توفيق صايغ منفياً قبل الموت منسياً بعده

شاعر الخسارات المتتالية والعراك الضاري مع اللغة

توفيق صايغ
توفيق صايغ
TT
20

توفيق صايغ منفياً قبل الموت منسياً بعده

توفيق صايغ
توفيق صايغ

ليس الشعر في جوهره سوى تعبير مكثف ورمزي عن سوء التفاهم العميق الذي يحكم علاقة الشعراء بأنفسهم وبمحيطهم الخارجي، وبالحياة بوجه عام. لذلك فإن المصائر التراجيدية للشعراء والمبدعين ما هي إلا المحصلة الطبيعية لتبرمهم بالواقع، وخروجهم على السائد، سواء تعلق الأمر بالسياسة والاجتماع ونظام القيم، أو باللغة نفسها.
هكذا يبدو كل شاعر حقيقي بمثابة مزيج متفاوت النِّسب من بروميثيوس وسيزيف، حيث حُكم على الأول بجعل كبده طعماً للنسور، لأنه سرق النار من الآلهة وأعطاها للبشر. فيما كان على الثاني، بسبب خداعه للآلهة، أن يرفع إلى أعلى الجبل الصخرة التي لا تكف عن الإفلات من بين يديه كلما شارف على بلوغ القمة. وإذا كان في تجربة كل شاعر ما يتصل بهذا البعد التراجيدي، فإن توفيق صايغ يجسد، عبر حياته وسيرته وشعره، الأنموذج الأكثر تعبيراً عن غربة الشاعر وانفصاله عن محيطه وصراعه العبثي مع أكثر من تنّين. فمنذ صباه المبكر بدا صايغ وكأنه شريد المنافي المتعددة التي حملته من الجنوب السوري، حيث ولد، إلى وطنه الأصلي فلسطين، ومن ثم إلى لبنان، فبريطانيا وأميركا، حيث عاش سنواته الأخيرة، رغم أن ولاءه الأعمق كان لفلسطين التي غادرها قسراً بفعل النكبة. في حين أن المرأة التي أرادها ملاذاً وحبل نجاة يعصمه من وطأة التيه وخيانات البشر، ما لبثت أن قادته بدورها إلى المزيد من المرارة والخذلان. أما ثالثة الأثافي فقد تمثلت في إصداره لمجلة «حوار» التي تبين فيما بعد، ودون علم من الشاعر على الأرجح، أنها ممولة من وكالة المخابرات الأميركية، الأمر الذي ألب عليه الأصدقاء والأعداء، ليعود إلى بيركلي في الغرب الأميركي، ويموت في مصعد المبنى الذي يسكنه إثر نوبة قلبية مباغتة.
لم يكن توفيق صايغ غزير الإنتاج على الصعيد الشعري البحت، إذ إن تجربته الشعرية اقتصرت على ثلاثة أعمال، هي «ثلاثون قصيدة» و«القصيدة ك» و«معلقة توفيق صايغ»، فضلاً عن بعض القصائد التي جُمعت لاحقاً تحت عنوان «صلاة جماعة ثم فرد»، أو تلك التي عثر عليها محمود شريح وأصدرها تحت عنوان «التوفيقيات المجهولة»، وهي عبارة عن نصوصٍ ستة غير مكتملة، ولا تحمل أي قيمة فنية حقيقية. ولعل أول ما يستوقفنا في باكورة توفيق الشعرية «ثلاثون قصيدة» هو التقديم المفعم بالتقريظ الذي خص به سعيد عقل صديقه الشاعر، رغم الموقف العدائي الذي لم يكفّ صاحب «قدموس» عن الإفصاح عنه تجاه الحداثة الشعرية العربية، وقصيدة النثر على نحو خاص. والأرجح أن عقل كان في قرارته يمتدح المجموعة بوصفها نثراً فنياً محكم الصياغة، رغم أن العنوان الذي وُضع لها يشي بغير ذلك. وبمعزل عن طابع المجاملة الذي كان يحكم الكثير من مقدمات سعيد عقل لأعمال أدبية مختلفة، فأغلب الظن أنه وجد في باكورة صديقه ما يتواءم مع لغته الباذخة والمقطّرة من جهة، ومع خلفيته اللاهوتية، من جهة أخرى. هكذا لا يتوانى صاحب المقدمة عن القول «إن كتابه لا ليُقرأ. إنه ليغدو خلجات فيك، ودماً دافقاً وناراً. إنه مزيج من شبق ولاهوت، من كشفٍ علمي وخطيئة وبراءة ملائكية أولى». أما الأمر الآخر الذي يصعب القفز عنه، فيتعلق بإغفال النقد العربي لريادة صايغ في كتابة قصيدة النثر، رغم أن 6 سنوات كاملة تفصل باكورته الشعرية عن مجموعتي أنسي الحاج «لن»، ومحمد الماغوط «حزن في ضوء القمر». وبصرف النظر عن الطابع الإشكالي لتجربة صايغ وأسلوبه اللذين لقيا حماساً لدى البعض وفتوراً لدى البعض الآخر، فإن إخراج الشاعر من ريادة قصيدة النثر العربية ليس سوى ضرب من ضروب العسف، والتنكر غير المبرر للحقيقة.
إن المتتبع لسيرة توفيق صايغ ونتاجه الإبداعي لا بد أن يقف على المفارقات المأزقية التي تحكم حياته برمتها، وهو الذي يتصارع في داخله الملاك والشيطان، السماوي والأرضي، والفضيلة مع الإثم. وإذا كان الجانب الروحي من شخصية صايغ وتجربته، عائداً إلى تربيته الطهرانية، وهو ابن قس مسيحي بروتستانتي، فإن الجانب الحسي الشهواني يتصل بنزعته المضادة للتمرد على السائد، بقدر ما هو ردة فعل على خيبات أمله وتحطّم أحلامه. وهذا الانشقاق المرير بين الخيارين نرى تمثلاته في «ثلاثون قصيدة»، حيث لا يكف الشاعر عن إظهار تمزقه الدامي بين الديني والدنيوي. ففي الجانب الأول يتحول الشعر إلى نوع من الابتهال والأدعية والمناجاة التي تذكّر بالمزامير: «أعرف أنني ملوم\ وأراكَ خلعتَ عليَّ رداءك قاضي\ وقلبْتني الخصمَ الذي ظننتُه فيك\ أنت وصمتني\ وتعيينك منفاي لي\ لرضاك علي\ وفي حَجْبك الكفّارة عني\ وقولك: اسْع إلى كفارتك\ حيّرتني إلهي\ حيرتي تشفع لي». وفي الجانب الثاني، يذهب الشاعر إلى الخانة المضادة، ويجد في المتع الحسية خلاصه الأنجع: «أيتها المهرة البيضاء\ أيتها المهرة القوية الغنوج\ صهيلكِ أنغامٌ وتراتيل\ سمعتها تهلّل لي في السرير\ ألف منخاسٍ في ظهرك يئنّ.. \ معاً نرود الأفق القصي \ ودارة اللذة النديّة\ وقّعي حركاتكِ على نغمٍ متوحش\ أضجّ به وتضجين».
وليس صدفة أن تحتل المرأة والحب الحيز الأكبر من شعر توفيق صايغ. ذلك أنه، بفعل ضياع وطنه الأم وتنقله بين المنافي وتعرّضه الدائم للخيانات والمكائد، كان يبحث من خلالها عن الكنف والملاذ والحضن الدافئ الذي يعصمه من اليأس والانكسار. ومع أن علاقته بالمرأة لم توفر له الاستقرار الذي ينشده، ولم تكن وردية في جميع الحالات، فهو لم يكف عن مطاردة صور الأنوثة وظلالها عبر غير حالة ونموذج، وهو ما نتبينه بوضوح في كتاب الناقد محمود شريح المميز «توفيق صايغ... سيرة شاعر ومنفى». أما نصوصه الشعرية فتعكس بدورها الطابع الإشكالي لعلاقته بالمرأة التي تبدو رومانسية حيناً وجسدية حيناً آخر. وقد يتحول الشعر أحياناً إلى نثر عادي، حين يخاطب صايغ حبيبته الخائنة بالقول: «خدعْتِني فلم أبالِ\ لأنك انتقيتِ، يوم بحثت عن حبيبٍ، صديقي». لكن العلاقة العاطفية المحورية في حياة صايغ هي من دون شك علاقته بالفتاة البريطانية كاي، التي اختزل الشاعر اسمها بالحرف «ك»، وتمحورت حولها مجموعته الشهيرة «القصيدة ك»، حيث لا الحب العاصف ولا اللقاء الجسدي أمكنهما أن يردما ذلك الشرخ الحضاري الهائل الذي يفصل بين الرجل العاشق والمرأة المعشوقة. وقد أسهمت «ك» إلى حد غير مسبوق في استنزاف حيوية الشاعر وإيصاله إلى ذرى الألم وذرى الكتابة، وفق صديقه رياض نجيب الريس. ولذا لا يملك صايغ سوى أن يسأل بحرقة «ماذا أفعل بك عندما أصطادك؟ أأجرّك وأعود بك إلى بيتي الذي انطلقتُ منه في إثرك؟\ ويقينٌ بداخلي أن لا بيت لي\ ولا قفصَ لكِ أو سياج». كما تتكرر في «معلقة توفيق صايغ» فكرة البحث عبر المرأة عن وطنٍ أصلي أو أرض ميعادٍ بديلة، حيث يهتف الشاعر قائلاً: «الناس من حولنا يتصايحون يولولون\ وأنا لا أحس إلا بك\ بأن بلداً لم يحترق\ وبلداً لم يوصد بوجه أبنائه أبوابه\ ما دام ذراعاكِ يلفّانني\ غافلٌ لا أحسّ بغير النار\ فمي على صدرك يستدرّ الحب والرحمة\ وعيناي ورائي تتملّيان الرعب». ولا بد من الإشارة هنا إلى إلحاح صايغ على ابتكار أسلوبه الخاص وسط أقرانه ومجايليه، هو الذي دفعه على الأرجح إلى البحث عن رموزه الخاصة به، حيث وجد ضالته في أسطورة الكركدن، أو وحيد القرن، الذي يقوده سعيه الدائم خلف فتاة عذراء إلى حتفه المأساوي، والوقوع في قبضة الصيادين.
أما على المستوى الأسلوبي والفني، فتبدو تجربة توفيق صايغ غريبة بدورها، وشبه منبتة عن السياقات الحداثية المماثلة لدى الرواد المؤسسين. فهو إذ يجانب العبارات الطويلة السيالة والتدفق الغنائي التلقائي، يحرص بالمقابل على صياغة جمل محكمة ومتينة السبك، دون أن يجهد نفسه في إخفاء شبهة التأليف والكدح الأسلوبي. وهو ما دفعه، على طريقة سعيد عقل، إلى استمراء الاشتقاقات اللغوية واللعب بالضمائر، من مثل «وهبتكها» و«عرّفتكها» و«بحْلقتها» و«آكلناك»، أو رفد معجمه الشعري الخاص بالكثير من المفردات المحكية المتداولة، من مثل «تتقربط» و«تشحشطتُ» و«حسْمستُ» وغيرها. كما أن غياب الوزن التقليدي عن أعمال الشاعر، لا يمنع القارئ المتفحص من أن يلاحظ الحضور القوي للإيقاع في هذه النصوص، سواء عبر التناظر الإيقاعي شبه المتساوي بين الجمل، أو عبر المغالبة مع الأوزان التي لا ينجح صايغ على الدوام في تجنبها، كما في قوله «ثم ماذا يقْلب الملهاة مأساة»، وهو على بحر الرمل، أو قوله «أسرعي أسرعي، يا خيول الظلامْ»، وهو على «المتدارك»، بما يُكسب التساؤل عما إذا كان تجاوز الشاعر لبحور الخليل قد تم عن إرادة واعية لا عن جهل بها، مشروعيته التامة. أما التركيب الخاص للجمل في شعر صايغ، كتقديم المفعول به على الفاعل، أو الخبر على المبتدأ، فلعله عائد إلى نشأته الدينية، وتأثره بلغة الكتاب المقدس ولغة الأناجيل، سواء من حيث رموز الألم والجلجلة والفداء والقيامة، أو من حيث صيغ الابتهال والتضرع والنداء والتعجب والاستفهام، أو عبر العصب التعبيري المشدود على توتر، الذي يختلف تمام الاختلاف عن العناصر البلاغية والجمالية للأسلوب القرآني. أما العنصر الآخر الذي لعب دوراً بارزاً في تحديد ملامح تجربة الشاعر فهو اطلاعه الواسع على الأدب الغربي، والأنجلوسكسوني على نحوٍ خاص. وهو ما انعكس بشكل جلي في نصوصه وأعماله النقدية التي تنم عن ثقافة واسعة وذكاء متوقد، كما انعكس في ترجماته الحاذقة للأدبين الأميركي والإنجليزي، وفي تأثره الواضح بتجارب ت. س. إليوت ونيتشه وييتس ووالاس ستيفنز وغيرهم.
قد لا يعوزنا أخيراً الانتباه إلى أن توفيق صايغ يجسد في شعره وحياته كل مواصفات البطولة التراجيدية وعناصرها. فهو المنفي عن الوطن، وفيه، وهو المختلف لغةً وتجربةً وأسلوباً. وهو طريد الجغرافيا وشريد المرأة وشهيدها. وهو يتشاطر مع يوسف الخال نزوعه اللاهوتي وتجربته الصحافية الرائدة والمضنية. ويتقاسم مع أنسي الحاج مروقه اللغوي ولقب «القديس الملعون». وهو يبدو الترجمة الحية لبطل توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، وسهيل إدريس في «الحي اللاتيني»، والطيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال». وهو يتقاسم مع صلاح عبد الصبور الخنجر إياه الذي فطر قلبيهما معاً على مذبح الاتهام بالخيانة. ليس بالمستغرب تبعاً لذلك أن تبلغ تجربة الشاعر ذروتها الأخيرة في قصيدته الأجمل «من الأعماق صرخت إليك يا موت»، حيث، أبعد من ربقة البلاغة، يهتف صايغ بالمرأة - اللغة قائلاً: «اركضي اركضي\ اصعدي الجبال واعبري المجاري\ سأبقى الريح والطيرَ والضوءَ ووعودَ المحبين\ لا تعرجي بي على المراعي الخصبة بالهشيم\ ومستنقع الشيخوخة الكدِر\ فوحدكِ أُحبّ\ ووحدكِ تعرفين منجاي وبيتي وعَدْني\ اقرَبي يا مسعفي ومرشدي ومخلّصي وأمي\ اركضي بي أيتها الشهر زاد الحديثة\ تفتضّ كل ليلة شهرياراً وتمتصّه حتى الفناء».



بيروت تستضيف النسخة الأولى من «مهرجان الفيلم الإيطالي»

من الأفلام المشوّقة في المهرجان «الثقة» لدانيال لوشيتي (السفارة الإيطالية)
من الأفلام المشوّقة في المهرجان «الثقة» لدانيال لوشيتي (السفارة الإيطالية)
TT
20

بيروت تستضيف النسخة الأولى من «مهرجان الفيلم الإيطالي»

من الأفلام المشوّقة في المهرجان «الثقة» لدانيال لوشيتي (السفارة الإيطالية)
من الأفلام المشوّقة في المهرجان «الثقة» لدانيال لوشيتي (السفارة الإيطالية)

تُثابر السفارة الإيطالية لدى لبنان على إقامة النشاطات التي توطّد العلاقة الفنية بين إيطاليا ولبنان. وعبر «المعهد الثقافي الإيطالي» فيها تترجم هذه العلاقة بروزنامة عمل تزدحم بالمعارض والمهرجانات.

وفي 24 يناير (كانون الثاني) الحالي ينظّم «المعهد» النسخة الأولى من «مهرجان الفيلم الإيطالي» في بيروت. وبالتعاون مع سينما «متروبوليس» سيُسلّط الضوء على أفضل أعمال السينما الإيطالية المعاصرة.

يتضمن المهرجان 11 عرضاً جميعها معاصرة، ما عدا فيلم الختام الذي يعود إنتاجه إلى عام 1922.

وتُستهل ليلة الافتتاح بالشريط السينمائي «فيرميليو» للمخرج ماورا ديلبيرو. تدور أحداثه في عام 1944، ويحكي الفيلمُ، المرشحُ لنيل جائزة «الأوسكار»، عن الشاب «بييترو» الهارب من الحرب. يتجه إلى قرية «فيرميليو» الجبلية النائية، وهناك يقع في حب ابنة الأستاذ المدرسي. فتنقلب حياة الجميع رأساً على عقب.

تُعرض جميع أفلام المهرجان في صالات سينما «متروبوليس» التي افتُتحت أخيراً بمنطقة مار مخايل. ومن الأفلام التي تستضيفها «نونوستانتي» للمخرج فاليريو ماستاندريا. عنوان الفيلم يعني «أشعر بتحسن». ويتناول قصة رجل يجد في دخوله المستشفى أفضل مكان للهروب من إيقاع يومياته المضني. هناك شخص جديد يدخل حياته ويضعه أمام تحدّيات عدة. يستغرق الفيلم 93 دقيقة ويُعرض في الثامنة من مساء السبت 25 يناير الحالي.

ينطلق مهرجان الفيلم الايطالي في 24 يناير (السفارة الايطالية)

ومن الأفلام الأخرى المشاركة في المهرجان «الصيف مع إيرين»، و«فاميليا»، و«فيتا أكانتو»، و«رسائل من سيسيليا».

فيلم «الثقة» لدانيال لوشيتي، يرتكز على قصة كِتابٍ لدومينيكو ستارنون، تدور حول الثقة وتأثيرها على العلاقات العاطفية؛ وكيف يمكن للخوف أن يترك بصماته على حياتنا مدى الحياة.

ومن الأفلام التي تدور أحداثها في القرن الـ18 «غلوريا». ويحكي عن خادمة تعمل في معهد للموسيقى خاص بالفتيات، ولأنها تلتزم الصمت دائماً، فلم تُكتشف موهبتها في العزف على البيانو إلّا بعد مدة. وتتحوّل الفتاة، واسمها «تيريزا»، لاحقاً إلى واحدة من أهم العازفين في «المعهد».

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يشير أنجيلو جوي، مدير «المعهد الثقافي الإيطالي»، إلى أهمية هذه الخطوة التي تُقام لأول مرة في لبنان. كما يشير إلى أن العلاقة السينمائية بين البلدين كانت على أَوْجها إلى حين اندلاع الحرب اللبنانية في منتصف السبعينات من القرن الماضي. ويتابع: «كانت الأفلام الإيطالية حينها تلاقي تقديراً واسع النطاق وتحظى بالاحتفال هنا. وهو ما كان يشكّل جزءاً لا يتجزأ من المشهد الثقافي المحلي. ومع ذلك، منذ ثمانينات القرن العشرين، فقد تضاءل هذا الحضور تدريجياً. وعبر هذا المهرجان، نسعى إلى إعادة إحياء الصّلة، وتنشيط التقدير للسينما الإيطالية. وهذه الوسيلة كانت تاريخياً جسراً ثقافياً بين بلدينا».

«فيرميليو» معه تُفتتح فعاليات المهرجان (السفارة الايطالية)

الاحتفاء بالسينما الإيطالية في لبنان، بعد فترة انقطاع، ينبثق من طموح مزدوج. كما يذكر مدير «المعهد الثقافي الإيطالي» في لبنان. ويتمحور حول تسليط الضوء على ثراء السينما الإيطالية المعاصرة وحيويتها. وفي المقابل، يُعيد النظر إلى الكلاسيكيات، فيستحضر روائع خالدة لا تزال تُشكّل الخيال السينمائي العالمي. كما يبرز التشابك بين العنصرين؛ المعاصر والتراثي.

ويختم أنجيلو جوي قائلاً: «نهدف عبر هذا الحدث إلى تقديم رؤية للسينما الإيطالية ذات صلة بالحاضر ومتناغمة مع الماضي».

ويستعد «المعهد الثقافي الإيطالي» لإقامة نشاطات ثقافية أخرى خلال عام 2025؛ من بينها ما يتعلّق بـ«يوم التّصميم الإيطالي». وهو حدث ينتظره اللبنانيون من عام إلى آخر. وتُستضاف خلاله أسماء شهيرة في هذا المجال من إيطاليا.

فيلم الختام سيكون مع «E piccerella» ويتخلله عزف موسيقي إلكتروني (السفارة الايطالية)

ومن الأفلام المميزة المشاركة في المهرجان «إي بيتشيريلّا E piccerella» للكاتبة والمنتجة إلفيرا نوتاري التي تعدّ أول اسم نسائي إيطالي يدخل عالم الإخراج السينمائي. وينتمي الفيلم إلى فئة الأفلام الصامتة بالأبيض والأسود، وقد أُنتج عام 1922، وفي المهرجان الإيطالي سيكون «العرض الأول (Premiere)» له عالمياً. ومعه يختتم المهرجان فعالياته فيُعرض في 2 فبراير (شباط) المقبل.

يذكر أن الفيلم ترافقه موسيقى إلكترونية يعزفها مباشرة خلال العرض موريليو كاتشياتوري، وهو من أهم الموسيقيين الإيطاليين اليوم، وقد حائز جوائز عالمية تقديراً لإبداعه الفني. ومن أشهر معزوفاته «ولدي يحلم» التي أطلقها في عام 2016.