واشنطن تدعم أنقرة في إدلب وتحذر من انتهاء اتفاق سوتشي

TT

واشنطن تدعم أنقرة في إدلب وتحذر من انتهاء اتفاق سوتشي

اعتبرت مصادر دبلوماسية في واشنطن أن التطورات الجارية في إدلب، أو ما يعرف بمنطقة خفض التصعيد، أدت عمليا إلى أن يلفظ اتفاق سوتشي أنفاسه الأخيرة، في ظل عملية «قضم ممنهجة لحصة تركيا» من هذا الاتفاق، تمارسها روسيا وقوات النظام السوري وإيران، بشكل علني لتغيير الواقع على الأرض.
وتشير الأوساط إلى أن ما يجري ليس بعيدا عن المساومة - المواجهة المفتوحة بين تركيا وروسيا في أكثر من ملف، وخصوصا في ليبيا، حيث يثير التدخل التركي في هذا البلد حفيظة قوى دولية عدة، وخصوصا الأوروبيين. لكن تداعيات العمليات العسكرية على الوضع الإنساني في منطقة إدلب، هي ما يثير ويحرك الاعتراض الأميركي على هذا المسار العسكري.
وتذكّر تلك الأوساط بتغريدات للرئيس الأميركي دونالد ترمب التي أشار فيها ببساطة، إلى أن «اقتلاع 30 ألف مقاتل متشدد يجب ألا يتسبب بمقتل مئات آلاف المدنيين وتشريدهم... هذه المعادلة غير مقبولة»، في نقد ضمني لسياسات روسيا.
وفي تصعيد للهجة واشنطن من التصعيد العسكري في إدلب، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن «الولايات المتحدة تدين بشدة الاعتداء المستمر وغير المبرر والقاسي من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا وإيران و(حزب الله) على المدنيين في إدلب». وأضاف المتحدث لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الهجمات أدت إلى مقتل الكثير من الأتراك العاملين في مراكز المراقبة في إدلب تستخدم للتنسيق ووقف التصعيد. وأكد «وقوف الولايات المتحدة إلى جانب تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في مواجهة هذه الهجمات، وقدّم التعازي للحكومة التركية على مقتل مواطنيها، وتأييد واشنطن التام للإجراءات الدفاعية التركية المبررة للرد على هذه الهجمات، مشيرا إلى أن واشنطن تتشاور مع الحكومة التركية في هذا الشأن».
وقال المتحدث باسم الخارجية إن «الأعمال المزعزعة للاستقرار التي قامت بها روسيا والنظام الإيراني و(حزب الله) ونظام الأسد تعرقل التوصل إلى وقف لإطلاق النار على المستوى الوطني في سوريا، داعيا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 والعودة الآمنة لمئات الآلاف من النازحين في شمال سوريا إلى منازلهم».
كما دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول الفوري إلى المناطق المتضررة لتخفيف معاناة مئات الآلاف الذين فروا من القصف المستمر.
وأكد المتحدث على أن الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لمنع أي إعادة لدمج نظام الأسد في المجتمع الدولي، إلى أن يلتزم بجميع أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك وقف إطلاق النار على المستوى الوطني الذي يشمل إدلب. وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هدد الأسبوع الماضي باتخاذ إجراءات قوية اقتصادية ودبلوماسية ضد نظام الأسد وأي دولة أو فرد يساعد في تنفيذ «أجندته الوحشية».
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) لشؤون القيادة الوسطى الأميركية، توماس كامبيل، قد أعلن في حديث صحافي الاثنين، أن هجوم النظام السوري هو دليل إضافي على أن الأسد وروسيا يخطئان إذا اعتبرا أن حل الأزمة السورية ممكن عسكريا. وأكد كامبيل أن البنتاغون «لن يسمح للنظام السوري باللجوء إلى استخدام السلاح الكيماوي، وأن القوات الأميركية على أهبة الاستعداد للتدخل فيما لو قرر الأسد اللجوء إلى هذا السلاح».
في تطور لافت، وزعت السفارة الأميركية على موقعها في «فيسبوك»، بياناً في «الذكرى 38 لمجزرة حماة» وسط سوريا، قالت فيه إن الرئيس بشار الأسد «يتبع خطى والده، وأثبت أنه أكثر من ديكتاتور متهور وبدون رحمة».
وأشارت السفارة إلى أنه في 2 فبراير (شباط) 1982، «شن حافظ الأسد حملة عنيفة ضد أهالي حماة، ذبح عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال السوريين الأبرياء».
وتابعت أنه منذ عام 2011، أودى الصراع في سوريا بحياة أكثر من 500.000 شخص، و«لا يزال هناك مئات الآلاف مفقودين. نظام الأسد وأنصاره روسيا والنظام الإيراني مسؤولون عن الغالبية العظمى من العنف والدمار. واليوم تستمر وحشية الأسد بلا هوادة، حيث يقوم نظامه المدعوم من قبل قوات النظام الروسية والإيرانية بهجوم واسع النطاق على الشعب السوري في إدلب».
وقالت السفارة إنه في الوقت الذي «تحمل الولايات المتحدة، نظام الأسد وحلفاءه، مسؤولية الأعمال الوحشية التي يرتكبونها، والتي يرتفع بعضها إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ستواصل الولايات المتحدة أيضاً مساعدة الشعب السوري في تحقيق تطلعاته إلى الكرامة والسلام».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».