الأردن: مسيرات حاشدة ترفض «الصفقة»

مشاركون في مسيرة رافضة لخطة ترمب للسلام في العاصمة الأردنية عمّان أمس (أ.ب)
مشاركون في مسيرة رافضة لخطة ترمب للسلام في العاصمة الأردنية عمّان أمس (أ.ب)
TT

الأردن: مسيرات حاشدة ترفض «الصفقة»

مشاركون في مسيرة رافضة لخطة ترمب للسلام في العاصمة الأردنية عمّان أمس (أ.ب)
مشاركون في مسيرة رافضة لخطة ترمب للسلام في العاصمة الأردنية عمّان أمس (أ.ب)

شارك الآلاف في عمّان، أمس (الجمعة)، في مسيرات حاشدة خرجت للتنديد بخطة السلام التي أعلنها الرئيس دونالد ترمب يوم الثلاثاء الماضي، والتي تضمنت بنوداً شكلت مصادرة لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، بحسب ما يؤكد منتقدوها.
ودعت قوى حزبية ونقابية وحركات شعبية في الأردن إلى المشاركة في المسيرة المركزية التي انطلقت من أمام المسجد الحسيني في العاصمة عمّان، وتوقفت عند ساحة النخيل الشهيرة التي أصبحت منبراً لخطابات المعارضة. فيما اعتصم المئات من القوى القومية واليسارية أمام مبنى السفارة الأميركية في عمّان.
في الأثناء، شاركت تنسيقيات لجان مخيمات اللجوء الفلسطيني في الأردن في المسيرات بعد أن أصدرت لجان المخيمات بيانات حذرت فيها من المساس بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، وهو ما رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليلة إعلان الخطة عندما قال «إن حل قضية اللاجئين ستكون خارج حدود دولة إسرائيل».
إلى ذلك خرجت مسيرات موازية في عدد من محافظات الأردن أمس، كما نفذ أبناء المخيمات وقفات احتجاجية، كان أكبرها في مخيم البقعة شمال عمان، أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في البلاد، في رسالة منهم لرفضهم مصادرة حق العودة.
في الأثناء يستعد مجلس النواب الأردني لجلسة رقابية تم تحديد موعدها مساء يوم الأحد لمناقشة تداعيات الإعلان الأميركي على مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل الأردن، فيما ذكرت مصادر برلمانية أن الجلسة ستشهد توقيع مذكرات نيابية تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من عمان واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب احتجاجاً على إجراءات إسرائيلية «تقوّض فرص السلام والاستقرار في المنطقة».
وومنذ ليلة الثلاثاء الماضي، نفذ المئات من شباب مخيمات اللجوء الفلسطيني في الأردن، سلسلة وقفات احتجاجية عبروا خلالها عن رفضهم لخطة السلام الأميركية التي صادرت حق اللاجئين التاريخي بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها عام النكبة في 1948.
وأكد مدير دائرة الشؤون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية الأردنية رفيق خرفان، أن مخيمات اللجوء الفلسطينية في المملكة ترفض «جملة وتفصيلاً ما جرى الإعلان عنه من مضامين خطة السلام الأميركية، التي صادرت مفصلاً مهماً من مفاصل قضايا الوضع النهائي، التي تشكل قضية اللاجئين جوهراً لها».
وقال خرفان في تصريحاته الخاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن مخيمات اللجوء الفلسطينية في البلاد تستعد لتنفيذ سلسلة وقفات احتجاجية، تعبر من خلالها عن رسالتها في رفض أي تسويات غير عادلة للقضية الفلسطينية، أو محاولة المساس بالحقوق التاريخية أمام صفقات سياسية لا تمثل إلا من أعلنها.
وبين خرفان أن اللاجئين الفلسطينيين في الأردن عبروا عن رفضهم لكل ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إن حل قضية اللاجئين سيكون خارج حدود دولة إسرائيل.
ويعيش في الأردن نحو 2.3 مليون لاجئ فلسطيني معترف بهم في سجلات وكالة الغوث الدولية (الأونروا) موزعين على 13 مخيم لجوء؛ تعترف «الأونروا» بـ10 فقط منهم. فيما يعد مخيم البقعة للاجئين شمال عمان، أكبر تلك المخيمات، ويضم حوالي 120 ألف لاجئ اليوم.
إلى ذلك، عبر الشيخ واصل أبو جابر أحد مؤسسي مخيم البقعة، عن رفض أبناء المخيم لكل المحاولات القائمة على مصادرة الحقوق الفلسطينية المشروعة، التي تعتبر حقوقاً ثابتة لا يمكن العبث بها. وقال الشيخ أبو جابر، الذي شهد تفاصيل النكبة عام 1948، وعايش فصول النكسة عام 1967، قبل هجرته إلى الأردن، بأن «أي وعود أميركية لإسرائيل لن تأتي بالسلام المنشود ما دامت ذاكرة الظلم تتناقلها الأجيال».
وبين أبو جابر، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، أن «وعد من لا يملك لمن لا يستحق، لن يأتي بالسلام لإسرائيل التي قتلت وشردت ودمرت شعباً بأكمله، وأن التعدي على الحقوق المشروعة للفلسطينيين لن يطول».
المعمر أبو جابر، الذي بلغ سن 106 أعوام، يستذكر مسيرة نضال الشعب الفلسطيني، واعتبر أن الأردن بمواقفه الداعمة لحقوق الفلسطينيين، هو ما يغذي صبر اللاجئين، الذين ستنتهي معاناتهم بعودتهم، وتعويض أجيال طالها الظلم عبر عقود ماضية وسنوات صعبة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.