مصر تعلن اكتشاف 35 مقبرة عائلية و90 تابوتاً في المنيا

بعد حفائر استمرت 3 سنوات في منطقة الغريفة

قطع أثرية نادرة تم اكتشافها في المنطقة
قطع أثرية نادرة تم اكتشافها في المنطقة
TT

مصر تعلن اكتشاف 35 مقبرة عائلية و90 تابوتاً في المنيا

قطع أثرية نادرة تم اكتشافها في المنطقة
قطع أثرية نادرة تم اكتشافها في المنطقة

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية اكتشاف 35 مقبرة من المقابر العائلية تخص المعبود جحوتي، وكبار كهنة الإقليم الـ15، من أقاليم مصر العليا، تضم 90 تابوتاً تم العثور عليها على مدار 3 مواسم أثرية، بمنطقة «الغريفة» بمحافظة المنيا (صعيد مصر)، مؤكدة أن «المنطقة ستشهد اكتشافات متوالية خلال الفترة المقبلة».
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في مؤتمر صحافي بالمنيا أمس، إن «البعثة الأثرية المصرية بدأت الحفائر بالمنطقة في عام 2017، وكشفت في الموسم الأول عام 2018، عن سبع مقابر، وفي الموسم الثاني 12 مقبرة، و16 مقبرة في الموسم الثالث عام 2020»، مشيراً إلى أن «البعثة عثرت على 90 تابوتاً حجرياً، بينها 40 تابوتاً عُثر عليها في الموسم الأول، و30 تابوتاً في الموسم الثاني، و20 تابوتاً في الموسم الحالي».
وأضاف وزيري أن «الموسم الحالي بدأ في أغسطس (آب) من العام الماضي، وما زال العمل مستمراً وعثر داخل المقابر الست عشرة المكتشفة لكهنة الإله جحوتي، على أكثر من 10 آلاف تمثال أوشابتي، و700 تميمة من الفيانس، و5 توابيت خشبية رائعة الحفظ، داخلها مومياوات، وتوابيت حجرية مغلقة في حالة جيدة من الحفظ».
وضم الكشف 5 توابيت مصنوعة من الحجر الجيري على هيئة آدمية منقوشة بكتابات الهيروغليفية، و5 توابيت خشبية في حالة جيدة من الحفظ بعضها محفور عليه أسماء أصحابها مثل تابوت «حر»، وتابوت «جحوتي إير دي إس»، وتابوت «حر وجا»، بالإضافة إلى أكثر من 10 آلاف تمثال أوشابتي مصنوع من الفيانس الأزرق والأخضر أغلبها محفور عليها ألقاب المتوفين، وأكثر من 700 تميمة مختلفة الأشكال والأحجام والمواد، من بينها جعارين القلب، وتمائم الآلهة، وأعمدة الجد رمز المعبود أوزير، وتمائم مصنوعة من الذهب الخالص منها تميمة على شكل علامة «ألبا المجنحة» وتميمة عين الأوجات وتميمة على شكل الكوبرا المجنحة، فضلاً عن العديد من الأواني الفخارية مختلفة الأشكال والأحجام كان أغلبها يستخدم استخداماً جنائزياً، إضافةً إلى أدوات قطع المحاجر وتحريك التوابيت مثل الشواكيش الخشبية والسلال المصنوعة من سعف النخيل والدرفيل الخشبية لتحريك الأحجار والتوابيت، وثماني مجموعات من الأواني الكانوبية من الحجر الجيري الملون عليها نقوش لصاحبها مري آمون ومغني الإله تحوت، ومجموعات أخرى مكونة من أربعة أواني كانوبية من الألباستر لسيدة تدعى «ومن سو»، وأخرى لشخص يدعى «حر»، و«إيبي»، وأخيراً مجموعة من العجائن الحجرية من دون نقوش تمثل أبناء حورس الأربعة.
وقال الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة السياحة والآثار، لـ«الشرق الأوسط»، إن «جبانة الغريفة استُخدمت في العصر المتأخر بدءاً من الأسرة الـ26، وحتى العصر البطلمي بدليل الأواني الكانوبية والمسارج التي تم العثور عليها».
ويقع الكشف في منطقة «الغريفة» الواقعة في الإقليم 15 من أقاليم مصر العليا، وبدأت وزارة السياحة والآثار أعمال الحفائر الأثرية بها عام 2017 للكشف عن الجزء المفقود من جبانة الإقليم الخامس عشر، وكانت هذه الجبانة موجودة على الضفة الشرقية لنهر النيل، في عصر الدولة القديمة، وعصر الانتقال الأول والدولة الوسطى، ثم انتقلت إلى الضفة الشرقية حيث منطقة تونا الجبل في العصر البطلمي والروماني، وبعد ذلك نُقلت إلى مكان غير معروف في عصر الدولة الحديثة، وتعرضت المنطقة للسرقة في سبعينات القرن الماضي، ونفّذت وزارة الآثار حفائر إنقاذ لها عامي 2002 و2003، وتم ضمها لأملاك الآثار عام 2004.
وأوضح وزيري أن «المنطقة تسمى الغريفة وهو تصغير لكلمة غرفة، وتقع على سفح الجبل، وكان من عادة سكانها التوجه إلى المنطقة لتحقيق آمالهم في هذه الغرفة الصغيرة، وبدأت الحفائر بها عام 1925، وتعرضت للسرقة والنهب في القرن الماضي، حتى بدأت وزارة الآثار في التنقيب فيها من جديد». وقال الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، في مؤتمر صحافي أمس، إن «منطقة الغريفة منطقة بكر وواعدة جداً ستشهد المزيد من الاكتشافات الأثرية في المستقبل»، مشيراً إلى أن «الوزارة ستعمل في الفترة المقبلة على وضع المنيا على خريطة السياحة العالمية بما تملكه من تنوع أثري وتاريخي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».