«حنضل نضحك» مبادرة شهرية لتزويد اللبنانيين بمساحة فرح

في ظل ضغوط حياتية صعبة يعيشونها

«حنضل نضحك» مبادرة شهرية لتزويد اللبنانيين بمساحة فرح
TT

«حنضل نضحك» مبادرة شهرية لتزويد اللبنانيين بمساحة فرح

«حنضل نضحك» مبادرة شهرية لتزويد اللبنانيين بمساحة فرح

تظهر أكثر من دراسة علمية أن الضحك يطيل عمر الإنسان، كما أنه ينعكس إيجاباً على حالته الصحية ككل، لأنه يحسنها من نواح كثيرة، لا سيما من ناحية أمراض القلب. وبحسب «منظمة الصحة العالمية»، فإن العواطف التي لا نعبّر عنها تتسبب بـ80 في المائة من علل المجتمعات. والضحك يُعدّ وسيلة للتغلب على المشاعر السلبية التي تجتاحنا أحياناً كثيرة؛ فاستيعاب الشخص للإجهاد أو الإحباط أو الغضب من خلال جلسة ضحك تؤثّر على أدائه الاجتماعي، وعلى صحته بشكل عام.
ومن هذا المنطلق قررت جمعية «كلاون مي إن» القيام بمبادرة شهرية «حنضل نضحك»، في مركزها، بمنطقة جسر الباشا. وهي عبارة عن ورشة عمل تتخللها جلسة ضحك وترفيه تفتح أبوابها أمام الكبار والصغار للتخلص من التوتر والضغوط الحياتية، التي يعيشونها في هذه الفترة في لبنان. فالأجواء التي تحيط باللبناني بشكل عام تزيد من نسبة القلق عنده، كما تفقده التفكير بتفاؤل حول مستقبله القريب.
«الأوقات التي نمر بها حالياً في لبنان لا نُحسد عليها، ولمواجهتها بأقل أضرار ممكنة على حالتنا النفسية هو ما حفّزنا على القيام بهذه المبادرة». تقول غاليا صعب إحدى المشرفات على هذه المبادرة المنظمة من قبل جمعية «كلاون مي إن».
وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «سنقيم جلسات الضحك هذه مرتين في الشهر الواحد لنستقبل فيها في اليوم الأول، 1 فبراير (شباط)، الكبار من أعمار الـ18 سنة وما فوق وفي اليوم الثاني (2 فبراير) جميع فئات العمر، ليتسنى للأهل وأولادهم الاستفادة منها على نطاق واسع».
ويتضمن برنامج هذه الورشة التي تستغرق نحو ساعتين من الوقت مجموعة من تمارين التهريج والارتجال. «هي كناية عن ألعاب يتفاعل معها الحضور كل حسب طريقته. وتركّز غالبية هذه التمارين على العودة إلى مرحلة الطفولة، وإلى أجمل ذكرياتها. فيرويها المشاركون في هذه الجلسة بأسلوب طريف، بحيث ينشرون السعادة والفرح على أجواء الجلسة». توضح غاليا في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط».
أما التقنية المتبعة في الورشة فتعرف بتقنية «بوفون» للضحك. وهي تعود إلى كلمة bouffon))من فعل لاتيني buffare المرتبطة بكلمة «Puff» (أي لملء الخدين بالهواء). وهي تقنية ترتكز على استخدام كلمة «Buffo» في مسرح روما القديمة من قبل أولئك الذين ظهروا على المسرح مع نفخ الخدين. وعندما يتلقون أي ضربات عليها فمن شأنها أن تحدث ضجة كبيرة، مما يجعل الجمهور يضحك. ويأتي استخدام كلمة «بوفون» من اللغة الفرنسية، وقد دخلت إلى اللغة المسرحية الإنجليزية من خلال أعمال جاك لو كوك المعروف بأدائه الكوميدي، وهو ما دفعه إلى إنشاء تمارين صفّية ديناميكية تستكشف عناصر الفكاهة والمحاكاة الساخرة، التي لها تأثيرها على الجماعة.
«عادة ما يشعر المتفاعل معنا بهذه التقنية براحة نفسية كبيرة، وكثير من الأشخاص المشاركين معنا في ورش العمل هذه يؤكدون لنا في ختامها أنهم شعروا وكأنهم عادوا أولاداً من جديد؛ فهم يعبرون عن أفكارهم وأحاسيسهم تماماً كالأطفال من خلال أداء تلقائي غير مقيد بتقليد اجتماعي، بعد أن يغمرهم الإحساس بالحرية».
ولأن الضحك عدوى بحد ذاته، ويمكن أن ينتشر بسرعة بين متلقيه؛ فإن ورشة «حنضل نضحك» تتمسك بمشاركة أفراد العائلة الواحدة فيها كي يولّدوا بينهم أسلوب تحاور من نوع آخر اشتاقوا إليه في خضم الضغوط الحياتية التي يعيشونها.
«إن أكثرية الذين يشاركونا في هذه الورش يعانون من فقدانهم للتحاور مع أهاليهم وأولادهم وأفراد بيئتهم بشكل عام. ومع أجواء الضحك التي يعيشونها معنا يستعيدون هذه القيمة الاجتماعية التي تساهم في حل مشكلات كثيرة يعانون منها بين بعضهم. فالضحك يفتح شهيتهم على التحدث والفضفضة والبوح للآخر بما يخالجه من شعور تجاهه، من دون أي حواجز اجتماعية تُذكر فتولد علاقة سليمة بينهم». وتتابع غاليا صعب: «هناك مثل معروف في لبنان يقول: (الضحك من دون سبب هو قلة أدب). وهو قول خاطئ بنظرنا كجمعية تبحث عن نشر الفرح بين الناس. فالتشجيع على الضحك والتسلح بابتسامة دائمة على ثغرنا تخول لنا تجاوز صعوبات كثيرة. فهي بمثابة جواز مرور فعّال نستطيع أن ننتقل معه من مقلب إلى آخر، وندخل في أي مجتمع نريده من دون أي صعوبة تُذكر. فالوجه المبتسم يريح الآخر، ويقربه من صاحبه مباشرة، فيشعر وكأنه يعرفه من مدة طويلة».
والمعروف أن جمعية «كلاون مي إن» التي تتقن فن التهريج في الشارع تقيم مبادرات كثيرة، وتتنقل بين مخيمات اللاجئين في لبنان، وفي أحياء فقيرة، ضمن مدن وقرى لبنانية لتزويد أهلها بقليل من الفرح.
«الضحك لا يؤثر فقط على حالتنا النفسية التي تتحسن تلقائياً بسببه، ولكنه أيضاً يولّد قدرة لدى ممارسيه على تقبل صفحات حياته، ولا سيما الحزينة منها بمنظار مختلف يتيح له تجاوز أي صعوبات».
ويغيب عن هذه الورشة أزياء وماكياج التهريج التي ترافق عادة عمل المهرجين على الأرض والمعروفة بألوانها الفاقعة وخطوطها النافرة للعين. وتعلق غاليا: «في هذا النوع من الورش نطل كأشخاص عاديين لا كمهرجين، كي نقرب المسافات بيننا وبين الحضور فيتفاعلون معنا وكأننا واحد منهم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».