الإعلان عن تتويج «صناع الأمل» بدبي في العشرين من فبراير الحالي

المبادرة الإنسانية تتبنى دعم مشروع إنشاء مستشفى لعلاج أمراض القلب في مصر

رسم تخيلي لمستشفى الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب المزمع بناؤه في القاهرة بدعم من مبادرة صناع الأمل
رسم تخيلي لمستشفى الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب المزمع بناؤه في القاهرة بدعم من مبادرة صناع الأمل
TT

الإعلان عن تتويج «صناع الأمل» بدبي في العشرين من فبراير الحالي

رسم تخيلي لمستشفى الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب المزمع بناؤه في القاهرة بدعم من مبادرة صناع الأمل
رسم تخيلي لمستشفى الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب المزمع بناؤه في القاهرة بدعم من مبادرة صناع الأمل

تنظم مبادرة «صناع الأمل» حفل تتويج أوائل صناع الأمل من العاملين في التغيير الإيجابي، والذين يساهمون في بناء واقع أفضل في مجتمعاتهم من خلال مشاريعهم الإنسانية التطوعية، من بين أكثر من 92 ألف صانع أمل عربي شاركوا في نسخة هذا العام من المبادرة، والتي تقام تحت مظلة مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية.
وبحسب المعلومات الصادرة أمس فإنه للمرة الأولى سيشهد حفل صناع الأمل تبني دعم مشروع إنساني ليكون مشروع العام الإنساني العربي؛ وذلك لترسيخ ثقافة العمل الإنساني من خلال توحيد جهود أكبر عدد من الناس لدعم مشروع عربي ذي قيمة إنسانية مشتركة.
وقالت اللجنة المنظمة إن الحفل سيقام في 20 فبراير الحالي على مسرح «كوكا كولا أرينا» وسط حضور يتوقع أن يصل إلى 12 ألف شخص من مختلف أنحاء الوطن العربي.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أمس «92 ألف مشاركة في صناع الأمل في دورته الثالثة، من 15 دولة عربية و23 دولة أجنبية، رسالة الإمارات رسالة أمل وتفاؤل بقدرتنا جميعاً على صنع التغيير الإيجابي لمجتمعاتنا... نلتقيكم في 20 فبراير لنكرم نماذج استثنائية في رحلة البحث عن الإنسان بداخل كل إنسان».
وأضاف: «هذا العام يتبنى حفل صناع الأمل مشروعاً إنسانياً عظيماً، سيذهب ريع الحفل من أجله، مشروع مستشفى البروفسور مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب الخيري في مصر، الهدف أن يصنع الحفل أملاً جديداً لآلاف القلوب المحتاجة لرعاية».
من جهته، قال محمد القرقاوي أمين عام مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية: «منذ إطلاقها قبل أكثر من ثلاث سنوات، ساهمت مبادرة صنّاع الأمل في تحفيز العديد من الناس في الوطن العربي، خاصة فئة الشباب، لاتخاذ قرار بالتصدي لأبرز التحديات التي تواجه مجتمعاتهم من خلال مشاريع ومبادرات تطوعية تسهم في إحداث فرق إيجابي في حياة الناس من حولهم»، مشيراً إلى أن «مبادرة صناع الأمل تصب في رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للعمل الإنساني التي تركز على إشراك الجميع وغرس الأمل وتحريك الناس لخدمة الناس».
وتابع بأن «رسالة محمد بن راشد هي أن التغيير يجب أن يبدأ من الفرد، وبأن شباب الوطن العربي عليهم مسؤولية أخلاقية تتمثّل في محاربة اليأس والمساهمة الفاعلة في بناء مجتمعاتهم وصنع المستقبل الذي يريدونه بأنفسهم».
وأكد القرقاوي: «مبادرة صناع الأمل تدخل مرحلة جديدة من تمكين ودعم العمل الإنساني واسع النطاق، من خلال تبني مشروع إنساني ذي بعد عربي، من منطلق أن ما يجمعنا هو منظومة قيم إنسانية مشتركة، وأن الارتقاء بواقع المواطن العربي في أي بقعة في وطننا الغالي بمثابة غرس دعامة متينة تسهم في استقرار وازدهار أمتنا كلها، رسالة الإمارات رسالة أمل للمنطقة والعالم... وهذا العام سنرسل الرسالة بطريقة مختلفة».
وأعلنت مبادرة صناع العمل في دورة هذا العام عن تبني مشروع بناء مستشفى الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب في مصر بوصفه مشروع العام الإنساني العربي، حيث سيتم تخصيص ريع الحفل لدعمه.
وسيكون المستشفى التخصصي الجديد من أكبر المؤسسات العلاجية من نوعها عربياً، من خلال كادر طبي مؤهل وتجهيزات ومعدات طبية وجراحية تعد الأحدث في العالم، حيث سيوفر المستشفى خدماته لعلاج مرضى القلب من كل أنحاء الوطن العربي مجاناً.
وسيجري المستشفى 12 ألف عملية جراحة سنوياً، 70 في المائة منها تستهدف الأطفال، كما ستستقبل العيادات الخارجية أكثر من 80 ألف مريض سنوياً، وسوف يتم تدريب أكثر من ألف طبيب وجراح مختص في أمراض القلب من خلال مركز التعليم والتدريب التابع لمؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب، بحيث يكونون ضمن الكادر الطبي عالي التأهيل في المستشفى.
ويعد الدكتور مجدي يعقوب أحد أشهر جراحي القلب في العالم، وهو بروفسور مصري بريطاني، حيث أجرى أكثر من ألفي عملية زراعة وما يقرب من 40 ألف عملية قلب مفتوح.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)