فرنسا تحاكم نصاباً انتحل صفة وزير الخارجية وجمع 50 مليون يورو

هرب إلى إسرائيل واستعادته باريس بعد القبض عليه في أوكرانيا

النصاب متنكراً في هيئة الوزير
النصاب متنكراً في هيئة الوزير
TT

فرنسا تحاكم نصاباً انتحل صفة وزير الخارجية وجمع 50 مليون يورو

النصاب متنكراً في هيئة الوزير
النصاب متنكراً في هيئة الوزير

بدأت أمام محكمة الجزاء في باريس، أمس، محاكمة محتال من أصحاب السوابق، بعد أن ألقي القبض عليه في أوكرانيا، وجرى تسليمه إلى فرنسا. ويمثل جيلبير شيكلي، أمام القضاء، بتهمة تزوير الهوية وتشكيل عصابة للحصول على مبالغ مالية بطرق غير مشروعة. وكان شيكلي قد نجح في الاتصال بمجموعة من الأثرياء المحليين ورؤساء الشركات الكبرى والمسؤولين الأجانب، طالباً منهم تحويلات مالية كبيرة لمكافحة الإرهاب، منتحلاً شخصية وزير الدفاع الفرنسي السابق، جان أيف لودريان، الذي يشغل حالياً منصب وزير الخارجية.
ولد شيكلي، الذي يبلغ من العمر 55 عاماً، في حي بيلفيل الشعبي في باريس لأسرة يهودية مهاجرة من تونس. وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الفرنسية، وسبق له أن هرب إلى إسرائيل بعد صدور حكم بالإدانة ضده في فرنسا، عام 2009، نظراً لعدم وجود اتفاقية بين البلدين لتسليم المتهمين. وكانت الشرطة قد لاحقته بعد ثبوت انتحاله لعدة شخصيات فاعلة بهدف ابتزاز الأموال. وخلال 8 أشهر، بين عامي 2005 و2006، انتحل المتهم شخصيات مدير عام دائرة البريد، ومدير متجر «غاليري لافاييت»، ورئيس مدينة الملاهي «ديزني لاند»، ومدير مصرف كبير للتوفير. واستندت طريقته على الاتصال الهاتفي بمسؤولين ماليين في تلك المؤسسات، وطلب تحويل مبالغ بحجة وجود تدقيق مالي أو مشروع لشراء أسهم خارجية، أو أن جهاز أمن الدولة يحتاجها لمكافحة الإرهاب. وانطلت الخدعة على عدد منهم.
عند انكشاف أمره، سارع المتهم إلى الهرب مع زوجته وولديه. وحوكم غيابياً في باريس مع 6 شركاء له، وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة 7 سنوات ودفع غرامة قدرها مليون يورو. وفي إسرائيل اتخذ زوجة ثانية ولدت له 4 بنات. ولم يجر تسليمه لفرنسا رغم صدور مذكرة توقيف دولية في حقه.
عاود جيلبير شيكلي نشاطه من وراء الحدود، منتحلاً، هذه المرة، شخصية وزير الدفاع بالصوت والصورة. ونظراً لأنه كان قد تلقى دروساً في التمثيل في معهد «فلوريان»، أبرز مدارس الفن في باريس، فقد نجح في ارتداء قناع بلاستيكي يماثل سحنة الوزير، واتصل عبر «سكايب» وتبادل الحديث، من خلال الشاشة، مع شخصيات ثرية، أو أصدقاء أجانب لفرنسا بينهم رئيس الغابون. وكان الوزير المزيف يطلب مبالغ كبيرة، بحجة أن جهاز أمن الدولة يحتاجها لمكافحة الإرهاب. وانطلت الخدعة على عدد منهم. وقال صاحب مزارع شهيرة للكروم والأنبذة، إنه رأى المتصل يجلس وراء مكتب وعلى يمينه العلم الفرنسي وعلى يساره علم المجموعة الأوروبية. وبهذه الطريقة، تمكن شيكلي بمساعدة عدد من شركائه من الحصول على نحو 50 مليون يورو.
في عام 2015، تقدم الوزير لودريان بشكوى قضائية تفيد بأن هناك من ينتحل شخصيته. وبعد سنتين، أي في صيف 2017، ألقت الشرطة الأوكرانية القبض على شيكلي وأودع التوقيف. ومن مكان احتجازه هناك، قام بتسجيل فيديو يوجه فيه للعدالة الفرنسية شتائم وعبارات مقذعة، ويؤكد أنه لن يعود إليها. وبعد شهر من التوقيف جرى إطلاق سراحه، لكي يعاد القبض عليه في مساء اليوم التالي، في مطعم بالعاصمة كييف، بناء على مذكرة التوقيف الدولية الصادرة ضده.
هذه المرة، يحاكم جيلبير شيكلي حضورياً، وليس غيابياً، ولا عبر الشاشة، لكي يسدد ديونه عما سبق وما لحق. ومن المنتظر أن يصدر الحكم في 12 من الشهر الحالي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».