الناصرية تعود إلى واجهة الأحداث... وواشنطن تنبه رعاياها

مقتل متظاهر وإصابة 3 بجروح في مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين

محتجون يغلقون طريقاً بحرق إطارات في الناصرية جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)
محتجون يغلقون طريقاً بحرق إطارات في الناصرية جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)
TT

الناصرية تعود إلى واجهة الأحداث... وواشنطن تنبه رعاياها

محتجون يغلقون طريقاً بحرق إطارات في الناصرية جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)
محتجون يغلقون طريقاً بحرق إطارات في الناصرية جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)

بعد نحو أسبوعين على آخر توتر أمني شهدته مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار الجنوبية واندلع نتيجة قيام مسلحين بحرق خيام المعتصمين في ساحة الحبوبي، تجددت التوترات الأمنية، أمس، بين المتظاهرين والقوات الأمنية، وأسفرت عن مقتل متظاهر واحد وإصابة 3 آخرين، استناداً إلى جماعات الحراك هناك.
وقام المتظاهرون في ساعة مبكرة من يوم أمس، بقطع 3 جسور حيوية، هي: «النصر» و«الحضارات» و«الزيتون»، تربط شطري المدينة التي يقطعها نهر الفرات. كذلك عمدوا إلى إغلاق تقاطع «البهو» القريب من ساحة الحبوبي بالإطارات المحترقة.
وكانت محافظة ذي قار أعلنت، أول من أمس، عطلة رسمية على خلفية توتر الأوضاع في الناصرية عقب تصريحات أدلى بها قائد الشرطة ودعا فيها المتظاهرين إلى عدم قطع الطرق وعدم إرغام الكليات على الإضراب، والسماح بعودة الحياة الطبيعية، مما أثار حفيظة بعض الأطراف الاحتجاجية ودفعها إلى قطع الطرق ومحاولة منع طلبة الجامعات من الالتحاق بمقاعد الدراسة.
ويقول الناشط رعد محسن الغزي إن «بعض الشباب المتشددين داخل جماعات الحراك والذين ما زالوا يؤمنون بالتصعيد ضد السلطات عبر قطع الطرق وحرق الإطارات، ذهبوا إلى كلية الطب الحكومية وجامعة العين الأهلية لإرغام الطلبة على الإضراب، فمنعوا من دخول كلية الطب، وحدثت بينهم وبين حراس جامعة العين مصادمات مؤسفة أودت بحياة أحدهم وأدت إصابة 3 منهم». ويؤكد الغزي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتجاه العام اليوم داخل جماعات الاحتجاج ليس مع فرض الإضراب بالقوة، والناشطون يرون أن مهمتهم في الساحات دعوة الطلبة إلى الإضراب والأمر بعد ذلك متروك لهم». ويضيف: «كثير من المحتجين والمتظاهرين عدّوا أن سلوك بعض المتظاهرين غير مقبول، لأنه قد يؤدي إلى إثارة غضب سكان المدينة التي خرج المتظاهرون من أجل استعادة حقوقهم». ولفت الغزي إلى أن «حدة المواجهات تراجعت بعد فترة الظهيرة، وعادت الحياة الطبيعية إلى شوارع المدينة».
وفي العاصمة بغداد، شهدت ساحة التحرير حضور أعداد كبيرة من المتظاهرين، لكنها لم ترقَ إلى الأعداد التي حضرت في الأيام السابقة، كما لم تشهد بغداد احتكاكات بين المتظاهرين وقوات الأمن. وأمام مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي القريبة من ساحة الطيران في الباب الشرقي، تظاهر العشرات من أصحاب الشهادات العليا (ماجستير ودكتوراه)، وأعلنوا اعتصاماً مفتوحاً لحين تحقيق مطالبهم المتمثلة في التعيين وتوفير فرص العمل. وتعدّ قضية حملة الشهادات العليا من بين الأسباب المهمة والمحرضة التي أدت إلى اندلاع المظاهرات العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث اخفقت حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في التعامل مع اعتصام نظمه حملة الشهادات العليا أمام مكتبه في منطقة العلاوي ببغداد في شهر يوليو (تموز) 2019، لكن قوات مكافحة الشغب وبأوامر صادرة من رئاسة الوزراء فضت الاعتصام بالقوة مما أثار موجة انتقادات شديدة في حينها ضد عبد المهدي وحكومته.
وفي النجف، أعلنت مديرية الشرطة، أمس، استمرارها في تأمين منطقة ساحة المظاهرات وحماية المعتصمين في المحافظة. وقالت المديرية في بيان إن «قائد شرطة النجف العميد فائق فليح الفتلاوي، وجه أفواج طوارئ النجف بالإشراف المباشر ومدير قسم النجدة لتأمين ساحة التظاهر وحماية المتظاهرين وتقديم كافة المساعدة لهم في ساحة (الصدرين)». وأضافت الشرطة أن «الأجهزة الأمنية تنتشر من أجل توفير الحماية لساحة المظاهرات واتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على أمن وسلامة المتظاهرين».
وشهدت ساحة «الصدرين» التي يعتصم بها متظاهرو النجف هجوماً شنه الأسبوع الماضي مؤيدون لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قتل وأصيب فيه عدد من المعتصمين، مما دفع بالمرجعية الدينية في النجف والمتظاهرين إلى مطالبة القوات الأمنية بتوفير الحماية للمتظاهرين وساحات الاعتصام.
وفي النجف أيضاً، أعلنت القنصلية الإيرانية، أمس، استئناف نشاطاتها بالتزامن مع الذكرى السنوية للثورة الإسلامية في إيران. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن القنصل العام في النجف حميد مكارم، قوله إن «القنصلية استأنفت نشاطاتها بعد توقف دام شهرين». وعمد متظاهرون في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى حرق السياج الخارجي للقنصلية الإيرانية في النجف مرتين متتاليتين. من جهة أخرى؛ أصدرت السفارة الأميركية في بغداد، أمس، تنبيهاً لرعاياها بشأن المظاهرات التي قد تنطلق في بغداد والنجف خلال الأيام الثلاثة المقبلة. وقال بيان للسفارة إنه «وفقاً للتقارير، من المتوقع أن تجري مظاهرات وفعاليات ومواكب واسعة النطاق في بغداد في الفترة من 11 إلى 13 فبراير (شباط)، وكذلك في النجف في 14 فبراير، كما هي الحال مع المظاهرات السابقة وإغلاق الطرق». وأضاف أن «العمليات القنصلية العامة في بغداد لا تزال معلقة، ويجب على المواطنين الأميركيين عدم الاقتراب من السفارة الأميركية في بغداد». وتابع بيان السفارة أن «القنصلية الأميركية العامة في أربيل مفتوحة للتأشيرات ومواعيد خدمات المواطن الأميركي، بما في ذلك إصدار جواز السفر». ودعا بيان السفارة «مواطني الولايات المتحدة في العراق أو المهتمين بالأسرة في العراق الاتصال بوزارة الخارجية». كما دعت رعاياها إلى عدم السفر إلى العراق وتجنب مناطق المظاهرات ومراقبة وسائل الإعلام المحلية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.