تبون يتعهّد بدستور «يضمن فصل السلطات وإصلاح الانتخابات»

«الحراك» الجزائري يواصل الضغط لانتزاع «تنازلات» أكثر من النظام

جانب من مظاهرات الشارع الجزائري وسط العاصمة للمطالبة بتغيير النظام (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات الشارع الجزائري وسط العاصمة للمطالبة بتغيير النظام (أ.ف.ب)
TT

تبون يتعهّد بدستور «يضمن فصل السلطات وإصلاح الانتخابات»

جانب من مظاهرات الشارع الجزائري وسط العاصمة للمطالبة بتغيير النظام (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات الشارع الجزائري وسط العاصمة للمطالبة بتغيير النظام (أ.ف.ب)

قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس، في «رسالة» إلى المحامين الذين كانوا في اجتماع بالعاصمة، إن الهدف من تعديل الدستور الذي يجري الإعداد له «هو إرساء أسس الجمهورية الجديدة على قواعد دائمة، لا تتأثر بزوال الرجال؛ لأنها ستحمي البلاد نهائياً من الفساد والانحراف الاستبدادي، وتكرّس الديمقراطية الحقّة، القائمة على الفصل الفعلي بين السلطات، وحماية حقوق وحريات المواطن، مما يجعل من التداول السلمي على السلطة حقيقة ملموسة، تعزّز الثقة بين الحاكم والمحكوم».
وذكر تبون في رسالته التي قرأها الوزير المستشار، المتحدث باسم الرئاسة محمد السعيد، أن التعديل المرتقب «يتضمن محاور عديدة، منها مسألة الفصل بين السلطات وتوازنها، وإدخال إصلاح شامل على قطاع العدالة بهدف تعزيز استقلالية السلطة القضائية، باعتبارها أهم ركيزة من ركائز دولة الحق والعدل والقانون، في ظلّ ممارسة ديمقراطية يشعر فيها المواطن فعلاً بأنّ له رأياً يُؤخذ به، وأنه شريك في صنع القرار السياسي، ومعني بمصير بلاده، مقيم للتوازن بين الحقوق والواجبات».
وأضاف تبون موضحاً في رسالته أن التعديل الدستوري «سيسعى أيضاً إلى تعزيز آليات الوقاية من الفساد ومكافحته بصفة دائمة ومستمرة، حتّى نُؤسّس لبيئة سليمة من آفة الفساد، حاضنة لمنافسة شريفة مدفوعة بروح المسؤولية وحبّ الوطن، ومحصّنة بالأخلاق والقيم الفاضلة».
في غضون ذلك، تواصل أمس الحراك الشعبي في العاصمة وعدة مدن أخرى، حاملاً شعارات كثيرة تعبر في مجملها عن رفضها للنظام الجديد؛ لكن يبقى شعار «نصف العصابة في السجون والنصف الآخر مع تبون، والصحافة تخسر الحراك، والقاضي يخون بالتليفون»، الشعار الأبرز في حراك أمس، الذي دخل أسبوعه الـ51، والذي كان بمثابة رسالة ثلاثية. واحدة للرئيس عبد المجيد تبون، وتعني أنه ينتمي لجماعة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (توصف بالعصابة)، وبالتالي لا شيء تغير في النظام. وثانية لوسائل الإعلام التي لا تغطي منذ أشهر المظاهرات بسبب ضغوط السلطة. والرسالة الثالثة للقضاء الذي يحكم بسجن المتظاهرين «بناء على أوامر بالهاتف»، وهي كناية عن الخضوع لإملاءات السلطة.
ودوّى هذا الشعار في شوارع «عسلة حسين»، و«ديدوش مراد»، و«حسيبة بن بوعلي»، وبـ«ساحة أودان»، و«ساحة أول ماي»، بالعاصمة، وهي أشهر الأماكن التي يتجمع فيها المتظاهرون. وبدأ أمس أن الحراك، قياساً إلى كثرة عدد المحتجين، مصمم على مواصلة ضغطه على السلطة الجديدة لانتزاع «تنازلات»، يأتي على رأسها الإفراج عن عشرات المعتقلين، بعضهم في الحبس الاحتياطي، وآخرون يقضون أحكاماً بالسجن تتراوح بين 6 أشهر و18 شهراً. كما يوجد كثير من المتظاهرين بحالة إفراج، في انتظار تحديد تاريخ المحاكمة.
ورفع المتظاهرون في العاصمة والمدن الكبيرة بالشرق والغرب، صور أشهر المعتقلين السياسيين، من بينهم فضيل بومالة الذي سيحاكم في التاسع من الشهر، وعبد الوهاب فرساوي رئيس أهم تنظيم شباني تعرض كل قادته للسجن، والناشط السياسي كريم طابو.
وأفرج الأسبوع الماضي عن الناشط سمير بلعربي، بناء على حكم ببراءته من تهمة «إضعاف معنويات الجيش»، وعد الحكم خطوة إيجابية في «ملف مساجين الحراك». كما رفع صحافيون متظاهرون صورة سفيان مراكشي، مراسل فضائية عربية بالجزائر، سجن منذ أربعة أشهر بسبب استخدام عتاد للبث التلفزيوني، قالت أجهزة الأمن إنه محظور.
وأعلن بادي عبد الغني، وهو أشهر محامي المساجين، عن اعتقال ناشط بارز أمس في مدينة سطيف (شرق) يدعى إسلام طبوش، قبيل المظاهرات التي عاشتها المدينة. وكتب عبد الغني بحسابه في «فيسبوك» أن إسلام اتصل به قبل أيام، وأخبره أنه يتعرض لمضايقات أمنية؛ مؤكداً أن أخباراً بلغته عن اعتقال نشطاء في بيوتهم بسطيف.
وتواجه السلطة الجديدة انتقادات حادة في موضوع المظاهرات والمعتقلين، ذلك أن الرئيس تبون تعهد مرات عديدة بـ«رفع المضايقات عن الحراك»، الذي وصفه بـ«المبارك»؛ لكن في الميدان حدث عكس هذه التعهدات؛ حيث تطارد قوات الأمن المتظاهرين، وتمنع الاحتجاجات في المناطق الداخلية.
من جهة ثانية، قدّمت الحكومة الجزائرية الجديدة، التي تُواجه أزمة سياسية واقتصادية خطيرة، مساء أول من أمس، الخطوط العريضة لـ«مخطط عملها» الهادف إلى إنعاش الاقتصاد، الذي تأثر خصوصاً جرَّاء انخفاض أسعار النفط.
وأوضح بيان صدر إثر اجتماع استثنائي للحكومة، ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أن مخطط عمل الحكومة يركز على «ثالوث التجديد الاقتصادي، القائم على الأمن الغذائي والانتقال الطاقوي والاقتصاد الرقمي». وشددت الحكومة في بيانها على «ضرورة الاستعجال باعتماد مراجعة عميقة لأنماط الحكامة، واستنباط قواعد جديدة لإنجاح سياسات التنمية، وخلق ديناميكية تفاعلية»؛ مبرزة أنها ستعمد - وفق مخطط عملها - إلى «وضع خريطة وطنية للاستثمار، بفتح فضاءات جديدة للعقار الصناعي، لا سيما في الهضاب والجنوب».
أما على الصعيد السياسي، فتشمل خطة عمل الحكومة بشكل خاص عدة آليات، أبرزها «إصلاح نظام الانتخابات» الذي تنتقده المعارضة. كما وعدت بالعمل على «ضمان حرية الاجتماع والتظاهر السلمي» في إطار «تعزيز سيادة القانون وتعزيز الديمقراطية الحقيقية».
من جهة ثانية، قالت الحكومة الجزائرية إنها ستسعى - من خلال خطة عملها - إلى «تدعيم الصحافة ووسائل الإعلام لممارسة نشاطها في ظل الحرية والاحترافية والتزام المسؤولية وأخلاقيات المهنة، كما تسهر على تقنين نشاط الصحافة الإلكترونية والإشهار». ويفترض أن يحال «مخطط عمل» الحكومة قريباً إلى البرلمان الجزائري.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.