مصر تدخل رسمياً نادي الـ100 مليون نسمة

حسب إحصاء لتعداد السكان داخل البلاد

ساعة التعداد السكاني بجهاز التعبئة والإحصاء أمس  (إ.ب.أ)
ساعة التعداد السكاني بجهاز التعبئة والإحصاء أمس (إ.ب.أ)
TT

مصر تدخل رسمياً نادي الـ100 مليون نسمة

ساعة التعداد السكاني بجهاز التعبئة والإحصاء أمس  (إ.ب.أ)
ساعة التعداد السكاني بجهاز التعبئة والإحصاء أمس (إ.ب.أ)

في تمام الساعة الثانية ظهراً، بمستشفى سمالوط العام، في محافظة المنيا (التي تبعد عن القاهرة بنحو 240 كيلومتراً جنوباً)، سُمع الصوت الأول لياسمين ربيع، الطفلة التي تحمل رقماً مميزاً ومثيراً في التعداد السكاني المصري الداخلي، بعد أن أكملت أمس مائة مليون مصري، وفق محمود جلال مسؤول المواليد والوفيات بوزارة التخطيط المصرية.
وسجلت الساعة السكانية بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أمس، وصول المصريين في الداخل إلى مائة مليون نسمة في تمام الثانية ظهراً، ويمثل هذا التصارع في عدد السكان بمصر قوة ديموغرافية حسب الدكتور خالد حبيب خبير التنمية البشرية، الذي يرى أنّ «الزيادة السكانية تلتهم معدلات التنمية والخدمات»، لكنّه يرى في المقابل أن «المشروعات الحكومية الجديدة تعمل على استيعاب هذه الزيادة، بجانب برامج التضامن الاجتماعي ورفع مستوى معيشة المصريين».
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد جدد تحذيره في المؤتمر الأول لمبادرة «حياة كريمة» الذي عقد في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، من «الإنجاب غير المحسوب» قائلاً إنّ «اختصار دور الدولة أو العائلة في توفير الطعام والشراب فقط لأبنائها هو اختزال لا يليق».
وفي يوليو من العام الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5 في المائة من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017 – 2018، مقابل 27.8 في المائة لعام 2015 - 2016.
وتصدر صعيد مصر (جنوب البلاد) قائمة المحافظات الأكثر فقراً في الجمهورية، حيث سجلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7 في المائة، تلتها محافظة سوهاج بنسبة 59.6 في المائة، ثم الأقصر 55.3 في المائة، والمنيا 54 في المائة، ثم قنا 41 في المائة، بينما كانت محافظات بورسعيد والغربية ودمياط (شمال مصر) ضمن المحافظات الأقل فقراً.
مصر التي يطغى عليها اللون الأصفر، من الأعلى، حيث الصحراء، ويشقها خط أخضر متعرج، من الشمال إلى الجنوب، نهايته عند هرم مقلوب قاعدته تطلّ على البحر المتوسط، لا تزال تحافظ على مكانتها في المرتبة الثالثة عشرة بين دول العالم من حيث الكثافة السكانية، والثالثة أفريقياً، والأولى عربياً.
مليونان ونصف مليون نسمة هو عدد الزيادة السكانية السنوية في مصر، الذي يتساوى مع إجمالي تعداد سكان مصر خلال بداية القرن التاسع عشر، وفقاً لما دونه علماء الحملة الفرنسية في كتاب «وصف مصر» الصادر عام 1809.
تصريحات الحكومة المصرية تؤكد أنّها ليست سعيدة بالمولود رقم 100 مليون داخل البلاد، لا سيما بعد حملات وتحذيرات عدة دشنتها للحد من تزايد معدلات الإنجاب والاكتفاء بمولودين فقط، لكن كل الحملات الإعلانية المرئية والمسموعة والمكتوبة، لم تفلح في تأخير الإعلان عن الرقم 100 مليون، إذ تتخطى المرأة المصرية النسب العالمية لمتوسط الإنجاب على مستوى العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، التي تؤكد أنّ متوسط إنجاب المرأة المصرية للأطفال يتراوح ما بين ثلاثة ونصف، إلى أربعة أطفال، بالمقارنة بالمعدل العالمي طفلان ونصف.
وتشهد مصر ولادة نحو 200 طفل كل ساعة، وفق جهاز الإحصاء الرسمي، وتسعى الحكومة التي تحذر باستمرار من خطر الزيادة السكانية إلى إيجاد حلول عاجلة لمواجهة الظاهرة، عبر عدة مبادرات وحملات إعلانية، من بينها «اتنين كفاية» التي تعد أحدث مبادرات مواجهة الزيادة السكانية، أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي العام الماضي.
ووفق خبراء فإنّ تفعيل هذه المبادرة خلال السنوات المقبلة سيكون التحدي الأكبر أمام الحكومة المصرية، التي أطلقت العام الماضي مبادرة ناجحة للكشف عن الإصابة بـ«فيروس سي» حملت اسم «100 مليون صحة» استجاب لها 49 مليون مواطن، بعد الربط بين الحصول على شهادة الحملة والتقديم للوظائف.
وتقدر السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، أعداد المصريين المقيمين بالخارج بنحو 14 مليون مواطن.
ربط إتمام عقود الزواج بمحو أمية غير المتعلمين، ووقف زواج القاصرات، للسيطرة على ثقافة كثرة الإنجاب بغض النظر عن الظروف المادية والاجتماعية للعائلة، من الحلول التي يقترحها دكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «اهتمام الحكومة المصرية بالأزمة السكانية خلال ستينات القرن الماضي، وخصوصاً بعد أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإنشاء المجلس القومي للسكان، جاء متأخراً نحو ثلاثين عاماً».
ويعود أول تعداد سكاني في مصر إلى عام 1847، خلال عهد محمد علي باشا «مؤسس مصر الحديثة» وأطلق عليه اسم «تعداد النفوس»، وقتها كان عدد المصريين يبلغ 4 ملايين نسمة، يتمركزون حول منطقة الوادي والدلتا بالقرب من مجرى النيل شمالاً، في نسبة لا تتعدى 6 في المائة من المساحة الكلية التي تزيد على مليون كيلومتر مربع.
لكن في ستينات القرن الماضي كان عدد سكان «المحروسة» يقترب من 40 مليون نسمة، وتتذكر الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس تحذيرات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المتكررة من خطورة الزيادة السكانية. وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الدولة حينئذ لجأت إلى سلاح القوة الناعمة المتمثل في السينما والإعلام لمواجهة هذه الظاهرة».
وتؤكد خضر أنّ «دور الإعلام والسينما خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي كان مؤثراً جداً، بجانب مجهود الحكومة في مجال تقليل معدلات الإنجاب». لكنها ترى أنّ «هذه الجهود أعقبتها فترات انقطاع، وعدم تواصل بين البرامج المختلفة، ما ساهم في زيادة التعداد السكاني»، وهو الأمر الذي تشدد عليه لتفادي تكرار الوقوع في هذا الخطأ في الخطط المقبلة.
ويعد فيلم «أفواه وأرانب» الذي أُنتج عام 1977، أحد أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت مشكلة الزيادة السكانية عبر سرد حكاية «نعمة» التي لعبت دورها الفنانة الكبيرة الراحلة فاتن حمامة، وجسدت شخصية فتاة فقيرة تعول أختها وزوجها وأولادهما التسعة، ولم تكن تستطيع توفير حاجتهم اليومية من الطعام والشراب، قبل أن يتبنى الفيلم في نهايته رسالة واضحة بضرورة تحول جميع أفراد الأسرة لقوة منتجة في المجتمع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».