«21.39» في جدة.. تكرم الماضي وتقدم الفن المعاصر عبر جدول حافل

يقيمه المجلس الفني السعودي

{الزبون} للفنانة صفية بن زقر (دارة صفية بن زقر)، عمل للفنان محمد السليم (الصورة من قسورة حافظ).
{الزبون} للفنانة صفية بن زقر (دارة صفية بن زقر)، عمل للفنان محمد السليم (الصورة من قسورة حافظ).
TT

«21.39» في جدة.. تكرم الماضي وتقدم الفن المعاصر عبر جدول حافل

{الزبون} للفنانة صفية بن زقر (دارة صفية بن زقر)، عمل للفنان محمد السليم (الصورة من قسورة حافظ).
{الزبون} للفنانة صفية بن زقر (دارة صفية بن زقر)، عمل للفنان محمد السليم (الصورة من قسورة حافظ).

يبدو أن مدينة جدة ستعيش عاما حافلا بالمفاجآت، فكانت البداية مع مهرجان جدة التاريخي الذي شغل الناس، وأعاد الحياة لذكريات الآباء والأجداد فلف المدينة كلها بموجة من الحنين للماضي والاحتفاء بأجمل لحظاته.
وبعد انتهاء المهرجان سيكون أمام أهالي عروس البحر الأحمر جدول حافل بالفعاليات الفنية والثقافية يبدأ مع انطلاق فعالية فن جدة «21.39» التي يقيمها المجلس الفني السعودي المؤسس حديثا في الفترة ما بين 4 - 8 فبراير (شباط) المقبل. المجلس أقيم بإشراف مجموعة من الشباب السعودي المهتم والعامل في مجال الفنون وترأسه الأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود رئيسة مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع.
وستتميز مبادرة «21.39» التي تستوحي اسمها من الإحداثيات الجغرافية لمدينة جدة بالكثير من المعارض والندوات والجولات داخل المعارض إلى جانب برامج تثقيفية وتعليمية عامة.
وفي حديث مع «الشرق الأوسط» قال محمد حافظ نائب رئيس المجلس الفني السعودي والمؤسس المشارك لصالة أثر الفنية في جدة إن الحدث الذي سيقام بصفة سنوية سيضم مجموعة من المعارض وورش العمل والمحاضرات وهو جدول يمتد على مدى شهرين.
المعرضان اللذان سيقامان في الأسبوع الأول هما «الماضي كمقدمة» و«المعلقات» وهما رؤية حمزة صيرفي وتنسيق رنيم فارسي وآية علي رضا. يشير حافظ إلى أن «الماضي كمقدمة» سيركز على الفن السعودي الحديث «نحاول التركيز على بدايات الحركة الفنية السعودية عبر عرض أعمال لفنانين سعوديين رواد من فترة الخمسينات والستينات». ويضيف أن بعض تلك الأعمال لم تنل حظها من الشهرة والتقدير، ثم يضيف قائلا «كل ما نعيشه اليوم قام على أسس هؤلاء الفنانين الذين وضعوا الأساسات للحركة الفنية الحالية، أذكر منهم صفية بن زقر، عبد الحليم رضوي، عبد الله حماس عبد الله الشيخ، منيرة موصلي، محمد السليم».
من جانبها تعلق رنيم فارسي «نقدم تحية إلى الفنانة صفية بن زقر وإلى دورها الرائد في مسيرة الفن السعودي عبر عرض أحد أعمالها وأيضا عبر إعداد أرشيف حول أعمالها سنضعه في متحفها الخاص (دارة بن زقر) كما سنقوم بتنظيم جولات فنية في المتحف». وتضيف أن الهدف من تنظيم «الماضي كمقدمة» هو تقدير دور الفنانين الرواد في إثراء حركة الفن التشكيلي في المملكة، وتشير إلى أن المعرض أيضا يقدم رؤية للأساليب الفنية المختلفة التي تبناها هؤلاء الرواد كما يظهر التأثيرات الفنية العالمية على أعمالهم.
وتضع المبادرة تركيزا خاصا على التعليم والتوعية بالفكر الفني، وتعلق فارسي أن «21.39» لن يقتصر على المعارض فقط، «نريد أن نقدم برنامجا كاملا ننظم من خلاله جولات فنية للمدارس بهدف بث التوعية الفنية».
بالنسبة للمعرض الآخر وهو «المعلقات» فتشير فارسي إلى أنه يقدم تصورا حديثا لفكرة المعلقات في الجاهلية «المعلقات كانت أول فن جماهيري استخدم كوسيلة للتعبير والحوار مع الجماهير، ما نحاول أن نقوله اليوم هو أن الفن تبنى الدور الذي كان الشعر يقوم به قديما وأصبح هو وسيلة التعبير الجماهيرية». تشير إلى أن المعرض يقدم أعمالا لـ22 فنانا منهم رائدة عاشور وعبد العزيز عاشور وناصر السالم ومها الملوح وأحمد ماطر ومنال الضويان وصديق واصل ومساعد الحليس: «كل منهم يقدم رؤية وتفسيرا لفكرة المعلقات».
أما آية علي رضا المنسقة المشاركة للمعرضين فتشير إلى سبب اختيار المعلقات بقولها: «قد يبدو للبعض أنه من الغريب اختيار مثل هذه المواضيع التاريخية لمعرض فني معاصر لكن موضوع وعنوان المعلقات كان بالنسبة لنا جذابا جدا نظرا لما تمثله هذه القصائد من أبعاد ومعان غائرة في ثقافتنا العربية».
الأعمال المقدمة تراوحت بين التجريدي بصورة حادة والحرفي المحسوس بقوة، حسب تعبير آية علي رضا وتضرب المثل بعملين للفنان ناصر السالم والفنانة دانية الصالح: «السالم وقع تحت سيطرة الرقم 7 مما قاده إلى رحلة استكشافية، أما دانية الصالح في عملها الهندسي (أهواك) فتكشف فضول وتعجب الفنانة من طبيعة الشعراء غير المتحفظة في التصريح بحبهم الذي خلدته المعلقات».
«21.39» يتضمن الكثير من الفعاليات الثقافية السنوية التي ستنظم على مستوى المدينة وتشارك فيها صالات ومؤسسات فنية محلية مثل صالة أثر التي تقدم المعرض المنفرد الأول للفنان أحمد ماطر، وصالة أيام وصالة تسامي بهدف بث مد الجسور مع العالم الخارجي وإيجاد لغة موحدة مع المؤسسات الفنية العالمية.
وسينظم معرض تعليمي خاص بمبادرة «21.39» وسيتضمن جولات ميدانية مصحوبة بمرشدين لأهم المعارض الخاصة بمجموعة من الفنانين، وبرنامجا تدريبيا للشباب المتطوعين لمراقبة أعمال الفريق وتوجيههم، ودورات توجيهية للفنانين السعوديين الشباب.
كما ستعمل الجلسات النقاشية والحوارية المفتوحة على تعزيز موضوع مبادرة «21.39» حيث ستغطي هذه الجلسات محاور مختلفة كبنية مشهد الفن المعاصر، وتوجهات الفن السعودي في المنطقة، ودور الفنانين السعوديين كسفراء للثقافة والفن السعودي، والعمل على معالجة الأفكار النمطية المسبقة التي تروج لها وسائل الإعلام الدولية. وسيشارك في هذه الجلسات مجموعة من المتحدثين الإقليميين والدوليين إلى جانب فنانين سعوديين ورؤساء معارض ومتاحف ومجموعة من الخبراء في عالم الفن.
وستولي مبادرة «21.39» أهمية خاصة للمنطقة التاريخية لمدينة جدة التي تعرف بـ«البلد» من خلال فعالية «عروض البلد» وهي عبارة عن مشاريع خاصة تحمل صفة الاستمرارية وتهدف إلى بث روح جديدة في هذه المنطقة من خلال الفن وتسليط الضوء عليها كمركز للفن والإبداع. كما يهدف هذا العرض إلى التشجيع على المحافظة على جمالية البيئة المحيطة من خلال عدد من الأعمال الفنية التشكيلية، والفنون الأدائية وسلسلة من ورشات العمل الخاصة بالأطفال المحليين.

* المعلقات.. من الشعر إلى الفن «شجرة العائلة».. المجتمع من وجهة نظر نسائية

* تتحدث الفنانة منال الضويان مع «الشرق الأوسط» حول عملها المعنون «شجرة العائلة» الذي تشارك به في معرض «المعلقات» بحماس معهود منها وتقول «هذا المشروع يكمل مشاريعي السابقة من عدة نواح، الأولى هو صفة المشاركة فأنا أقدم أعمالا تعتمد على مشاركة النساء بشكل فعال يسمح لهم بالتعليق على عدد من الأمور الاجتماعية الخاصة بهم. الجانب الثاني هو أن (شجرة العائلة) يستكمل تناول مواضيع تناولتها من قبل وهي (النسيان والاختفاء) مثل اختفاء الأسماء، فقضية التعامل مع اسم المرأة في المجتمع التي قدمتها في مشروع (اسمي) أو فكرة الاختفاء حيث تختفي المرأة في الطرح الاجتماعي والإعلامي خلف غلالة سوداء وقد نجد في يوم أن ذات المرأة السعودية كما نعرفها ستختفي وستحل محلها صورة استحدثتها وسائل الإعلام».
عمل «شجرة العائلة» سيعتمد على عدة لقاءات تعقد في جدة والرياض والخبر مع مجموعة من النساء. من خلال اللقاءات تطلب الضويان من كل مشاركة رسم شجرة لعائلتها، المطلوب هنا هو الأسماء النسائية فقط، شجرة عائلية نسائية بحتة. يثير ذلك التحديد تساؤل «ألا تعتمد شجرة العائلة عادة على النساء والرجال؟»، تجيبني الضويان «هي شجرة العائلة من المنظور النسائي، فالرجال قدموا لنا رؤية لتاريخ المجتمع السعودي متأثرة بعوامل خارجية يعايشونها مثل السياسة والعلاقات الاجتماعية لكن النساء لهن تاريخ مختلف، فهن يعشن في البيوت، يمكننا رصد التاريخ الشعبي، العادات والتقاليد عن طريقهن. شجرة العائلة التي أقدمها ستضم أيضا التراث الشفهي وأغاني الأطفال والحكايات والقصص المتوارثة عن الأمهات والجدات، كل تلك العناصر ترسم لنا صورة لتقاليد وعادات المجتمع السعودي من وجهة نظر المرأة».
تطلب الضويان من كل مشاركة أن تقوم بكتابة قائمة بأسماء الأمهات والجدات وجدات الجدات «قد لا تصدقين أن هناك الكثيرات من الجيل الحالي لا يعرفن أسماء جداتهن، وبالمثل أسماء جدات الأمهات. هو تدريب أجبر به المشاركات على تذكر الأسماء، وفي الورشة سأطلب من كل من المشاركات تقديم قصة أو طرفة أو أغنية ما قبل النوم سمعتها من أمها أو من جدتها. أريد أن أجمع تلك المعلومات وأكون منها أرشيفا. المجسم للشجرة يبدأ بالجيل الحالي ومنه إلى الجدات وجدات الجدات حتى آخر اسم يمكن للمشاركة أن تتذكره، أو عند نقطة اختفاء المرأة من الذاكرة وهو أساس مشروعي».
المشروع يبدو مقدمة لمشاريع مشابهة تقيمها الضويان في بلدان الخليج العربي تبدأها من الدوحة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».