العلا تستعرض نموذجها المبتكر للتنمية المستدامة في المنتدى العالمي بأبوظبي

تكشف عن مخططها الذي يتضمن 12 مبدأ استراتيجياً للنمو الاقتصادي لحماية النظم البيئية والمواقع الثقافية

المدينة القديمة في العلا تتميّز بمقوماتها الطبيعية الساحرة (الشرق الأوسط)
المدينة القديمة في العلا تتميّز بمقوماتها الطبيعية الساحرة (الشرق الأوسط)
TT

العلا تستعرض نموذجها المبتكر للتنمية المستدامة في المنتدى العالمي بأبوظبي

المدينة القديمة في العلا تتميّز بمقوماتها الطبيعية الساحرة (الشرق الأوسط)
المدينة القديمة في العلا تتميّز بمقوماتها الطبيعية الساحرة (الشرق الأوسط)

تستعرض الهيئة الملكية لمحافظة العلا نموذجها المبتكر للتنمية المستدامة في العلا خلال مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي العاشر التي تستضيفه العاصمة الإماراتية أبوظبي من 8 إلى 13 فبراير (شباط) الحالي، حيث تمتاز المنطقة بالجمال الطبيعي والتّراث الإنساني الاستثنائي وتضم أول مواقع المملكة العربية السعودية المدرجة ضمن قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي «الحجر».
وتستند الخطط التنموية إلى ميثاق العلا - وهي وثيقة إطارية تتضمن 12 مبدأ توجيهياً - تلتزم من خلالها الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالتطوير المستقبلي طويل الأجل، الذي يحمي ويحافظ على المشهد الطبيعي والثقافي المذهل في العلا، مع تطويرها كوجهة عالمية للتراث والفنون والثقافة.
كما تلتزم الهيئة بالاستثمار في مقومات العلا كافة، ليس فقط في مشهدها الطبيعي الساحر، بل أيضاً في أعظم أصولها، وهم أهل العلا الذين يبلغ عددهم 45 ألف مواطن، يعيشون ويعملون على مساحة هائلة، تماثل ثلثي مساحة بلجيكا، وطالما مثلت ملتقى للحضارات والثقافات المختلفة على مدى من 7 آلاف سنة.
وتقع العلا في الشمال الغربي للسعودية، على مساحة تتجاوز 22 ألف كيلومتراً مربعاً، ويجري تطويرها لتتحول إلى متحف حي مفتوح للعالم، وفقاً لاستراتيجية واضحة ومحددة ومخطط رئيسي يرتكز إلى التنمية الحضرية التي تحافظ على الخصائص البيئية والتاريخية للمكان، والتي تتماشى بشكلٍ تام مع موضوع المنتدى لهذا العام «ربط الثقافة بالابتكار».
ويتمثل حجر الزاوية الرئيسي لبرنامج التنمية الحضرية في تعزيز وصقل المهارات وتسريع الازدهار المجتمعي من خلال تطوير البنية التحتية والمبادرات المجتمعية التي تسهم في تحسين مرافق التعليم والرعاية الصحية.
وتسهم هذه المبادرات والبرامج في تمكين أهل العلا من تأسيس أعمالهم التجارية الخاصة، وتوفير التدريب عالمي المستوى والتعليم العالي بالخارج في القطاعات الرئيسية، من الضيافة والتموين، وعلم الآثار، وإدارة الحياة الفطرية إلى إدارة الأعمال، في كلٍ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا.
وستركز التنمية الحضرية على المناطق العمرانية الحالية في العلا والمناطق الجنوبية من المنطقة، مع الحفاظ على 80 في المائة من مناطق العلا من دون المساس بها، بما في ذلك بلدة العلا القديمة التاريخية.
يوفر المنتدى للهيئة الملكية لمحافظة العلا، من خلال مشاركتها، الفرصة لاستعراض كيفية تطبيق مبادئها الاستراتيجية في مخططها الرئيسي الشامل لتطوير محافظة العلا، وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.
من جانبه، قال عمرو المدني، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا إنّ استراتيجية الهيئة التي تتماشى مع استراتيجية المنتدى، تعكس إيماننا بالثقافة بصفتها ركيزة للتنمية المستدامة وتطوير المناطق الحضرية على المدى الطويل. ونتطلّع إلى مشاركة رؤيتنا وتفاصيل المراحل الأولى من مخططنا الرئيسي في هذا المنتدى العالمي في أبوظبي، التي باتت الآن حقيقة واقعة تظهر التزامنا بعملية التحول في العلا، والتي تضع التنمية البشرية أولاً قبل التنمية المادية للمكان بينما نواصل رحلتنا عبر الزمن.
وأشار المدني إلى أنّ تطوير المخططات الرئيسية للهيئة الملكية لمحافظة العلا جاء عبر برامج مرحلية لدمج المبادئ التوجيهية الاثنتي عشرة للميثاق، وضمان العمل بها في أربع مناطق جغرافية رئيسية.
من جانبها، قالت فرانشيسكا أريتشي، رئيسة قطاع التخطيط الحضري والعمراني بالإنابة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، والمسؤولة عن تطوير المخططات الرئيسية للهيئة إنّ العمل كان على تطوير المخططات الرئيسية معقد، ولكنّه مهم للغاية، وأضافت: «استفدنا من رؤى الخبراء الدّوليين وأفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، وكذلك الآراء والمقترحات من مجتمع العلا لضمان تحقيق التنمية المستدامة التي تحافظ على الخصائص الطبيعية والتاريخية للمكان، والتي تفي، في الوقت ذاته، بجميع أهدافنا. وقد بدأنا الآن في الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، من خلال العمل بالشراكة مع أهل العلا». موضحة أنّ أبرز العناصر الأولى للمخطط الرئيسي، هو الإعلان عن المرحلة الأولى لنظام تصاريح البناء الجديد، والمتوقع الإعلان عنه في شهر مارس (آذار) المقبل، وكذلك تدشين ستوديو خاص للتصميم في المحافظة، لوضع إرشادات جديدة للتصميم المعماري والعمراني في المنطقة.
وتتمثل المبادئ التوجيهية الاثنتا عشرة لميثاق الهيئة في حماية المناظر الطبيعية والمعالم الثقافية، وتطوير وجهة عالمية للتراث والثقافة والفنون، وضمان استدامة الحياة الفطرية والنظام البيئي، وتعزيز الممارسات الزراعية المتوازنة، وتطوير القطاع السياحي مع الحفاظ على الخصائص الطبيعية والتاريخية الفريدة للمكان، وتطوير شبكات الطرق والمواصلات من دون التأثير على البيئة، وإعادة الإحياء والترميم والتجديد، وتطوير وتمكين المجتمع المحلي، ودمج البنية التحتية الإبداعية في جميع النظم ونظام أمني غير مرئي وتصميم أماكن ومنتجات وأنظمة آمنة وصحية ضمن منظومة الاقتصاد الدائري واستخدام التصميم الاستباقي.
ووجهت الهيئة الملكية لمحافظة العلا الدعوة للحضور في المنتدى الحضري العالمي بأبوظبي لزيارة جناحها في الصالة رقم 7 جناح رقم 41.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)