قوات النظام السوري تقترب من السيطرة على مدينة سراقب

مبعوث أميركي يقول إن 700 ألف مدني نزحوا باتجاه حدود تركيا

عنصر من «الدفاع المدني» بعد إصابته بغارة على إدلب أمس (أ.ف.ب)
عنصر من «الدفاع المدني» بعد إصابته بغارة على إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

قوات النظام السوري تقترب من السيطرة على مدينة سراقب

عنصر من «الدفاع المدني» بعد إصابته بغارة على إدلب أمس (أ.ف.ب)
عنصر من «الدفاع المدني» بعد إصابته بغارة على إدلب أمس (أ.ف.ب)

باتت قوات النظام على وشك السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية، شمال غربي سوريا، حيث أوقعت المعارك المستمرة ضد الفصائل المقاتلة أكثر من 400 مقاتل من الطرفين خلال أسبوع، وفق ما أحصى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس (الجمعة).
ومنذ ديسمبر (كانون الأول)، تشهد مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام»، وفصائل أخرى أقل نفوذاً في محافظة إدلب وجوارها، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين، تصعيداً عسكرياً لقوات النظام وحليفتها روسيا.
وتخوض قوات النظام معارك عنيفة ضد الفصائل، على رأسها «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) على محوري سراقب في ريف إدلب الجنوبي والراشدين في ريف حلب الغربي المجاور، وفق المرصد.
وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن «وكالة الصحافة الفرنسية» عن «اشتباكات عنيفة تدور جنوب مدينة سراقب، التي باتت قوات النظام على بعد كيلومترين منها تقريباً».
وباتت المدينة على غرار بلدات وقرى عدة في محيطها شبه خالية من سكانها الذين نزحوا منها على وقع التقدم العسكري لقوات النظام التي أعلنت، الأربعاء، سيطرتها على مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن إدلب.
ويتركز التصعيد في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من طريق دولي استراتيجي يربط مدينة حلب بدمشق، يُعرف باسم «إم فايف»، ويعبر أبرز المدن السورية من حماة، وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وفي إدلب، يمر هذا الطريق في ثلاث مدن رئيسية، خان شيخون التي سيطرت عليها قوات النظام صيف 2019، ومعرة النعمان، ثم مدينة سراقب شمالها.
ولا يزال 50 كيلومتراً من الطريق الدولي خارج سيطرة دمشق، تعبر غالبيتها ريف حلب الغربي.
وقال مصدر عسكري سوري لصحافيين بينهم فريق «وكالة الصحافة الفرنسية»، على هامش جولة نظمتها وزارة الإعلام في معرة النعمان، أول من أمس (الخميس): «يسعى الجيش السوري لتأمين كامل الطريق الدولي».
وأوضح أنه بعد الوصول إلى سراقب، سيعمل الجيش على أن تلتقي قواته «فيها بتلك المهاجمة من جهة حلب»، حيث تدور معارك تُعدّ الأعنف منذ نهاية عام 2016.
وتكمن أهمية سراقب في موقعها الاستراتيجي؛ كونها تشكل نقطة التقاء بين طريق «إم فايف» وطريق استراتيجي ثانٍ يُعرف باسم «إم فور»، يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً.
وتسبب القصف والمعارك المستمرة منذ أسبوع مصرع أكثر من 400 مقاتل من الطرفين موزعين مناصفة تقريباً بين قوات النظام والفصائل، بحسب حصيلة للمرصد، أمس (الجمعة).
ودفع التصعيد منذ ديسمبر (كانون الأول) 388 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة، خصوصاً معرة النعمان باتجاه مناطق أكثر أمناً شمالاً، وفق الأمم المتحدة. كما تسبب بمقتل أكثر من 260 مدنياً، وفق المرصد.
وبينما يقترب النزاع من إتمام عامه التاسع، باتت قوات النظام تسيطر على أكثر من سبعين في المائة من مساحة سوريا، كما تنتشر قواتها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال شرقي البلاد. وإثر تقدمها الأخير في إدلب ومحيطها، تقترب من السيطرة على نحو نصف مساحة محافظة إدلب، المنطقة الأبرز التي لا تزال مع أجزاء من محافظتي حلب واللاذقية المجاورتين خارج سيطرتها.
وكان المبعوث الأميركي الخاص بشأن سوريا جيمس جيفري قال في بروكسل، أول من أمس (الخميس)، إن الهجوم الذي تشنه القوات الحكومية السورية على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة شمال غربي البلاد، خلال الأيام القليلة الماضية، دفع نحو 700 ألف شخص للفرار صوب الحدود مع تركيا، مما يزيد خطر حدوث أزمة دولية.
وقال جيفري في مؤتمر صحافي إن الطائرات السورية والروسية نفذت 200 ضربة جوية في منطقة إدلب «خاصة ضد المدنيين»، خلال الأيام الثلاثة الماضية، وإن العديد من نقاط المراقبة التركية «أصبحت معزولة»، نتيجة تقدم القوات الحكومية.
وأضاف جيفري أن الهجوم «دفع نحو 700 ألف شخص كانوا نازحين بالفعل للتحرك مجدداً صوب حدود تركيا، وهو ما سيثير عندئذ أزمة دولية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم