انفصال كاتالونيا ما زال يلقي بظلاله على المشهد الإسباني

حكومة مدريد تقبل بالتفاوض مع قادة الإقليم وتطرح «الفيدرالية» مخرجاً للأزمة

كيم تورّا اشترط حضور «وسيط دولي» لإجراء المفاوضات مع حكومة بيدرو سانتشيز (إ.ب.أ)
كيم تورّا اشترط حضور «وسيط دولي» لإجراء المفاوضات مع حكومة بيدرو سانتشيز (إ.ب.أ)
TT

انفصال كاتالونيا ما زال يلقي بظلاله على المشهد الإسباني

كيم تورّا اشترط حضور «وسيط دولي» لإجراء المفاوضات مع حكومة بيدرو سانتشيز (إ.ب.أ)
كيم تورّا اشترط حضور «وسيط دولي» لإجراء المفاوضات مع حكومة بيدرو سانتشيز (إ.ب.أ)

الهاجس الرئيسي الذي تدور حوله الأحاديث في كاتالونيا، ويستحوذ على اهتمام المواطنين، أياً كانت أعمارهم ومشاربهم السياسية، هو موضوع الانفصال الذي أصبح الخبز اليومي لسكان هذا الإقليم.
ومنذ أن حاولت الأحزاب والقوى الانفصالية إعلان الاستقلال عن إسبانيا في خريف عام 2017، وفجّرت أخطر تحدٍّ لكيان الدولة الإسبانية، ما زال الانفصال يرخي بظلاله الكثيفة على المشهد السياسي والاجتماعي. وردت مدريد حينها بحل حكومة الإقليم، وعلقت الحكم الذاتي فيه. وحكم على 9 من قادة الانفصال بأحكام سجن مشددة ما أدى إلى تنظيم العديد من التظاهرات في الإقليم شهد بعضها أعمال عنف.
الأحزاب السياسية الرئيسية في إسبانيا متوافقة على رفض مبدأ الانفصال واستقلال المنطقة الغنية الواقعة في شمال شرقي إسبانيا، لكنها منقسمة بشكل حاد حول مقاربة الأزمة، وطرق معالجتها، وحلولها الممكنة. أحزاب اليمين والوسط ترفض أي حوار مع القوى الانفصالية التي تعتبرها خارجة عن القانون، وتطالب بتفعيل مواد الدستور التي تلغي الحكم الذاتي في الإقليم، وتضعه تحت الإدارة المركزية. والائتلاف الحاكم، بين الاشتراكيين وحزب «بوديموس» اليساري الذي يضم أيضاً بقايا الحزب الشيوعي، يدعو إلى الحوار، ويعرض التفاوض مع الانفصاليين، ويطرح الصيغة الفيدرالية كمخرج نهائي للأزمة. القوى الانفصالية، من جهتها، موزّعة بين اليسار الجمهوري والمحافظين الذين يسيطرون تقليدياً على الحكومة الإقليمية، ورغم أن تأييدها الشعبي لا يتجاوز 50 في المائة، حسب كل الاستطلاعات، فهي تصرّ على أن من حقها إعلان الجمهورية الكاتالونية المستقلّة والانفصال نهائياً عن إسبانيا مستخدمة مؤسسات الحكم الذاتي لهذا الغرض. لكن توافق الانفصاليين على المطالبة بالاستقلال واتحادهم في وجه السلطة المركزية، لم يكن حائلاً دون ظهور تصدّع في صفوفهم بدأ خلافاً بين اليساريين الذين لا يحبذّون إعلان الاستقلال من طرف واحد قبل أن تتوفر القاعدة الشعبية الكافية لمثل هذه الخطوة، والمحافظين الذين يدفعون بهذا الاتجاه مهما كانت التكلفة، إلى أن أصبح اليوم صراعاً مفتوحاً على الحكم الإقليمي بعد أن أظهرت الاستطلاعات تقدّم اليسار الجمهوري على القوى المحافظة لأول مرة. الحكومة الائتلافية، من جهتها، تجهد بصعوبة فائقة للمناورة في مساحة ضيّقة بين مياه الأزمة الانفصالية المستعصية، وارتهان صمودها في البرلمان لتأييد كتلة اليسار الجمهوري الكاتالوني الذي يملي عليها شروطاً تفاوضية شبه تعجيزية، ويتناوب مع المحافظين على استنزافها.
آخر بوادر هذا الاستنزاف، الذي يصبّ في نهاية المطاف في خانة صعود اليمين المتطرف، كان التصريح الذي صدر أمس عن رئيس الحكومة الإقليمية كيم تورّا، بعد لقائه مع رئيس الحكومة المركزية بيدرو سانتشيز، حيث اشترط حضور «وسيط دولي» لإجراء المفاوضات المرتقبة أواخر هذا الشهر بين الحكومتين، وأصرّ على أن يكون حق تقرير المصير بنداً على جدولها. ويأتي هذا الموقف التصعيدي ليرفع حاجزاً كبيراً أمام عجلة المفاوضات الصعبة التي لم تنطلق بعد، ويذهب بعيداً في مسلسل المزايدات بين المعسكرَين الانفصاليَّين، ويهدد استقرار الحكومة التي شهدت النور الشهر الماضي بعد جولات ثلاث من الانتخابات العامة ومرحلة طويلة من التعثّر. ويُذكر أن سانتشيز كان قد أكد رفضه القاطع لإجراء استفتاء حول حق تقرير المصير في كاتالونيا، ولوسيط في المفاوضات مع الحكومة الإقليمية، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن استراتيجية مدريد تراهن على عدم قدرة تورّا الذهاب حتى النهاية في مزايداته التي تستهدف الخصم الانفصالي في الدرجة الأولى. لكن أوساط الحكومة المركزية لا تستبعد أن يكون هدف تورّا الحقيقي من وراء هذا التصعيد هو الخروج من المفاوضات قبل الانتخابات الإقليمية التي باتت وشيكة في كاتالونيا، التي يخشى المحافظون أن يخسروها للمرة الأولى منذ عقود. ويأتي الإعلان عن قرب بدء المفاوضات، في مرحلة دقيقة في كاتالونيا بعد إعلان تورا نهاية يناير (كانون الثاني) الدعوة لانتخابات مبكرة في الأشهر المقبلة، وذلك بسبب خلاف مع الحزب الشريك في حكم كاتالونيا.
ومما يعزّز هذا الاعتقاد التصريحات التي أدلى بها مؤخراً بعض القياديين الانفصاليين من المعسكر المحافظ المؤيد لتورّا، وسلفه كارلي بوتشيبمون الفار من العدالة، التي توزّع الانتقادات بالتساوي بين الحكومة المركزية وحزب اليسار الجمهوري في كاتالونيا الذي تصفه بالتيّار «الاستقلالي البراغماتي». وفيما تحرص أوساط حكومة مدريد على إبداء التفاؤل إزاء المفاوضات المقبلة، مستندة إلى تراجع الاحتقان في الشارع الكاتالوني، وانخفاض مستوى احتجاجاته ضد السلطة المركزية، ثمّة من يعتبر أن هذا التفاؤل لا جدوى منه ما لم يتبنّه حزب اليسار الجمهوري الذي تحتاج مدريد لدعمه في البرلمان لإقرار الموازنة العامة للدولة، الذي ليس من المؤكد أنه سيتمكّن من الصمود داخل حلقة المفاوضات في حال قرّر تورّا الخروج منها.
كان سانشيز قبل هذه المفاوضات حول كاتالونيا الهادفة لحل «الأزمة السياسية» لهذا الإقليم، في مقابل دعم حزب «اليسار الجمهوري بكاتالونيا» المؤيد لاستقلال الإقليم، لحكومته في البرلمان في بداية يناير. وكانت حكومة مدريد أعلنت الأسبوع الماضي تأجيل المفاوضات إلى ما بعد الاقتراع، قبل أن تتراجع عن ذلك بعد ساعات، وتؤكد قبولها الحوار قبل الانتخابات. وأعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي اجتمع الخميس في برشلونة برئيس حكومة كاتالونيا، أن المفاوضات بين الحكومة المركزية في مدريد وحكومة كاتالونيا حول أزمة الإقليم ستبدأ في فبراير (شباط) الحالي. غير أن الاشتراكيين الذين يحكمون إسبانيا والانفصاليين الكاتالونيين لديهما رؤيتان متعارضتان لحل هذه الأزمة. ويطالب أنصار استقلال كاتالونيا بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، الأمر الذي ترفضه الحكومة المركزية.
وقال سانشيز، بعد اجتماعه في مقر الحكومة الاستقلالية في برشلونة برئيسها كيم تورا، «قررنا عقد أول اجتماع لهذه اللجنة الثنائية» بين الحكومتين المركزية والإقليمية «خلال هذا الشهر، أعني فبراير». وأضاف: «علينا استئناف حوارنا (..) حصيلة العقد الأخير مؤسفة. لا أحد فاز. الكل خسر».



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.