ما زلت في مرحلة الكثافة، فلديك دائما فيلم وراء فيلم. ما الدافع الذي يقف وراء قيامك بالتمثيل دائما؟
- هناك عدة أسباب، لكن دعني أقل لك، وما سأقوله يمكن أن تسوقه كاعتراف.. خلال عقدين ونصف العقد مثلت أكثر من 70 فيلما. هذا صحيح، لكني لم أمثل إلا فيلمين أو ثلاثة من اختياري الخاص. من تصميمي بأنني أريد أن ألعب هذا الدور أو ذاك. لا أريد أن أذكر أسماء وعناوين هنا. فقط أن أسجل أنني أعي أن كثيرا من أفلامي، خصوصا في الفترة الأخيرة، لا ترقى إلى ما أريده لنفسي وما يريده بعض الجمهور، ولا أقول كله، لأن هناك كثيرين يريدونني في أفلام مثل «قد بغضب» (Drive Angry) أو «موسم الساحرة» و«غوست رايد: روح الانتقام». هذا مما وجدت نفسي عليه. وكانت لدي أسباب أعتبرها مهمة، أحدها أن ذلك يبقيني في المهنة ويبقيني مشغولا، وإلا فقد أفقد الاهتمام بما أريد القيام به.
* أنت لست الوحيد في ذلك.
- جيد ما أسمعه. أحب كريستوفر لي وأحب فنسنت برايس ولا يهمني أنهما لم ينالا الأوسكار. بعض الأفلام التي مثلتها لم تأتِ كما كنت أتوقع لها أن تأتي عليه. لكنك في هذه المهنة تخاطر بالفرص المتاحة أمامك. لكني سعيد بما أقوم به وأدافع عن اختياراتي بلا شك.
* بالنظر إلى أدوارك منذ عدة سنوات، يبدو أنك تؤدي شخصية الرجل الممزق في داخله؛ هل هذه صدفة؟
- أسعى لمثل هذه الشخصيات لأني أتفهمها جيدا. وأحب تمثيلها لأنها شخصيات معقدة. أحب الشخصيات التي تبقى في الظل بين الأبيض والأسود. لا أحب الشخصيات التي تبدو كاملة ومتكاملة، بل أريدها بقدر من الأخطاء الإنسانية. قدر من الجوانب المعتمة. وأعتقد لأننا جميعا لدينا شعور بأننا غير متكاملين تنجح هذه الأفلام بين المشاهدين. يجدون فيها شخصيات واقعية.
* حين تنظر إذن إلى مهنتك، أي من أفلامك أو أدوارك تعتز به أكثر من سواه؟
- كلها. أشعر بأني محظوظ جدا، إذ اشتغلت مع عدد من أهم المواهب في هذه الصناعة. أحب الأفلام التي نجحت لي وأحب الأفلام التي لم تنجح أيضا. أشعر بأني تعلمت منها جميعا. ومع أني لا أريد أن أختار فيلما أعتبره المفضل عندي، فإنني أملك ضعفا حيال فيلم «قبلة الفامباير»، لأنها المرة الأولى التي انتقلت فيها إلى التجريد».
* هل هذا التفضيل لشخصيات مركبة له علاقة بأفلام نشأت على حبها مثلا؟
- نعم. تستطيع أن تقول ذلك. أعني أنني أحببت تلك الأفلام الصامتة التي حققها المخرجون الألمان في مطلع القرن الماضي. أفلام مثل «نوسفيراتو» و«كابين د. كاليغاري». هذه الأفلام كانت نماذج رائعة للتمثيل السوريالي الذي تميزت به الفترة الألمانية حينها، وأطلق عليها «التعبيرية الألمانية». كانت المرة الأولى حين لعبت «قبلة الفامباير» سنة 1988، التي أجد فيها الفرصة لأوازي تلك الأعمال بجهد من عندي. وهذا كان أمرا مهما عندي. كذلك أحب من بين أعمالي «مجنون في القلب»، لأني معجب بفن أندي وورهول وطريقة صياغته المختلفة عن السائد لأيقونات مثل ميك جاغر. حاولت تمثيل دوري في ذلك الفيلم مستوحيا رسومات وورهول للشخصيات المشهورة.
* عادة لا أسأل أسئلة سهلة أو خفيفة خصوصا إذا ما كانت اجتماعية، لكن لا بد أن أسألك عن سياراتك المتعددة التي يقال إنك محتفظ بها وكلها كلاسيكية..
- لم يعد لدي هذا الهوس كما في السابق. لقد تخليت عنها كلها. لدي سيارتان فقط الآن؛ واحدة «كاديلاك» والأخرى «دودج» أميركية تمشي على الديزل حفظا للبيئة، وأنا سعيد بها. تخليت عنها لأني وعيت أولويات حياتي. لقد أصبح لديّ ولدان وعائلة ولم يعد عندي وقت للاعتناء بجمع السيارات. مهنتي الجديدة هي أب، وليس عندي وقت لصرفه على الأشياء.
* هل صحيح أنك اكتشفت جوني دب؟ لقد كنتما صديقين قبل نحو 20 سنة.
- لا، هذا ليس صحيحا. كنا صديقين نعم، لكني لم أكتشف مواهبه ونجاحه ليس بفضلي (يضحك). كل ما في الأمر أننا كنا نلعب المونوبولي ذات مرة، واقترحت عليه أن يمثل. قال إنه لا يجيد التمثيل. قلت له بل تستطيع التمثيل. اذهب وقابل وكيل أعمالي. وهو فعل ذلك، ووصل في سنوات قليلة إلى القمر. وصل بفضل موهبته.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».