«النقد الدولي»: تراجع أسعار النفط أهم التحديات الاقتصادية لدول مجلس التعاون

رجح صندوق النقد الدولي أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته بحلول عام 2040 (رويترز)
رجح صندوق النقد الدولي أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته بحلول عام 2040 (رويترز)
TT

«النقد الدولي»: تراجع أسعار النفط أهم التحديات الاقتصادية لدول مجلس التعاون

رجح صندوق النقد الدولي أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته بحلول عام 2040 (رويترز)
رجح صندوق النقد الدولي أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته بحلول عام 2040 (رويترز)

توقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع نمو الطلب العالمي على النفط بشكل كبير، وقد يصل إلى ذروته في العقدين المقبلين. وحث جميع الدول المصدرة للنفط على أن تبدأ على الفور في تقييم آثار ذلك على المدى الطويل، والنظر إلى ما وراء العوامل الجيوسياسية والدورية، مرجحا أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته بحلول عام 2040 تقريباً أو في وقت أقرب من ذلك، وأنه من المتوقع أيضاً أن يتباطأ نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، رغم أنه من المتوقع أن يظل إيجابياً في العقود القادمة... وسوف يضع ذلك تحديا كبيرا للاستدامة المالية أمام دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال الصندوق، في دراسة حول مستقبل سوق النفط والاستدامة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، إنه وفقاً للموقف المالي الحالي لمنطقة دول مجلس التعاون، سوف تتطلب الاستدامة المالية تعزيزاً كبيراً في السنوات القادمة، مشيرا إلى أن الحفاظ على الثروة الحالية بالكامل يتطلب إجراء إصلاحات مالية كبيرة في وقت مبكر. وتحذر الدراسة من أن إجراء الإصلاحات بشكل تدريجي ودون المعدل المطلوب، سوف يخفف عبء الإصلاحات على الجيل الحالي، ولكن سيكون ذلك على حساب الموارد المتاحة للأجيال القادمة.
وحثت الدراسة، التي تم رفع حظر عنها أمس، دول المجلس على أن تنظر إلى آثار تراجع الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل، بحيث تتمكن من الحفاظ على الاستدامة المالية وتقاسم الثروة مع الأجيال المقبلة.
وذكرت الدراسة أن التقدم التكنولوجي جعل سوق النفط تشهد تغييرات جوهرية، حيث تعمل التقنيات الحديثة على زيادة إمدادات النفط من المصادر القديمة والجديدة، في حين أن المخاوف المتزايدة بشأن البيئة تدفع العالم إلى الابتعاد تدريجياً عن الاعتماد على النفط. وهذا يمثل تحدياً كبيراً للبلدان المصدرة للنفط، وأهمها دول مجلس التعاون الخليجي التي تمثل خمس إنتاج النفط في العالم.
وأكدت الدراسة أن التكهنات والاستعداد لما بعد النفط أمر بالغ الأهمية للمناطق المصدرة للنفط، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط كجزء أساسي من إيراداتها. ورغم أن أهمية القطاعات غير النفطية قد ازدادت في العقود الأخيرة، فإن كثيرا منها يعتمد على الطلب القائم على النفط؛ إما في شكل إنفاق عام على عائدات النفط أو الإنفاق الخاص للثروة المشتقة من النفط.
وتضيف الدراسة أن هناك علامات متزايدة على أن سوق النفط تتغير، أهمها المخاوف المتزايدة بشأن البيئة والمناخ، والتي أدت إلى تشديد المعايير البيئية حول العالم. في الوقت نفسه، فإن التقدم التكنولوجي في صناعة النفط أدى إلى زيادة حجم وإنتاجية احتياطيات النفط التقليدية، واكتشاف الوقود الصخري سريع النمو. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري بمرور الوقت، حتى إن البعض بدأ يطلق على العصر المقبل «عصر وفرة النفط».
ويقول الصندوق إنه على الرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي أدركت بالفعل الطبيعة الدائمة لهذا التحدي، وبدأت تخطط بالفعل للتكيف المالي المستمر في سياق رؤاها الاستراتيجية طويلة الأمد، فإنه من غير المتوقع أن تتمكن جميع البلدان من تحقيق التكيف والحفاظ على استقرار واستدامة ثرواتها. وحث دول المجلس على ضرورة الإسراع في تطبيق الإصلاحات الهيكلية اللازمة في أسرع وقت، مشيرا إلى أن تحقيق الاستدامة المالية طويلة الأجل في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب أن ينخفض متوسط العجز المالي الأولي غير النفطي من المستوى الحالي، البالغ 44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، إلى أقل من 10 في المائة بحلول عام 2060.
وتضيف الدراسة أن تحقيق التحول المالي طويل المدى، في دول مجلس التعاون، سيتطلب تحقيق إصلاحات واسعة النطاق وخيارات صعبة حول نسب توزيع الأعباء بين الأجيال الحالية والقادمة، مشيرة إلى أن التنويع الاقتصادي المستمر سيكون مهماً في الأجل القصير؛ لكنه لن يكفي بحد ذاته. وستحتاج البلدان أيضاً إلى تكثيف جهودها لزيادة الإيرادات المالية غير النفطية وتقليل الإنفاق الحكومي، وإعطاء الأولوية للادخار المالي.
وتابعت أنه «رغم أن مراكز البدء المالي لا تزال قوية في سياق عالمي في أربع من دول مجلس التعاون الخليجي الستة، فإن التحديات المالية طويلة الأجل كبيرة. ومن شأن التعديل المالي التدريجي أن يخفف العبء عن الجيل الحالي، ولكن حجم التوحيد المالي المطلوب سيكون أكبر وسيتم نقل عبؤه على الأجيال المقبلة التي سترث مخزوناً أقل من الثروة».
وشهد سوق النفط تحولا كبيرا في السنوات الأخيرة، وكان الانخفاض المفاجئ وغير المتوقع في أسعار النفط لأكثر من 50 في المائة خلال الفترة 2014 - 2015 من بين الانخفاضات الكبرى في القرن الماضي. وقد تسببت هذه الصدمة في تحويل ما يقرب من 6.5 تريليون دولار من الدول المصدرة للنفط إلى البلدان المستوردة للنفط، في شكل انخفاض عائدات النفط التراكمي، بين عامي 2014 و2018. ولا تزال العديد من البلدان المصدرة للنفط تتعافي من آثار هذا الانخفاض.
وأدى انخفاض أسعار النفط لعام 2014 إلى عجز مالي كبير، لكنه دق ناقوس التحدي أمام الدول الخليجية للإسراع في تطبيق إصلاحات مالية واسعة النطاق. وبالفعل قامت الدول الخليجية بتطبيق حزمة واسعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية. ونتيجة لهذه الجهود، تراجع العجز الأولي من أكثر من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في عام 2014، إلى 44 في المائة في عام 2018، وتعافت معدلات الادخار الحكومية خلال هذه الفترة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما تعافت معدلات الادخار العامة أيضا.
وتقول الدراسة إن التغلب على تركة ما يقرب من عقد من الارتفاع الشديد في الإنفاق سوف تتطلب المزيد من الوقت والجهد. ورغم أن عمليات التوحيد المالي حتى الآن تمكنت من إيقاف الاتجاه الصعودي في الإنفاق الحالي، فإنها لم تعوض بالكامل تراجع عائدات النفط خلال الفترة 2014 إلى 2018.
وعانت معظم دول مجلس التعاون الخليجي من عجز مالي عام خلال هذه الفترة، ولجأت بعضها إلى خيارات مثل زيادة الاقتراض أو خفض أصول البنك المركزي، وصناديق الثروة السيادية لديها. ونتيجة لذلك، توقف تراكم الثروة العامة الكلي في المنطقة، بينما انخفض صافي الثروة المالية العامة خلال هذه الفترة.
ويتوقع الصندوق أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى نحو 115 مليون برميل يومياً بحلول عام 2041، ثم ينخفض تدريجياً بعد ذلك، متأثرا بالتقدم التكنولوجي وبعض العوامل الأخرى، أهمها: تباطؤ النمو السكاني وزيادة مستويات الدخول في الدول المستوردة للنفط. فوفقاً للتوقعات السكانية العالمية للأمم المتحدة 2019، من المتوقع أن ينخفض معدل النمو السكاني العالمي من 1.1 في المائة في عام 2018 إلى 0.6 في المائة بحلول عام 2046، كما أن ارتفاع مستويات الدخول في الدول المستوردة للنفط يصاحبه تراجع في حاجة هذه الدول من النفط لأنها ستعتمد على التكنولوجيا لتوليد الطاقة بشكل أكثر.


مقالات ذات صلة

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

الاقتصاد جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

أعربت دول الخليج عن بالغ قلقها تجاه التشريعين الأوروبيين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» التي انعقدت في العاصمة البحرينية الأربعاء (بنا)

البنك الدولي يرفع توقعاته لاقتصادات الخليج ويؤكد صمودها في مواجهة التحديات

رفع البنك الدولي توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026 إلى 4.5 في المائة، من توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد البديوي يتحدث في «قمة معهد ميلكن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا» في أبوظبي (إكس)

البديوي: الموقع الجغرافي والاستقرار السياسي يجعلان الخليج وجهة عالمية للاستثمار

أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج أن موقعها الجغرافي، واستقرارها السياسي، وقوة أسسها الاقتصادية، تجعلها وجهةً عالميةً جاذبةً للاستثمار.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» بالعاصمة البحرينية الأربعاء (بنا) play-circle

«بيان قمة المنامة»: 162 بنداً ترسم ملامح المستقبل الخليجي

جاء البيان الختامي للقمة الخليجية في المنامة محمّلاً برسائل عديدة تعكس توجهاً خليجياً أكثر صراحة نحو تعزيز الأمن المشترك، والدفع باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية

«الشرق الأوسط» (المنامة)
الخليج جانب من الاجتماع الرابع لمجلس التنسيق السعودي - البحريني في المنامة الأربعاء (واس) play-circle 00:42

وليا العهد السعودي والبحريني يرأسان الاجتماع الرابع لمجلس التنسيق المشترك

أشاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في برقيتي شكر للعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى، وولي عهده الأمير سلمان بن حمد، بنتائج القمة الخليجية 46 في المنامة

«الشرق الأوسط» (المنامة)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.