كم رائد فضاء تستطيع أن تذكر اسمه من دون استشارة «غوغل» أو «ويكيبيديا»؟ بالطبع من السهل تذكُّر نيل أرمسترونغ، وباز ألدرين، فهما أول رجلين وطئت أقدامهما سطح القمر. يجب أن تتذكر أيضاً مايكل كولينز، لكنه لم يكن من ضمن أوائل رواد الفضاء، لذلك لن يتبادر اسمه إلى ذهنك بسهولة.
قد تكون كريستينا كوك التي عادت إلى الأرض، أمس (الخميس)، اسماً آخر يجب أن نتذكره جيداً، فقد قامت هي وجيسيكا مائير بقيادة أول رحلة فضائية للسيدات. وعلى الرغم من أن كوك قادت ست رحلات وحققت رقماً قياسياً لأطول فترة زمنية في البقاء بالفضاء، وساهمت بشكل كبير في تطور علوم الفضاء، فإن جولتها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) كفيلة بأن تدوِّن اسمها بأحرف من نور في كتب التاريخ.
وعلى المنوال نفسه، فإن سالي رايد هي الأخرى أول أميركية تصعد إلى الفضاء، وإن كان كثيرون يجهلون إنجازاتها في تطوير الذراع الآلية لمكوك الفضاء. في جميع هذه الحالات، كانت صفة الأول مسألة توقيت لا أكثر، فقد كان القرار فيه في يد آخرين يحددون اسم رائدة الفضاء التي ستنطلق في رحلة ما لتكون أول امرأة في مجال ما.
ورغم ذلك، لم يكن الأمر سباقاً بين رائدات الفضاء للوجود في رحلات جميع أفراد طاقهما من السيدات. فمع عودة كوك إلى الأرض، كان هناك سبق جديد بانتظار الإعلان عنه: فقد قضت أطول فترة زمنية لرائدة في الفضاء بزمن بلغ 328 يوماً، حيث إن الرقم القياسي الأميركي لأطول إقامة فردية لرجل مسجَّل باسم سكوت كيلي الذي مكث في الفضاء 342 يوماً.
وحامل الرقم القياسي للوقت التراكمي هو بيغي ويتسون، الذي مكث في الفضاء 665 يوماً موزعة على ثلاث رحلات. تطوعت كوك للقيام بهذه المهمة في إطار تجربة طويلة الأمد، لكن المهمة لم تكن تحت سيطرتها المباشرة. فبينما نزهو الآن بالأرقام التي حققتها كوك، فإن الإنجازات التي جاءت ثماراً لجهودها المباشرة لا تزال غير واضحة.
فقد أجرت كوك بحثاً في الجاذبية الصغرى على الخضراوات لاستكشاف دور الجاذبية والفضاء في نمو وصحة النبات، سواء النمو الخلوي أو نمو الأنسجة. ولعل الأهم من ذلك أنها درست أيضاً تأثير نمو النباتات على المجتمع البشري، والهدف من ذلك هو معرفة إمكانية زراعة الخضراوات والغذاء في الفضاء، لما لذلك من أهمية كبيرة للبعثات طويلة المدى التي يجري إرسالها إلى القمر أو المريخ.
خلال إجراء الأبحاث على غرفة الاحتراق المتقدم عبر غرفة «تجارب الجاذبية الصغرى»، استكشفت كوك كيفية حدوث الحريق في الفضاء، حيث يمكن أن يساعد عملها مركبة الفضاء في استخدام الوقود بكفاءة أكبر، والمساعدة في منع الحرائق، وهو ما يمكن الاستفادة منه على الأرض أيضاً، عن طريق معرفة طرق تقليل ملوثات الاحتراق.
عملت كوك مع مختبر «كولد أتوم»، حيث يجري تبريد سحابات الذرات بنحو واحد على عشرة مليارات من الدرجة فوق الصفر، لتصبح تقريباً بلا حراك، وذلك ليتمكن العلماء من دراسة السلوكيات والخصائص الكمية. وقد غطّت الدراسات مجالات عدة، منها صحة الكلى، ورصد الأرض، والكاميرا الزراعية لمحطة الفضاء الدولية، وتجربة الهياكل الشعرية، وتجربة بلورات الجاذبية الصغرى، وغيرها.
أول ما ميز هذه الرحلة عن غيرها أن جميع أفراد طاقمها من النساء، حيث تعتبر مشاركة كوك ومائير فيها ثاني وثالث مشاركة نسائية على الإطلاق. وبالتأكيد سيكون هناك أخريات لكن لن يتم الإشارة إليهن، لأن المرحلة التي قطعناها حتى الآن والطريق الذي نسير فيه مستقبلاً لن يجعلا من مشاركة المرأة في رحلات الفضاء استثناء.
وبالمثل، فإن مهامها طويلة الأمد ستفتح أبواباً ضرورية للفهم والاستيعاب ستساعد حتماً في نجاح تسيير رحلات الفضاء إلى القمر والمريخ. في الوقت الحالي، فإن معظم البيانات عن تأثير الإشعاع على النساء تأتي من الناجين من هيروشيما، واستناداً إلى ذلك، يمكن القول إن الإشعاع يؤثر على النساء بشكل أكبر من تأثيره على الرجال. لا أحد يعرف السبب، لكن لوائح وكالة «ناسا» للفضاء تقيد زمن مكوث المرأة في الفضاء، لأن مجموعة العينات كانت أصغر من أن تكشف ما إذا كان الإشعاع الكوني يعمل بشكل مختلف على أجساد النساء. ولذلك فإن مهمة كوك الطويلة الأمد هي دليل على أن «ناسا» جادة في إتاحة الفرص للجميع.
- خدمة «نيويورك تايمز»
كريستينا كوك تعود إلى الأرض لتشق طريق المرأة في الفضاء
قامت هي وجيسيكا مائير بقيادة أول رحلة فضائية للسيدات
كريستينا كوك تعود إلى الأرض لتشق طريق المرأة في الفضاء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة